
كشفت وزارة أمن الدولة الصينية عن محاولة وصفتها بالخطيرة لاختراق قطاع المعادن النادرة، أحد أهم مفاصل الأمن الاستراتيجي الصيني، مشيرة إلى ضلوع أجهزة استخبارات أجنبية وعملاء محليين في عمليات تجسس وسرقة لمواد معدنية حساسة.

ورغم أن البيان لم يسمّ دولة بعينها، فإن توقيته ومضمونه يشيران بوضوح إلى الولايات المتحدة التي تتصاعد توترات التجارة معها منذ شهور.
التحرك الصيني لم يكن مجرد تصريح إعلامي بل يأتي ضمن سياق تصاعدي بدأ في أبريل الماضي حين فرضت بكين قيودًا صارمة على تصدير عدد من المعادن الحيوية، في رد مباشر على الرسوم الجمركية الأميركية. هذه المعادن، التي تشمل الأنتيمون والعديد من المواد المستخدمة في صناعة الرقائق والبطاريات والمعدات الدفاعية، أصبحت سلاحًا استراتيجيًا في صراع النفوذ الاقتصادي والتقني بين الصين والغرب.
شحنات ضخمة من الأنتيمون
التقارير التي نشرتها رويترز مؤخرًا حول تحويل شحنات ضخمة من الأنتيمون إلى الولايات المتحدة عبر دول وسيطة مثل تايلاند والمكسيك، عززت الشكوك الصينية بأن الغرب يسعى للالتفاف على القيود من خلال شبكات معقدة من التجارة غير المباشرة، وهو ما تعتبره بكين تهديدًا مباشرًا لسيادتها الاقتصادية وأمنها الصناعي.
وتلوّح بكين الآن باستخدام أدوات الأمن القومي، وليس فقط التجارة، لحماية قطاع المعادن، في إشارة واضحة إلى أن المواجهة الاقتصادية دخلت طورًا أمنيًا أكثر حساسية. ويبدو أن الصين لن تكتفي بتشديد الضوابط على التصدير، بل ستوسع نطاق التحقيقات والملاحقة داخل وخارج حدودها، مما يهدد بمزيد من التوتر في العلاقات مع القوى الغربية، خاصة في ظل الاتهامات بالتجسس الصناعي المتبادل.
ورغم هذا التصعيد، فإن بيانات التصدير الأخيرة تشير إلى مرونة تكتيكية في موقف بكين. فارتفاع صادرات المعادن النادرة في يونيو بنسبة 32% مقارنة بالشهر السابق، يعكس على الأرجح تفاهمات جزئية أو مداولات خلف الكواليس لتهدئة التصعيد، خصوصًا في ظل الضغوط التي تواجهها شركات كبرى لصناعة السيارات الكهربائية والدفاع خارج الصين نتيجة الاضطرابات في سلاسل التوريد.
ما يحدث ليس مجرد خلاف تجاري بل مواجهة حول من يملك مفاتيح المستقبل التكنولوجي. فالمعادن النادرة، التي تبدو للوهلة الأولى مواد خام عادية، أصبحت اليوم عملةً جيوسياسية حساسة تُحدِّد من يمتلك قدرة صنع الرقاقات، وتخزين الطاقة، وتوجيه الصواريخ. والرسالة التي تبعث بها بكين اليوم واضحة: الصين لن تقبل بأن يُدار أمنها الصناعي من الخارج، حتى لو اضطرها الأمر إلى مواجهة اقتصادية مفتوحة بغطاء أمني صارم.