ألقى البطريرك المسكوني برثلماوس الكلمة الافتتاحية في اجتماع مجلس أديان من أجل السلام الذي عُقد في مدينة القسطنطينية، حيث تناول التحديات العالمية الملحة، مؤكدًا أن التغلب عليها يتطلب أساسًا روحيًا عميقًا وليس حلولًا مادية فقط، وشدد على دور البطريركية المسكونية كشاهد على الدعوة الكونية للأرثوذكسية المسيحية.
نقد للمادية وتأكيد على البُعد المقدس
اعتبر البطريرك أن الأزمة الجذرية التي تواجه البشرية لا تكمن في عدم الاستقرار الاقتصادي أو التقدم التكنولوجي، بل في "رؤية عالمية سائدة وغير معلنة في الغالب" تقوم على مادية اختزالية تهمل البُعد المقدس الضروري لازدهار الإنسان.
واستشهد بالقديس غريغوريوس ، قائلاً: "لا يمكن لأحد أن يصعد إلى ذلك العلو حيث يُرى نور الحقيقة، ما لم يُنزع عنه اللباس الأرضي الميت من أساسات النفس... فذلك هو الوجود الحقيقي، وفهمه هو المعرفة بالحقيقة".
الحوار بين الأديان: مقاومة جماعية للفراغ الوجودي
ووصف البطريرك برثلماوس نتائج هذه الرؤية المادية بأنها "وجودية واجتماعية بامتياز"، مؤكدًا أن الحوار بين الأديان ليس ترفًا، بل "ضرورة لا مفر منها، وفعل مقاومة جماعية" لتشظي المعنى في العالم المعاصر.
نحو فلسفة طبيعية جديدة تربط بين العلم والإيمان
وفي مقاربة فكرية لافتة، دعا إلى جسر الفجوة بين الإيمان والعلم، مشيرًا إلى ميكانيكا الكم والبيولوجيا كنماذج تتحدى النظرة الآلية للعالم، وتفتح المجال أمام "فلسفة طبيعية جديدة" تنسجم فيها المساعي العلمية والروحية.
الذكاء الاصطناعي وأزمة الديون: خطر اختزال الإنسان
تطرق البطريرك إلى أزمتين عالميتين بارزتين هما أزمة الديون وتطور الذكاء الاصطناعي، معتبرًا أن كليهما ينبع من نفس الجذر المادي والمنفعي، فالأولى تُخضع الشعوب وتنتقص من كرامة الإنسان، بينما يهدد الذكاء الاصطناعي بتحويل الإنسان إلى مجرد بيانات، ما يهدد حريته وإبداعه.
ودعا إلى تطوير أخلاقيات تكنولوجية تستند إلى الرحمة والمسؤولية والاحترام.
تحالف ضمائر لا ديانة عالمية موحدة
وأكد البطريرك أن اللقاء الحقيقي بين الأديان لا يتحقق بتطابق اللاهوت، بل عندما "تتقاسم مجتمعاتنا الخبز مع الجائعين، وتعتني بالمرضى، وتدافع عن المظلومين"، معتبرًا أن الوحدة تتجلى في مقاومة مشتركة للقوى التي "تحاول محو وجه الإنسان".
واختتم بالدعوة إلى تحالف عالمي للضمير، قائلاً:"لسنا مدعوين لتأليف ديانة عالمية جديدة قائمة على التوافق، بل مدعوون — كل من منطلق إيمانه — لتشكيل تحالف عالمي للضمير، وشهادة نبوية تُبقي أفق السمو مفتوحًا في عالم مهدد بالاختناق داخل حدود المادية."
