أخبار عاجلة

رحلة الندم والتيه للعناصر الإرهابية.. «الصعيدى».. رواية ترصد عائدًا من جحيم داعش

رحلة الندم والتيه للعناصر الإرهابية.. «الصعيدى».. رواية ترصد عائدًا من جحيم داعش
رحلة الندم والتيه للعناصر الإرهابية.. «الصعيدى».. رواية ترصد عائدًا من جحيم داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الرواية تكشف لعبة الاستخبارات الأجنبية لخلق التنظيم الأسود.. شيخ القرية للإرهابى: متى كان تحرير القدس يبدأ من قتل الأبرياء والتكفير؟.. المجنّدون فى داعش.. نفسيات هشة فقدت الحب والعدل

يا رفاقي، فى صحارى التيهِ سِرنا/ ما تعبنا...كانَ وَهْمًا ما طعِمنا/ وسرابًا ما شربنا...نحنُ ما زلنا عِطاشًا وجِياعْ/نحنُ ما زلنا نقاسي

بأبيات الشاعر الفلسطينى جورج فرح، تستهل الأديبة المحامية فاطمة العوّا، روايتها الاحدث "الصعيدي" والصادرة عن دار "العين". تعكس الرواية ذكريات الندم لبطلها مع كابوس مصبوغ بلون الأعلام السوداء ولون الدماء البريئة المراقة ونظرات الرعب فى عيون الناس والتى تنتفخ لها أوداج مقاتلى داعش. هؤلاء الذين جنّدهم التنظيم وأغراهم بحلم الجنة وإقامة الخلافة المزعومة قبل أن تسقط فوق رؤوسهم. 

بطل الرواية مهندس مصرى من قيادات تنظيم داعش، يعيش رحلة الندم والتيه بعد سقوط الموصل. نجا من موتة محققة فى العراق بعد سقوط التنظيم، فكتبت له رحلة تطهّر رأى خلالها الحقيقة قبل أن تلاحقه لعنة الدماء من جديد. 

يقول القاضى الإنجليزى السابق وهو صوت الضمير الغربى فى تلك الرواية: لقد فشلت بلادنا فى احتلال الشرق بجيوشها النظامية، فأصبحت داعش ملاذها لتبرر المشاركة فى غزو العراق وأفغانستان، وكل بلد تطأه، بحجّة مواجهة الإرهاب. كانت داعش آلة التخلص من إيران وفى الوقت ذاته آلة ضرب الربيع العربى فى مقتل؛ فمع تحوّل سوريا إلى ذلك الجحيم، لم يكن أى شعب أو دولة عميقة لتسمح لربيعها بالاكتمال. 

رحلة الصعيدي

تقوم حبكة الرواية على أحداث واقعية تنسجها الكاتبة مع الخيال؛ فمع الزلزال المدمر الذى أصاب تركيا وسوريا وخلف آلاف الضحايا، ينجو بطل الرواية بأعجوبة من تحت الأنقاض. تشكك فى أمره ضابط استخبارات إنجليزى "جاك" وبالتعاون مع خبيرة تحديد وجوه إيرانية تدعى "سعادة"، ينجح كلاهما فى معرفة هويته الحقيقية كرابع شخصية مؤثرة فى تنظيم "داعش" والفتى الملثّم الذى يقف خلف الأمير! 

تدور أحداث الرواية بين سرايا الاستخبارات فى سوريا وتركيا وانجلترا، بطموح كبير يقود الضابط لمعرفة ما الذى يمتلكه تنظيم داعش على الأرض وما الذى يخطط له بعد سقوط الموصل آخر معاقله عام ٢٠١٧. 

الرواية تضعنا فى قالب بوليسى مشوّق فى سلسلة التحقيقات التى قادها الضابط الإنجليزى مع "الصعيدي" وكيف كانت الألغاز تتكشف أمامه واحدة تلو الأخرى، وتؤكد شكوكه من البداية. ومن ذلك قوة الرجل الجسدية وذلّات لسانه أيضا!

فى طيّ التحقيقات تتكشف الحقائق ويعرف المحقق الإنجليزى أن المتهم أمامه فرّ من جريمة ارتكبها فى صعيد مصر بعد قتله ابن العمدة الذى سبق وقتل أخيه "نوح" خطأ بجرار يقوده، واكتفى أبيه بدفع ديّة عوضا عن محاكمة ابنه. وهو نفس الشاب المتفوق فى كلية الهندسة والمحروم من التعيين. وهو من سافر عبر البحر لينضم لصفوف التنظيم بعد أن تملكّته مشاعر الكراهية لكل شيء وتصور أن العدل الغائب ستأتى به دولة الخلافة!!!

وعلى وقع أغنية "أمانة عليك يا ليل طوّل" فى مقهى بوسط القاهرة، نستطيع أن نتابع أحداث الصداقة بين الضابط "جاك" وصديقه المصرى الضابط أحمد، وقد بدأت معرفتهما من ميدان التحرير إبان الثورة المصرية الأولى ٢٠١١. تعاون كلاهما فى إحكام الخيوط فى قضية الصعيدي، وكان أحمد بيه يعلم بقصته بحكم عمله فى الصعيد ومعرفته بأحوال العمدة الفاسد فى بلدة الصعيدي.

هكذا تعود بنا الرواية للجذور الحقيقية للإرهاب وتجنيد الشباب العربى لصفوف العنف. لكن ما الذى يدفع الشباب الأوروبى للانضمام لصفوف داعش؟

تجنيد الأجانب

كانت إليزابيث زوجة "الصعيدي" فى تنظيم الدولة، وأم ابنه "نوح"، ابنة لعائلة انجليزية، تعيش حياة وادعة فى شيفيلد، لا ينقصها شيء فى بيت أبيها رجل الاستخبارات القوي. وبموت أمها انطفأت مصابيح السعادة، وخاصة مع انشغال الأب وخداع زميلها فى الجامعة وتغريره بمشاعرها. راحت تبحث عن الجنة مع صديقتها الباكستانية الهاربة من العنف الأسري، وقامت شبكة التجنيد بإلحاقهم بصفوف داعش..فى تلك الآونة كان الأب ضابط الاستخبارات المكلوم على أمها يبحث عن الآخرة بين جدران الكنيسة.

تصف الرواية كيف أصبحت إليزابيث البريطانية فريسة لمشاعر ندم وتمنى الموت بعد استقطابها فى صفوف داعش، وقد تحولت من طالبة علوم سياسية لمتهمة بالعنف، وتعرضت للاختطاف مرات عدة وخاصة بعد هروب الصعيدي، ما جعلها مستباحة ليتزوجها من يشاء من التنظيم، ولولا الزلزال السورى لما كُتبت لها حياة من جديد هى ولا ولدها الصغير. 

ظلت إليزابيث ذات الجدائل الذهبية والعيون الزرقاء جنة الصعيدى التى يندم على فقدانها، ولكنه لم يعد كذلك بالنسبة إليها، صحيح أن الحب مع الخطر يصبح أجمل، لكن التنظيم كان قادرا على وأد أى حب وتحويله لاحتقار للنفس التى تدور فى دوامة العنف.

الندم والتطهّر من العنف

تهيمن مشاعر الندم والرغبة فى التطهّر على مشاعر بطل الرواية، ونتلمسها من المونولوج الداخلى الذى يدور فى نفسه. يقول: "ليته سمع كلام الشيخ حسن عن مواجهة الظلم بالبناء لا الهدم. وعن خديعة تلك الجماعات حين توهم الشباب بأن بداية تحرير القدس هو من سقوط أوطانهم، والقول بكفرها. والواقع أن كل ما فعلوه هو قتل جيرانهم وأبناء اوطانهم وليس العدو! 

لطالما واجهه الشيخ حسن إمام القرية قديما ودعاه لترك تلك الجماعة، وقال: ألا تذكر العهدة العمرية لمسيحيى القدس؟ وهل تدرك أن الأحكام التكفيرية فى القرآن دينية وليست دنيوية؟!. 

تتعمق مشاعر الندم عند الصعيدى بعد مقابلة بينه وبين أخته "فاطمة" وهى رمز للمرأة الصعيدية الحرّة، والتى تخبره فيما تكبت مشاعرها تجاهه بأن أخيها مات يوم "همّل أرضه، وبيته، وأهله" ويوم سفك الدم البريء، وقتل جنديا فى العريش وقتل ابن عم جرجس جارهم ضمن عدد من المسيحيين فى ليبيا ممن قُطعت رؤوسهم.

يتذكر كل من قتلهم بإشارة من رأسه للجلادين، وكيف كانت الاعترافات تُنتزع من معارضى داعش، وكم قتلوا من أبرياء شيعة فى العراق، وكم قتلوا من مسيحيين، وكم اعتقدوا ان الأوطان لا تتسع إلا لطائفة ومذهب واحد. لقد كانوا أداة للفوضى الخلاقة بامتياز. هذا ما فهمه بعد قراءة طويلة وتأمل وجد لها وقتا حين نزل سوريا هاربا من العراق. كانوا أداة تقسيم الأوطان لمذاهب وطوائف تنتتهى بدويلات لا تقوى على الصمود للغرب.

تعود له ذكرى الشيخ حسن وهو رمز الاعتدال الدينى فى الرواية وأحد أصوات الضمير، ويستعجب كيف كان يسخر منه ويقول "هذا هو ما يريدونه من إسلام وسطى جميل"! وقد كان الشيخ حسن هو الوحيد الذى آزرهم حين مات أبوهم ولم يرض بقتل أخيه ولم يشجع خيار قبول الدية من شاب مستهتر مذكرا بحديث النبى "كانوا إذا سرق فيهم الضعيف"!

بوضوح تضعنا الرواية أمام جذور أعمق كثيرا لفهم الإرهاب باعتباره محصلة لغياب العدل الاجتماعى والهشاشة النفسية للشباب والذين يصبحون لقمة سائغة لتنظيمات العنف والخراب.

على ضفاف السرد

"الصعيدي" قصة مشوّقة لها بناء متماسك وأحداث متشابكة يحكمها المنطق والمفاجأة، وأبطال تتطور مشاعرهم بتنامى الحكاية ويتوزعون على أطراف قضية الإرهاب وهم: "الصعيدي" الإرهابي، و"جاك" ضابط الاستخبارات الغربي، و"إليزابيث" زوجة الصعيدى التى نجت من براثن التنظيم، "سعادة" المحققة الإيرانية، وأخيرا "فاطمة" الصعيدية شقيقة الإرهابي.

منحت الكاتبة أبطالها فرصة الحكى بأصواتهم لنصبح أقرب لدوافعهم. ولكنها عبر الراوى العليم أو الضمير الثالث استطاعت أن تمنحنا أبعادا أشمل لرحلة الصعيدي.

اختارت الكاتبة أن تبدأ من زمن تزلزلت فيه مشاعر الأبطال ودنت نهايتهم تحت أنقاض البنايات، وتيار الندم على ما اقترفوه بحق أنفسهم والآخرين، وبالتالى كان استدعاء الماضى فى الذاكرة جزءًا أصيلا من الحبكة وتطور الشخصيات.كانت هناك معابر كثيرة للذكرى وأحيانا لا تكون سوى عطر الأم الذى يذكر إليزابيث بماضيها. أو اسم "نوح" الذى يذكر البطل بأخيه الذى خرج ثأرا له.

لعب الوصف دورا شعوريا كبيرا فى الرواية، سواء المتعلق بالشخصيات أو بالأماكن التى تتراوح بين البيوت التى سكنها الرواة ومقار احتجاز الصعيدى فى عواصم مختلفة. وسنرى مثلا كيف استحالت الطبيعة فى وجدان المحقق جاك للون رمادى باهت يعكس حالة الضيق والكآبة بعد تكشف حقائق كثيرة أمامه عن تورط بلاده فى سجل الإرهاب، ومؤامرات رئيسه ضده لمنعه من مواصلة السير فى القضية. الوصف أيضا كان بوابة لطرح قضايا مثل حقوق الإنسان بين الشرق والغرب؛ والتى يمكن تتبع ملامحها من خلال طبيعة زنازين الاحتجاز للمتهمين ومعاملتهم.

الحوار فى الرواية أيضا اكتسب حيوية ولهجة عصرية منحت النص ديناميكية وجعلته أقرب لسيناريو فيلم درامي.

تبرز تقنية اللزمة التى تحمل لغزًا تفك شفرته الرواية، ومن ذلك مقولة القاضى الانجليزى لنجله المحقق: "انتبه لخطوتك. لا تسأل أسئلة لتسمع أكاذيب، ابحث عن الحقيقة، وانتبه الفهد لا يغير البقع على جلده أبدا، خذ الخطوة بقدمك الجيدة للأمام".فهم الابن لاحقا أن الأب لم يكن يعنى سوى فهم مخطط بلاده المشاركة فى حرب مزعومة على الإرهاب فيما هى مشاركة بصنعه. كان جاك مدركا أيضا أن إسرائيل جزء لا يتجزأ من أزمة الشرق الأوسط والعرب وهى صنيعة غربية بامتياز.

أجادت الرواية استخدام التداخل الزمنى أو الارتداد والاستشراف متعدد الطبقات بين الماضى والحاضر. فتتنقل أصوات الرواة بين ماضيهم وحاضرهم بخفة مدهشة. وهو ما يسمح لنا بفهم خلفيات الشخصيات ودوافع سلوكهم وهو نمط أشبه ما يكون بتدفق الوعى البشرى الحقيقى الذى يتنقل بين واقعه وذكرياته.

الصراعات فى الرواية أيضا تمنحها قوة وقربا من الحياة؛ فهناك صراع إليزابيث بين كراهيتها للصعيدى حين تركها لتواجه مصيرها وبين حبها الجارف له لأنه الوحيد الذى عاملها بإنسانية. وبالتأكيد هو ذاته صراع الصعيدى مع نفسه أولا لتتطهر. تبرز كذلك صراعات تيارات أمنية غربية؛ بين من يرى الحل الأمنى العنيف ضد الإرهاب وممثله "دنكن"، وبين من يرى الحل السياسى وروح القانون. 

كان صراع الإسلام المعتدل والآخر المتطرف بارزًا طوال الوقت فى الرواية، عبر استدعاء كلمات الشيخ حسن إمام القرية للصعيدي، وقد ظل يردد عليه أنها "سكة اللى يروح ميرجعش زى المطاريد".

قصاص السماء.. وبداية حلم جديد

الرواية تخبرنا كيف كان الصعيدى حريصا على ألا يخسر نفسه أكثر مما خسر. أراد أن يتطهر بكتابة كل شيء يعرفه وإنقاذ من يمكن إنقاذهم.لأول مرة يشعر بطعم الصلاة الخاشعة. كان الصعيدى فى الواقع رهن تحقيقات غير رسمية تقع لأعضاء التنظيم بعد إعلان وفاتهم. وبينما سعى جاك لمكافأته بمنحه فرصة جديدة، لكن مديره كان له رأى آخر. 

مشاهد مؤثرة حين استنشق الصعيدى هواء الحرية فى شوارع لندن للحظات. انتفضت عروقه وهو يقبّل ابنه الذى لم يره ولن يره، وقد ظلت مقولة الشيخ حسن تتردد داخله: "من قتل يُقتل ولو بعد حين". أما إليزابيث فقد قررت أن تعاود دراستها عن "فلسطين.. جذر مشكلة الشرق الأوسط"، بعد أن عرفت جهادها الحقيقي. 

فى بيت القرية الطيبة احتضنت العمة فاطمة ابن شقيقها والذى نجا من طوفان أبيه. وعلى مقربة البيت اجتمع جثمان الخصمين عند رب عدل: الصعيدى والعمدة، فى مفارقة قدرية درامية.. وكانت دموع الشيخ وإنشاد النقشبندى "مولاى إنى ببابك" رسالة بأن باب التوبة مفتوح لأولئك الذين أسرفوا على أنفسهم فى طرقات الظلام.

84.jpg

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق جمال عبد الحميد : الزمالك كسب 95 مليون جنيه من صفقة الممثل أمام عاشور
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة