
في الثالث عشر من يونيو 2025، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية جوية خاطفة ضد أهداف حيوية داخل الأراضي الإيرانية، حملت اسم "الأسد الصاعد"، واستهدفت منشآت نووية في نطنز وفوردو وأصفهان، إضافة إلى مراكز عسكرية ومصانع صواريخ تابعة للحرس الثوري الإيراني.

وعلى مدار عشرة أيام، وحتى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في 24 يونيو بوساطة أمريكية، دارت مواجهة مباشرة بين قوتين إقليميتين، كُشف خلالها الكثير من جوانب القصور الاستراتيجي لدى الطرفين، رغم ما أُنجز على مستوى العمليات.
الاعتماد الإسرائيلي على الدعم الأميركي
رغم أن الضربات الإسرائيلية حققت أهدافًا مباشرة، فإنها أظهرت اعتمادًا كبيرًا على الدعم الأميركي، خاصة في الجانب الاستخباراتي واللوجستي.
وبحسب قناة "فرانس 24"، فقد شاركت قاذفات أمريكية من طراز B-2 في قصف المنشآت النووية الإيرانية يوم 22 يونيو، ما يُبرز أن النجاح الإسرائيلي لم يكن مستقلًا بالكامل.
ويرى مراقبون أن هذا الاعتماد يُعد ثغرة استراتيجية، إذ قد تؤدي تغيّرات في المزاج السياسي الأميركي سواء في الكونغرس أو البيت الأبيض إلى تقييد قدرات إسرائيل في شن عمليات مشابهة مستقبلًا.
كما أن هذا الدعم يُعرض تل أبيب لانتقادات دولية متزايدة، خاصة من أطراف إقليمية مثل تركيا التي أدانت الغارات بشدة.
هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية تحت الضغط
من جانب آخر، أظهر الرد الإيراني قدرة على زعزعة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، رغم ما يعانيه من ضعف في الدقة التوجيهية. فقد تسببت صواريخ إيرانية، وفقًا لـ"لونج وور جورنال"، في أضرار جسيمة بمستشفى سوروكا في بئر السبع، ما أدى إلى حالة هلع واسعة بين المدنيين.
كما أدت موجة الهجمات الإيرانية إلى نزوح جماعي لمئات الآلاف من المستوطنين في شمال وجنوب إسرائيل، ما كشف عن هشاشة في البنية الاجتماعية والاقتصادية للدولة العبرية عند التعرض لضغط عسكري مطوّل.
الضغط الاقتصادي والانقسام السياسي في إسرائيل
كذلك، كشفت الحرب عن التكاليف الباهظة للعمليات العسكرية، حيث اعتمدت إسرائيل على طائرات F-35 وطائرات مسيّرة متقدمة، إلى جانب دعم استخباراتي مكثف من الموساد.
وتأتي هذه النفقات في ظل تصاعد احتجاجات داخلية وانقسامات سياسية بين الحكومة والمعارضة، مما قد يُقيّد صانع القرار الإسرائيلي عند التعاطي مع سيناريوهات تصعيد لاحقة، لا سيما إذا انخرطت أطراف مثل حزب الله في المعركة.
إخفاقات دفاعية إيرانية
في المقابل، أظهرت الضربات الإسرائيلية ضعفًا مقلقًا في منظومة الدفاع الجوي الإيرانية، التي فشلت في التصدي للطائرات والطائرات المسيرة. وتفيد تقارير استخباراتية بأن الموساد تمكن من تعطيل أنظمة الدفاع باستخدام أسلحة دقيقة وتقنيات تشويش متطورة، مما سهّل تنفيذ الضربات في العمق الإيراني.
ويرى الخبراء أن هذا الخلل يكشف عن قصور هيكلي في تحديث الدفاعات الجوية الإيرانية، مقابل التطور التكنولوجي الإسرائيلي المدعوم أميركيًا.
تفكك القيادة العسكرية الإيرانية ونقص المرونة التنظيمية
الهجمات الإسرائيلية استهدفت بشكل مباشر قيادات عسكرية عليا، حيث أُعلن عن مقتل ثلاثين جنرالًا وتسعة علماء نوويين في عملية نوعية عُرفت باسم "الزفاف الأحمر".
هذا الاستهداف أدى إلى ارتباك في سلسلة القيادة، وأعاق قدرة طهران على تنفيذ رد موحد ومنسق، ما كشف عن ضعف في مرونة البنية العسكرية الإيرانية، واعتمادها على هيكل قيادي مركزي دون بدائل ميدانية فاعلة.
الجغرافيا الإيرانية
رغم أن اتساع مساحة إيران البالغة أكثر من 1.6 مليون كيلومتر مربع يمنحها عمقًا استراتيجيًا، فإنه يشكل تحديًا لوجستيًا ضخمًا، خاصة عند الدفاع عن منشآت موزعة على مسافات بعيدة.
استهدفت إسرائيل مواقع في أصفهان وغيرها، ما أجبر إيران على تفتيت قدراتها الدفاعية، وأضعف من قدرتها على حماية البنية التحتية الحيوية.
صراع يفرض إعادة الحسابات الاستراتيجية
أظهرت هذه الحرب المحدودة، لكنها عالية الكثافة، حجم التعقيدات في موازين الردع بالمنطقة.
وبحسب تقديرات خبراء عسكريين، فإن إسرائيل مطالبة بمراجعة مدى استقلاليتها الاستراتيجية بعيدًا عن المظلة الأميركية، فيما تحتاج إيران إلى تحديث بنيتها الدفاعية، وتطوير بنية قيادة أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع الضربات المفاجئة.
ويجمع المراقبون على أن ما بعد "الأسد الصاعد" ليس كما قبله، وأن الصراع أطلق ديناميكيات جديدة ستؤثر في توازنات الإقليم لسنوات قادمة، وسط تساؤلات مفتوحة حول جاهزية الأطراف لجولات مقبلة أكثر تعقيدًا.