في خطوة غير تقليدية أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والسياسية، رفعت وزارة العدل الأميركية دعوى قضائية ضد القاضي الفيدرالي جيمس بوسبرج، رئيس المحكمة الجزئية في واشنطن العاصمة، بتهمة "سوء السلوك القضائي"، بسبب تعليقاته التي انتقد فيها مواقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المتعلقة بالحرب في أوكرانيا.
تصريحات مغلقة تثير عاصفة سياسية
الشكوى، التي قادتها المدعية العامة بام بوندي، استندت إلى تعليقات أدلى بها بوسبرج خلال جلسة مغلقة للمؤتمر القضائي الأميركي، أعرب فيها عن مخاوفه من احتمال تجاهل إدارة ترامب لأحكام المحاكم، محذرًا من أن ذلك قد يفضي إلى "أزمة دستورية".
ورأت وزارة العدل، وفق ما أورده موقع بوليتيكو، أن هذه التصريحات تقوّض الثقة العامة في نزاهة القضاء، وتشكل انتهاكًا لقواعد السلوك القضائي التي تحظر على القضاة الإدلاء بآراء علنية حول قضايا منظورة أو محتملة.
دعوة لإقصاء القاضي من قضايا الهجرة وتوبيخه علنًا
الشكوى، التي كتبها تشاد ميزيل، رئيس موظفي مكتب المدعية العامة، طالبت القاضي سري سرينيفاسان، رئيس محكمة الاستئناف لدائرة العاصمة، بإحالة الملف إلى لجنة تحقيق خاصة، مع المطالبة بتنحية بوسبرج عن قضية ترحيل مهاجرين فنزويليين إلى السلفادور، وتوجيه توبيخ علني له، مع إشارة لإمكانية طرح عزله للنقاش بين زملائه القضاة.
سوابق قضائية تُضاف لسجل التوترات
هذه ليست الواقعة الأولى من نوعها؛ فقد سبق لوزارة العدل أن رفعت دعوى مماثلة ضد القاضية الفيدرالية آنا رييس بسبب انتقاداتها اللاذعة لمرافعات الوزارة في قضية تتعلق بقرار ترامب حظر المتحولين جنسيًا من الخدمة العسكرية.
ووفقًا لشبكة CNN، عبرت منظمات حقوقية عن خشيتها من أن هذه التحركات تشكل جزءًا من استراتيجية ضغط ممنهجة تستهدف القضاة المعارضين لسياسات ترامب، خصوصًا في ملفات ذات حساسية مثل العقوبات على روسيا أو الدعم الأميركي لأوكرانيا.
معارك قضائية موازية في ولايات أخرى
تزامنًا مع هذه الدعوى، شهدت ولايات أخرى تصعيدًا قضائيًا متبادلًا. ففي ولاية ماريلاند، رفعت وزارة العدل دعوى ضد القضاة الفيدراليين بسبب منحهم مهلة تلقائية مدتها 48 ساعة في قضايا الترحيل.
كما شنت الإدارة هجومًا علنيًا على قضاة في نيوجيرسي بعد تعيينهم مدعيًا عامًا فيدراليًا، في خطوة اعتُبرت محاولة لإقصاء المحامية ألينا هابا، المقربة من ترامب.
وفي هذا السياق، طلبت وزارة العدل من محكمة الاستئناف تنحية بوسبرج عن إحدى القضايا، لكن المحكمة لم تفصل في الطلب، واكتفت بوقف أوامره مؤقتًا بشأن قضايا ازدراء المحكمة.
وفي تصريحات لاحقة نقلتها نيويورك تايمز، وصف ترامب القاضي بوسبرج بأنه "محرض ومثير للمشاكل"، داعيًا إلى عزله بشكل كامل.
صراع على النفوذ القضائي يهدد توازن السلطات
هذه السلسلة من الدعاوى والإجراءات القضائية تعكس اتساع الهوة بين إدارة ترامب والجهاز القضائي، في وقت تسعى فيه الإدارة الجمهورية إلى تعزيز السيطرة على السرد السياسي بشأن ملفات السياسة الخارجية، وعلى رأسها جهود إنهاء الحرب في أوكرانيا.
ويحذر خبراء ومراقبون من أن استخدام القضاء كساحة للصراعات السياسية قد يؤدي إلى إضعاف ثقة الرأي العام في استقلال السلطة القضائية، وتهديد مبدأ الفصل بين السلطات الذي يعد أحد الأعمدة الأساسية للديمقراطية الأميركية.