في صيف عام 1884، وقف رجل الاعمال الانجليزى جون أوريل على أرض ترابية بجوار ستانلي بارك في مدينة ليفربول، يحمل حلما بتأسيس ملعب لكرة القدم يخلد في ذاكرة المدينة لم تكن تلك الأرض سوى مساحة منحدرة بسيطة، لكن أوريل رأى فيها مستقبلًا مختلفًا.
أطلق عليها اسم "أنفيلد"، لتبدأ قصة أحد أشهر ملاعب كرة القدم في العالم.

إيفرتون أول المستخدمين
كان نادي إيفرتون يبحث حينها عن ملعب جديد بعد أن ضاقت بهم المساحة في بريوري رود بسبب تزايد الجماهير وضغط الجيران، فعرض أوريل عليهم أن يستخدموا أنفيلد مقابل إيجار رمزي. ومن هنا بدأت أولى خطوات ملعب أنفيلد نحو المجد، حيث احتضن أول مباراة رسمية بين إيفرتون وإيرلزتاون في سبتمبر 1884 وانتهت بفوز إيفرتون بخمسة أهداف دون رد.
مع مرور السنوات، ارتفعت قيمة الإيجار تدريجيًا، وهو ما أشعل خلافًا حادًا بين جون هولدينج، أحد أبرز رجال الأعمال في المدينة ومؤسس نادي إيفرتون، وبين بقية أعضاء إدارة النادي.
بلغ التوتر ذروته في عام 1892، ما أدى إلى انفصال إدارة إيفرتون وانتقال النادي إلى ملعب جديد أصبح يعرف لاحقًا باسم جوديسون بارك، بينما بقي هولدينج وحيدًا يملك ملعبًا بلا نادى
تأسيس النادى من أجل الملعب
لكن هولدينج لم يستسلم، وقرر تأسيس نادي جديد يلعب على أرض أنفيلد، وكان ذلك بداية ولادة نادي ليفربول لكرة القدم في صيف عام 1892.
وخاض الفريق أول مباراة ودية له على هذا الملعب في الأول من سبتمبر من نفس العام، أمام روثرهام تاون، وانتهت بفوز ليفربول بسبعة أهداف مقابل هدف، أمام جمهور لا يتجاوز 200 شخص.

تطور مرافق الملعب
بدأت مرافق الملعب بالتطور سريعًا، ففي عام 1895 بني أول مدرج رئيسي بسعة ثلاثة آلاف متفرج، ثم أضيف مدرج جديد على جهة أنفيلد رود عام 1903.
وبعد تحقيق ليفربول للقب الدوري عام 1906، تم بناء مدرج جديد أسطوري أُطلق عليه اسم "سبايون كوب"، تكريمًا لجنود من ليفربول سقطوا في حرب البوير في جنوب أفريقيا.
شهد الملعب في عام 1928 إعادة تصميم كاملة لمدرج الكوب ليصبح قادرًا على استيعاب 30 ألف متفرج وقوفًا، مما جعله الأكبر من نوعه في بريطانيا آنذاك. في الخمسينيات، أُضيفت الأضواء الكاشفة للملعب، وتم تشغيلها لأول مرة في مباراة احتفالية ضد إيفرتون عام 1957.
استمرت التحسينات خلال الستينيات والسبعينيات، حيث بني مدرج كملين رود، ثم تم تجديد المدرج الرئيسي بالكامل عام 1973، وتم تركيب أضواء جديدة على طول سقفه.
كما شهد هذا العقد افتتاح بوابة شانكلي الشهيرة، وتبعها تمثال برونزي تكريمًا للمدرب الأسطوري بيل شانكلي، الذي خلد عبارة "لن تسير وحدك أبدًا" التي أصبحت النشيد الرسمي للنادي.

في عام 1998، تم توسيع مدرج أنفيلد رود ليصبح ذا طابقين، لكن التحديث واجه بعض التحديات الهيكلية في بدايته.
ومع حلول القرن الحادي والعشرين، ظهرت خطط لهدم الأنفيلد وبناء ملعب جديد في ستانلي بارك، لكن المشروع تأجل مرارًا بسبب مشاكل مالية وتعثرات إدارية.
وبعد استحواذ مجموعة فينواي الرياضية على النادي عام 2010، تقرر الإبقاء على الأنفيلد وتوسيعه بدلًا من الانتقال.

أضيفت طوابق جديدة للمدرج الرئيسي، وتمت زيادة السعة تدريجيًا لتصل إلى أكثر من 61 ألف متفرج، ما جعله من أكبر الملاعب في إنجلترا. رغم التوسع والتجديد، ظل الأنفيلد محتفظًا بروحه التقليدية ومكانته في قلوب جماهير ليفربول.
مدرجات الانفيلد

يضم الأنفيلد الآن أربعة مدرجات رئيسية:
“الكوب، الأنفيلد رود، مدرج المئوية، والمدرج الرئيسي” كل منها يحمل طابعه الخاص، لكن الكوب يبقى الأكثر شهرة وتأثيرًا، وهو المدرج الذي لطالما خلق أجواء فريدة، يقال إن الجماهير فيه تملك القدرة على دفع الكرة إلى داخل المرمى من شدة الحماس.
لحظات تاريخية
شهد ملعب أنفيلد عبر تاريخه لحظات من التفوق المطلق لنادي ليفربول، حيث لم يتلقّ الفريق أي هزيمة على أرضه خلال عدة مواسم، كان أبرزها أعوام 1893-94، 1970-71، 1976-77، 1978-79، 1979-80، 1987-88، و2008-09. وكان موسم 1893-94 استثنائيًا، إذ نجح الفريق في الفوز بجميع مبارياته على أرض الأنفيلد.
أما أطول سلسلة انتصارات حققها الفريق في ملعبه فجاءت بين يناير 1978 ويناير 1981، حيث خاض ليفربول خلالها 85 مباراة دون خسارة، سجّل فيها 212 هدفًا واستقبلت شباكه 35 هدفًا فقط، ما يعكس الهيمنة المطلقة التي فرضها على أرضه خلال تلك الحقبة الذهبية.
في المقابل، ورغم عراقة النادي، فإن أسوأ سلسلة هزائم على ملعبه لم تتجاوز ثلاث مباريات متتالية، وتكررت ثلاث مرات فقط في تاريخ النادي، تحديدًا في مواسم 1899-1900، 1906-07، و1908-09، مما يعكس مدى صلابة الفريق في معقله على مر العقود.
بهذه الأرقام، يثبت أنفيلد أنه أكثر من مجرد ملعب، بل هو حصن حصين لطالما صمد في وجه الخصوم، وساهم في كتابة أمجاد نادي ليفربول الكروية.
أبرز الديربيات
ديربي الميرسيسايد:

الذي يجمع بين ليفربول وإيفرتون، واحدًا من أعرق وأقوى المواجهات في تاريخ الكرة الإنجليزية، حيث تُقام مبارياته بين الناديين الأكثر شهرة ونجاحًا في مدينة ليفربول الواقعة في شمال غرب إنجلترا. ويعود هذا الصدام الكروي المميز إلى عام 1962، وهو العام الذي شهد صعود ليفربول إلى دوري الدرجة الأولى، ما جعل من هذه المواجهة الأقدم في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز حتى اليوم.
وترتبط جذور هذا الديربي بخلاف إداري بين مسؤولي نادي إيفرتون ومالك ملعب أنفيلد حينها، جون هولدنيج، بعدما قرر رفع قيمة إيجار الملعب، ما دفع إيفرتون إلى الانتقال إلى غوديسون بارك، بينما أسس هولدنيج نادي ليفربول انتقامًا من قرارهم.
ديربي الشمال الغربي :

تعد المواجهة بين ليفربول ومانشستر يونايتد، المعروفة باسم ديربي الشمال الغربي، واحدة من أبرز وأشد المنافسات في تاريخ كرة القدم الإنجليزية، حيث تجمع بين أكثر ناديين تتويجًا بالألقاب في البلاد. فقد حصد ليفربول 69 لقبًا في مختلف البطولات، فيما توج مانشستر يونايتد بـ68 لقبًا، مما يجعل هذه المباراة من أكثر المباريات المرتقبة على الإطلاق في كرة القدم الأوروبية.
متحف مفتوح
الأنفيلد ليس مجرد ملعب، بل هو متحف مفتوح لتاريخ نادي ليفربول على جدرانه نقشت أسماء، وفي مدرجاته رفعت أصوات، وعلى عشبه سطرت ملاحم لا تُنسى.
من صراع على إيجار ملعب إلى ميلاد نادي عريق، ومن مدرج خشبي بسيط إلى صرح رياضي عالمي، هذه هي قصة الأنفيلد القلعة التي لا تموت.