أخبار عاجلة

أحمد بهاء الدين.. صحفي ومفكر سياسي بدرجة مقاتل.. صاحب معارك وطنية وقومية.. اشتبك مع قضايا الاستقلال الوطني والحرية السياسية

أحمد بهاء الدين.. صحفي ومفكر سياسي بدرجة مقاتل.. صاحب معارك وطنية وقومية.. اشتبك مع قضايا الاستقلال الوطني والحرية السياسية
أحمد بهاء الدين.. صحفي ومفكر سياسي بدرجة مقاتل.. صاحب معارك وطنية وقومية.. اشتبك مع قضايا الاستقلال الوطني والحرية السياسية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«لأننى لم أدخل الصحافة كسائر الصحفيين، من باب العمل فى السوق على جمع الأخبار من مصادرها، ولكننى دخلتُ الصحافة من باب الجلوس إلى مكتبي، وكتابة مقالات الرأى».. بهذه الكلمات يصف الكاتب والمفكر الكبير أحمد بهاء الدين مسيرته الصحفية. يملك رؤية سياسية متزنة، ويقف على بعد من السلطة، لم يكن قريبًا منها فى أى مرحلة فى حياته أو فى أى عهد، رغم إعجابه بعبد الناصر، جاء تأييده لثورة يوليو بعد 5 سنوات بعد ظهور انحيازاتها وأثارها، ورغم اقترابه من السادات عارضه وأطلق مصطلحه الشهير «انفتاح سداح مداح».

177.webp

بأسلوب بسيط وسهل بعيدًا عن التكلُّف والتعقيد، يختار أصلحَ المفردات للتعبير عن معلوماته التى يريد شرحها، دون محاولةٍ للاستعلاء، أو لتملُّق مشاعر القارئ، خاصةً أنه يملك قيمة تحليلية  من ربط الحدث بمسبَّباته واستشراف آفاق المستقبل، حيث يستقرئ الأحداث، ويُناقِش، ويُحلِّل، ويصنع من ذلك كله نظرةً بانوراميةً متكاملة الأبعاد.

بداية العمل بالصحافة

وُلِد أحمد بهاء الدين عبد العال سلام لوالدٍ موظَّف بأحد قرى الصعيد «الدوير» التابعة لمحافظة أسيوط. التحق، بعد حصوله على شهادة التوجيهية، بكلية الحقوق، وحرص على حضور محاضرات كلية الحقوق، وكلية الآداب وغيرهما. وعلى حد تعبيره، فقد دخل الجامعة بأكملها، وتفتَّحَت أمامه كل فروع المعرفة.

فور تخرُّجه فى كلية الحقوق، عُين مفتِّشًا للتحقيقات بوزارة المعارف. زاملَه فى الكلية، وفى الوظيفة، أديبان هما: عبد الرحمن الشرقاوى وفتحى غانم. وقد ساعد ثَلاثتُهم بعضهم البعض على الاتجاه للعمل الصحفي، انطلاقًا من هواية الكتابة الأدبية.

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 25 فبراير 1990..الكاتب أحمد بهاء الدين ينشر  إعلانا بمساحة الصفحة الأخيرة فى «الأخبار» على نفقته عن جريمة هجرة اليهود  السوفيت إلى إسرائيل - اليوم السابع

فى بداية عمله بالصحافة، حاول كتابة القصة والشعر، وكانت البداية فى مجلة «الفصول» التى كانت اسهاماته فيها تأكيدًا على التفوق الذى يتميز به عن كُتاب الفترة. ومن هنا كان إقدام السيدة فاطمة اليوسف على اختياره رئيسًا لتحرير مجلتها الوليدة «صباح الخير» قبل أن يبلغ الثلاثين. وبديهيٌّ أنها كانت تدرك أبعاد مراهنتها برصيدها الصحفى والمادي، حين أُسندَت رئاسة تحرير ثانى مجلة تصدر عن «روز اليوسف» إلى صحفيٍّ فى مقتَبل حياته.

وانتقل لفترةٍ قصيرة رئيسًا لتحرير «الشعب» التى صدر قرارٌ سياسى بدمجها فى «الجمهورية». وعُيِّن بهاء رئيسًا لتحرير «أخبار اليوم»، ﻓ«المصور»، فرئيسًا لمجلس إدارة دار الهلال، فكاتبًا فى «الأهرام»، ثم تولى رئاسة تحرير تحرير «العربي» الكويتية، إلى أن عاد كاتبًا فى «الأهرام».. وكان طيلةَ تلك الرحلة، أشبه بمن يُمسِك عصًا سحرية، تحقِّق النجاح والتفوق.

بهاء وثورة يوليو ١٩٥٢

كان مشغولاً ومهمومًا بقضايا الوطن ومشكلات وهموم السواد الأعظم من الشباب. ورغم إدانته فى كتابه، «فاروق ملكًا» الفترة التى سبقَت ثورة يوليو، وتأكيده على وجوب الثورة، إلا أنه حرص على أن يظل بعيدًا عن الثورة فى أعوامها الأولى حتى تظهر وتتضح ملامحها وهويتها حتى أيدها ١٩٥٧.

حيث اتخذت الثورة إجراءات واضحة مثل إلغاء الألقاب، وإعادة توزيع الأراضى الزراعية، وشارك جمال عبد الناصر فى مؤتمر باندونج بوصفه زعيمًا مؤسِّسًا لحركة عدم الانحياز، ثم أعلن عبد الناصر تأميم قناة السويس ردًّا على مساومات الغرب وابتزازه وتهديداته، ونشبَت حرب ١٩٥٦م، وتبعَها استعادةُ مصر لأراضيها. حتى بقايا الوجود الاحتلالى الإنجليزى اختفت تمامًا.

180.png

ظل بهاء على حوارٍ مستمرٍّ مع جمال عبد الناصر، رغم أنه لم يلتقِ بعبد الناصر يومًا، ولا اتصل به بعلاقةٍ ما «لم أقابله قَط، ولم أعرفه شخصيًّا قَط» وأذكُر أنه حين رفع عبد الناصر شعار قوى الشعب العاملة، واتخذ الاشتراكية منهاجًا للحكم، دعا بهاء إلى تسمية الاتحاد الاشتراكي، بدلًا من الاتحاد القومي. ووافق عبد الناصر على اقتراح بهاء، واستبدل التسمية فعلًا.

لم يدافع عن عبد الناصر الشخص؛ فلم تربطهما أى علاقة من أى نوع، لكنه دافع عن عبد الناصر الفكرة، عن التحرُّر والتقدُّم، وعدم سيطرة رأس المال على الحكم، والقومية العربية، وغيرها من مبادئ وشعارات.

مستقل عن النظام ويؤيد الصالح العام

كان بهاء حريصًا على تأكيد استقلاليته عن النظام تمامًا؛ فهو يؤيِّد الخطوات التى تستهدف صالح الجماعة، وحين نقل الرئيس السادات أحمد بهاء الدين من دار الهلال إلى رئاسة مجلس إدارة «روز اليوسف»، كتب بهاء إلى الرئيس رسالةَ اعتذارٍ عن قبول الموقع الجديد، قال فيها: «لقد اخترعَت الثورة صحفيين وكُتابًا ودكاترة فى كل مجال، ولكننى لستُ أحد اختراعات الثورة. وقد كنتُ رئيسًا لتحرير أكبر جريدة فى مصر، وهى أخبار اليوم، وأتقاضى أقصى حدٍّ للمرتَّب قبل تأميم الصحف بسنتَين.. وقد نُقِلتُ إلى دار الهلال منفيًّا فى حقيقة الأمر؛ وبالتالى فإن من حقى أن يؤخذ رأيى فى أى أمرٍ يتصل بى شخصيًّا، فلا أقرأه فى الصحف دون سابق علم، ولا أتحرَّك كقطعة شطرنج من مكان إلى مكان، وبلا رغبة».

181.png

الغريب أن بهاء ربطَته علاقةُ صداقةٍ بالرئيس السادات، حتى إنه كتب العديد من خطب السادات، لكن تلك العلاقة شابَتْها خلافاتٌ وتوتُّرات، تناوَل بعضها فى كتابه «محاوراتى مع السادات».

وقد اعتاد قُراء «الأهرام» طيلة الفترة التى كان يُطالِعهم فيها عمودُه اليومى أن يبدأوا قراءة الجريدة من الصفحة الأخيرة، حيث العمود اليومى الذى كان يكتبه، فلما توقَّف بهاء عن الكتابة بسبب المرض، عاد قُراء الأهرام إلى الطريقة المألوفة فى قراءة جريدتهم، فهم يبدأون بالصفحة الأولى.

موقفه من الانفتاح 

انتقد بهاء سياسة الانفتاح، عندما أصبحَت - على حد تعبيره - «سداح مداح»، حيث هاجم تصوُّرات البعض بأن «سياسة الانفتاح معناها أن تصبح مصر الاقتصادية والاجتماعية سداح مداح، كل شيء فيها مباح».. لم يعارض بهاء سياسة الانفتاح من حيث المبدأ، لكنه اعترض بشدة على أن يتحول الانفتاح إلى مسارٍ آخر، غير الذى تصوَّره. الانفتاح لا يعنى أن يكتب أحد  ذات يوم ما كتبه اللورد كرومر، عقب القضاء على الثورة العرابية بسنوات: لقد اختفت الصناعات المحلية من الأسواق، وصارت السلع الأوروبية فى كل مكان.

ويتساءل: هل يكسب المال مَن يحترم القوانين الموضوعة؟ أو يكسبه مَن يخترق القوانين؟ هل يكسب الفرد قيمةَ عمله من العالِم إلى الكنَّاس؟ أو يكسب الفرد قيمة علاقاته ومصاهراته وبلطجته، وإغفاء عين السلطة عنه؟ هل يكسب المال مَن يستطيع أن يقدم كشفًا بمصدر كل مليم؟ أو يكسبه مَن لا يستطيع أن يفسِّر إحرازه لعشرة ملايين؟

ثم يوضِّح «إن الذين يأكلون الخبز الفاخر، وينسَون شكل رغيف العيش، والذين يُنفِقون عَرق الناس فى استيراد أفخر الثياب والكماليات، وينسَون ملابسَ الشعب الذى يسرقونه، هم طبقةٌ دخيلةٌ مبتذلة الرخاء والثراء، ويظنون أن هذا هو حال الشعب. إن الذين قاموا على وضع هذه السياسات، هم المتهمون الأساسيون، وما أصحابُ الملايين الحرام إلا مستفيدين من الفرص التى أتاحتها لهم هذه العقلية، وهذه النفسية، ثم يطالبون المواطن الذى لا يجد حتى الماء ولا الصرف الصحى أن تتخلَّص نفسه من الحقد! أى حقد سادة، وقد صارت ملايين لسان حالها يقول: أنا الغريق، فما خوفى من البلَل؟».

ويؤكِّد بهاء أن الأوضاع التى كشف عنها الانفتاح، كانت هى بداية الشرخِ الحقيقى بين السادات وبينه. وقد أخذ الشرخُ فى الاتساع حتى انتهت العلاقة تمامًا، بعد سنوات.

المعركة الأخيرة

فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، قاد حملة مضادة لهجرة اليهود السوفيت الواسعة إلى إسرائيل فكتب العديد من المقالات فى مقاله اليومى «يوميات» بالأهرام، وفتح باب النقاش حول هذه الجريمة، ثم قرر نشر بيان إعلانى من ماله الخاص على صفحة كاملة بالصفحة الأخيرة بجريدة "الأخبار"، واستهدف توقيع مئة شخصية من النخبة المصرية عليه، وأثناء اتصالاته لجمع التوقيعات سقط على الأرض فاقد الوعى، وبقى على هذا الوضع حتى وفاته يوم ٢٤ أغسطس ١٩٩٦، حسبما يذكر حافظ طوقان، الكاتب والسياسى الفلسطينى، وأحد أقرب أصدقاء «بهاء الدين»، فى كتابه «أحمد بهاء الدين من حملة مشاعل التقدم» الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية.

كان هذا الإعلان هو آخر معارك «بهاء الدين» الوطنية والقومية، التى سخر لها كل حياته الصحفية، غير أن هذا الحدث شهد دراما له ترويها زوجته لحافظ طوقان، فأثناء اتصالاته بمن يرغبون فى توقيعهم على البيان، وحين وصل إلى العدد ٨٨، سقط على الأرض من كثرة انفعاله وجهده. وتؤكد زوجته أنه هوى أمامها على الأرض، وهو ممسك بالبيان الذى أعده وأدان فيه كل من ارتكبوا جريمة العصر وخصوصاً الاتحاد السوفيتى، وأمريكا والمجتمع الدولى المتفرج، وباليد الأخرى كان يمسك سماعة التليفون، وقد أوشك على الانتهاء من مهمته.

نشرت «الأخبار » البيان الإعلانى بعنوان «جريمة العصر فى ضمير التاريخ وفى طيات المستقبل»، وعليه الـ٨٨ توقيعاً، هى جملة من حصل على موافقتهم قبل سقوطه مريضاً، واستهله قائلاً: «نحن أبناء الأمة العربية فى طليعة المطالبين بحقوق الإنسان، ليس لأن حقوق الإنسان جاءت أول ما جاءت فى بلادنا عبر الأديان المقدسة فحسب، ولكن لأن المظلومين عادةً هم أول وأخلص المطالبين بحقوق الإنسان، ونحن فى هذا العصر مظلومون، ومن أول حقوق الإنسان حقه فى أن يرحل إلى حيث يريد ويعيش حيث يريد، وما تاريخ الدنيا إلا تاريخ هجرات عمرت أرجاء الأرض مكتشفة قارات جديدة بأكملها، ولكن تهجير ملايين اليهود من روسيا إلى إسرائيل لا يندرج فى هذا الإطار، بل بالعكس تماماً، فقد كانت الهجرات دائماً عفوية اختيارية غير منظمة وخالية من أى نية غزو أو عدوان، أما تهجير اليهود الروس إلى فلسطين، فهو لأول مرة فى التاريخ يتم بتواطؤ دولى، وعلى يد الأقوياء، واغتصاباً لأرض الآخرين، وعدواناً ومحواً لحقوق الإنسان فى أرضه الأصلية».

ونحاول، فى عجالة، الإشارة إلى أهم كتبه فيما يلى:

182.png

محاوراتى مع السادات

يتناول الكتاب كما هو واضح من عنوانه عصر الرئيس الراحل أنور السادات، وفيه يقول: إن الأوضاع التى كشف عنها الانفتاح كانت هى بداية الشرخ الحقيقى بين السادات وبينى شرخ أخذ فى الاتساع بعد سنوات كتبت فيها مرارا ضد السداح مداح تحت عناوين التنمية والبناء والاعتماد على النفس وعدم تكرار مأساة التبعية الاقتصادية لكننى كنت نغمة نشازا كنت أقول للسادات ان أسلوب المساعدات الأجنبية نحونا ليس هو الأسلوب البريء المطلوب.

فاروق ملكاً

كتاب من تقديم الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس فيه يتناول وقائع عصر الملك فاروق وفيه يتناول كافة جوانب عصر الملكية فيقول مثلاً إن الملك فاروق كان مسيطراً على حوالى ٢٠٠ ألف فدان وهو رقم كبير جداً بالإشارة إلى أن الرقعة الزراعية بأكملها فى مصر كانت خمسة ملايين فدان وأدان فيه الملكية وتأثيراتها .

195.png

وتحطمت الأسطورة عند الظهر

يسجل الكاتب بدقة أبعاد ووقائع الصراع العربى - الإسرائيلى حتى لا ننسى وتطوى الأيام تلك البطولات، ويعيد أحمد بهاء الدين الإعتبار لحرب الإستنزاف التى بدأت فى مارس ١٩٦٩ وانتهت بوقف إطلاق النار فى ٧ أغسطس ١٩٧٠، ونرى فى هذا الكتاب ملامح أحمد بهاء الدين وسر جاذبيته والقبول والمصداقية التى تتمع بها كتاباته فسنجد أنه ذلك المزيج بين الوطنية والمعرفة، وبذلك إحتل مكانته فى الحياة الفكرية والصحفية كالشهاب معتمدا على قدراته ومواهبة.

194.png

أيام لها تاريخ

يكتب أحمد بهاء الدين فى هذا المؤلف عن أحداث وأيام لها تاريخ فى مصر منها ما يرتبط بشخصيات مثل الأدباتى والشيخ على يوسف وأحداث تاريخية سياسية عن سعد زغلول وعدلى باشا وأصول الحكم فى الإسلام.

المثقفون والسلطة فى عالمنا العربي

يحدثنا بهاء الدين عن علاقة الوطنية بالقومية وهو يرى أن هذه العلاقة من أكبر التحديات التى لا بُد من مواجهتها بموضوعية وحس وطنى عروبى "يجب أن نعترف بهذه الحقيقة ونحن نتحدث عن القومية العربية فتلك إحدى أهم قضايانا التى يجب حلها بتحقيق الانسجام بين الأهداف الوطنية والاهداف القومية"، ويناقش الكاتب مشكلة "الشرعية فى العالم العربي" وهو يرى أنها لم تكتمل بعد وذلك لغياب "القانون الملزم للجميع. غياب القانون كارثة عربية تعانى منها بلداننا العربية الى اليوم، يحدثنا المؤلف عن "حق التفكير والتعبير فى العالم العربي" هل هو مكفول بالقانون أم أن هذا الحق خاضع لمزاجية هذا الحاكم او ذاك. ما أسوأ خضوع القانون للمزاجية.

197.png

المرأة وبهاء

يمثل وَضْع المرأة بُعدًا واضحًا فى اهتماماته.. فشيوع مفاهيم المساواة، والحَرَاك الطبقي، ورفض الجمود الطبقي، لا بد أن يؤثِّر فى العلاقات الاجتماعية، بحيث تتحقَّق المساواة للمرأة، انطلاقًا من إيمان المجتمع بالمساواة، بين الولد والبنت، الذكر والأنثى، الزوج والزوجة.

أما استبداد الرجل بالمرأة، فهو ليس مجرد مشكلةٍ طريفةٍ نتسلى بها، فنتذكر على سبيل المثال السيد أحمد عبد الجواد وأمينة، فى رائعة أستاذنا نجيب محفوظ «بين القصرين». إن حُجة الرجل فى الاستبداد بالمرأة، لا تختلف عن حُجة الدول الاستعمارية فى استعمار الشعوب الضعيفة؛ فهى تزعم أن هذه الشعوب لا تستطيع أن تحكُم نفسها؛ إذ ليس لها عقلٌ ولا خبرةٌ ولا مال. والواقع أن هذه الشعوب الضعيفة، مسلوبةٌ من العقل والخبرة والمال؛ لأنها مستعمَرة، ولأن الاستعمار نفسَه يهتم بأن يسلبَها العقلَ والخبرةَ والمال، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة.

ونظرة بهاء إلى وضع المرأة فى المجتمع، لا تنفصل عن نظرته إلى وضع المجتمع نفسه، عن مشكلاته وقضاياه وهمومه وتطلعاته.. فتنمية المجتمع تؤدِّى بالضرورة إلى تنمية المرأة؛ لأنها تُجاوِر الرجل فى ظروف حياته.

فى صحبة أحمد بهاء الدين

يعتبر هذا الكتاب نوعاً من العرفان بالجميل فى زمن عز فيه الاعتراف بقيمة أو قدوة.. عرفان يسديه تلميذ إلى أستاذه، بعد رحيله باثنى عشر عاماً. يحاول الكاتب رسم بورتريه لأحمد بهاء الدين، حياته، وأفكاره، ومشاريعه الصحفية والفكرية. الأستاذ والتلميذ كلاهما ينتمى إلى ذات الأسلوب والمنهج. ومؤلف هذا الكتاب مصطفى نبيل الذى عكف سنوات طويلة على تطوير مجلة «الهلال» المصرية، وإصداراتها الثقافية وجعلها ذات قيمة فكرية وفنية.

والكتاب، كما يقول مؤلفه محاولة نقل عصارة ما كتبه المفكر العربى أحمد بهاء الدين (١٩٢٧ - ١٩٩٦)، ودراسة دور الرجل فى ما كتب أو فعل، من موقع المحبة والتقدير. كما يتناول الكتاب مشاهد عاشها الكاتب، منذ رغب العمل فى الصحافة، فسعى إلى مقابلة أحمد بهاء الدين عام ١٩٥٨، ورآه مختلفا عن غيره من أساطين الصحافة المصرية، رآه صاحب نغمة جديدة وصوت خاص وروح شابة ونظرة عقلانية للحياة، فلم يبخل بتقديم خبرته ومعارفه إلى الأجيال الجديدة، بل كان يدعوهم إلى بيته، وكلما قرأ مقالًا أو تحقيقًا بحث عن هاتف كاتبه وتحدث معه، مظهرا إعجابه بما كتب.

كما تميزت أفكار أحمد بهاء الدين بالعقلانية وإيمانه العميق بالعروبة والبحث الدائم عن وسائل تفيد القارئ فى كل لحظة تاريخية، وإبراز ما يراه مفيدا ومحذرا من المخاطر التى يبصرها، ويتجلى إحساس أحمد بهاء الدين العميق بنبض الشارع وكل أمر يشغل الرأى العام إلى جانب قدرته المستمرة على الحوار مع الأجيال المختلفة.

كما يؤمن الكاتب أن أحمد بهاء الدين الكاتب والمفكر صاحب الدور والرسالة التى تدعو للحرية والتقدم، يقف بمبادئه إلى جانب عمالقة الفكر من «محمد عبده» إلى «طه حسين»، هو من الكتاب القلائل الذين لم تغيرهم تقلبات الأحوال، لم يتنكر يوما لرؤية أو فكرة آمن بها، ولقى فى ذلك ما لقي.

وأخيرَا، يمكننا القول بأن أحمد بهاء الدين هو مزيج مكون من الوطنية الصادقة والمعرفة الواسعة والحس الإنسانى والقدرة الفائقة على التحليل والنفاذ إلى المستقبل، حيث جعل من الحوار وتبادل الأفكار بين المدارس المختلفة الوسيلة الوحيدة لزيادة الوعى واتساع المعرفة من خلال ما يقدمه من مختلف التيارات الفكرية والأدبية التى كانت قائمة، وبشر بمستقبل تحتل الحداثة فى فكره مكانة بارزة. وكان لايغفل التاريخ أو التراث الفكرى والأدبي.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق "صحة قنا" تكشف حقيقة نقص الأدوية والأطقم الطبية بمستشفى أبو تشت (فيديو)
التالى أهم أخبار السعودية اليوم.. المملكة تدين إمعان الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه بحق الفلسطينيين