بينما أنهى مجلس النواب دور انعقاده الأخير دون أن يُحسم مصير قانون الإيجار القديم بشكل نهائي، يظل مشروع القانون في وضع "معلّق" إلى حين تصديق رئيس الجمهورية عليه، أو إعادته إلى المجلس خلال المدة الدستورية المحددة بـ30 يومًا من تاريخ إقراره رسميًا.
هذا التعليق القانوني أثار حالة من الجدل والارتباك في الشارع، خاصة في ظل ما يتردد على نطاق واسع بشأن إنهاء عقود الإيجار بشكل فوري، وهو ما نفاه خبراء قانونيون، مؤكدين أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية لا يترتب عليه إخلاء تلقائي أو فسخ للعقود، بل يُمهّد فقط لنزاعات جديدة أمام المحاكم لتحديد القيمة الإيجارية العادلة.
إخلاء وإنهاء عقد الإيجار
من جهته، أوضح طارق العوضي، المحامي بالنقض والدستورية العليا، أن حكم المحكمة الدستورية يسري اعتبارًا من اليوم التالي لانتهاء دور انعقاد مجلس النواب، ونشر قرار الرئيس بالفض. إذن، ما الذي يترتب على هذا الحكم؟ إخلاء أو إنهاء عقد الإيجار؟ قولًا واحدًا: لا، لأن المحكمة حكمت بعدم دستورية ثبات القيمة الإيجارية المحددة، وبالتالي النزاع سيكون فيما يسمى بدعوى تحديد الأجرة.
وأضاف العوضي لـ"الرئيس نيوز"، أن تحديد الأجرة يدخل فيه عوامل متعددة، منها "القيمة الإيجارية للمثل" ووجود حقوق للمستأجر باعتباره مقيمًا منذ عشرات السنين، وبالتالي سننتظر قول المحاكم في ذلك، لكن لا يترتب عليه إنهاء عقود الإيجار أو فسخها، وهذا قولٌ واحد، وإذا تراضى المالك والمستأجر على الأجرة، فلا توجد أزمة، وإذا لم يحدث التراضي، يتم اللجوء إلى القضاء لتحديد القيمة الإيجارية.
مشروع قانون غير نافذ
تابع العوضي: نحن الآن أمام مشروع قانون ناقشه مجلس النواب، خرج فيه عن حكم المحكمة الدستورية، ولكن هذا حق للمجلس لأنه غير مقيد بالحكم إلا فيما قُضي فيه، من حق البرلمان إصدار قوانين أو إضافة مواد، وقد وافق المجلس على مشروع القانون، ولكن هناك لبس لدى كثيرين بشأن موقفه، إذ يجب إرسال المشروع إلى رئيس الجمهورية للتصديق عليه، ثم نشره في الجريدة الرسمية، ليصبح قانونًا بمجرد نشره، أما قبل ذلك، فلا يوجد قانون لأنه لم يُنشر أو يُصدَّق عليه.
وأوضح العوضي، أنه من المفترض أن يصدق الرئيس على القانون خلال 30 يومًا من تاريخ إرسال المشروع، أو يعيده خلال نفس الفترة. وإذا لم يُصدّق عليه خلال المدة، يصبح قانونًا نافذًا، لكن ذلك مشروط بوصول القانون فعليًا إلى الرئيس، وبدء حساب مدة الثلاثين يومًا.
وأشار إلى وجود قانون آخر (قانون الإجراءات الجنائية) تمت الموافقة عليه منذ 4 شهور، ولم يتم العمل به حتى الآن.
"وضع معلّق" لا يترتب عليه إخلاء
وقال العوضي: من حق الرئيس التصديق أو الرفض أو إعادة القانون، ولكن يجب أن يكون المشروع قد وصله فعلًا، هذه المعلومة غائبة عن الجميع، ومدة الثلاثين يومًا لم تنتهِ بعد، والوضع الآن "معلّق"، ولا يترتب عليه إنهاء عقود الإيجار.
وفيما يتعلق بمدى دستورية القانون الجديد، يرى العوضي أن هناك مخالفات دستورية في عدد من مواده، تمس التزامات الدولة، واستقرار الأسرة، والسلام المجتمعي.
ترويج كاذب لفكرة التوريث والأبدية
وأشار العوضي إلى وجود مخالفات في ما يخص تحديد مدة زمنية للإخلاء، مشددًا على أن هذا الأمر تم حسمه سابقًا، وهناك ترويج لفكرة "التوريث والأبدية" وهي عبارات غير صحيحة قانونًا، فهناك من يستأجر لمدة 59 سنة بعقود طويلة الأجل، ولا تزال الأجرة ثابتة، ولا يملك أحد زيادتها دون سند قانوني.
العوضي: "إنهاء عقود الإيجار" كلام عبثي
أوضح العوضي أن هناك بالفعل وقائع إخلاء بأحكام قضائية، ممن لا يملكون امتدادًا قانونيًا للعقد، لكن الترويج لإنهاء عقود الإيجار كلام عبثي.
وأكد أن القانون كفل الحق في التقاضي، لكن الحكم النهائي هو ما يصدر عن المحكمة.
وقال: المحكمة الدستورية لم تتحدث عن الإخلاء، ومن يرفع دعوى يستند إلى حكمها الذي أكد على منع الغبن وتحقيق التوازن بين المالك والمستأجر، وألا يُستغل أحد الطرفين، سواء بدفع أجرة بخسة أو فاحشة.
وحذّر من أن عدم حسم هذه المسألة سيؤدي إلى مشاكل ضخمة، إذ تشير التصريحات إلى وجود نحو 3 ملايين مستأجر، ما قد يعني مليون دعوى قضائية محتملة، وهو عبء كبير على مرفق القضاء.
من جهته، قال حسني مبارك، المحامي بالنقض والدستورية العليا، إن الدستور يمنح رئيس الجمهورية مهلة 30 يومًا من تاريخ إقرار القانون للتصديق عليه، وخلالها يمكن إعادته أو الموافقة عليه، وإذا لم يتم الاعتراض، يصبح القانون نافذًا ويُنشر في الجريدة الرسمية.
أضاف مبارك لـ"الرئيس نيوز"، أن القانون لم يصبح نافذًا حتى الآن، ومن المرجح أن يتم التصديق عليه في أغسطس، مشيرًا إلى أن ذلك مرتبط باعتبارات سياسية، لأن القانون يمس شريحتين كبيرتين في المجتمع: الملاك والمستأجرين، وهو ما يعكس محاولة لتحقيق توازن وسِلم اجتماعي في مواجهة مأزق شديد لكل طرف.
وأوضح المحامي، أن المحكمة الدستورية قضت في 9 نوفمبر الماضي بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من قانون تأجير الأماكن السكنية، مؤكدًا أن هناك مطالبات منذ نحو 40 عامًا لتعديل العلاقة الإيجارية. وأشار إلى أن القانون الجديد - شأنه شأن القديم - قد يظلم بعض الفئات، كما أن رفع دعاوى الإخلاء الآن صعب، وربما يكون متاحًا فقط بعد انتهاء مهلة الـ7 سنوات المُقررة، بعدها يتم تحرير العلاقة بعقد جديد أو عدم التجديد حسب رغبة الطرفين.