أخبار عاجلة
بالبلدي: تنفيذ حكم القتل في وافد قتل زوجته -
أسعار الأسماك اليوم الخميس -

الفكاك من لعبة الندرة أو لعبة المليارديرات!

الفكاك من لعبة الندرة أو لعبة المليارديرات!
الفكاك من لعبة الندرة أو لعبة المليارديرات!
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما نتأمل ما حولنا في عالم اليوم نجد أن الناس مهما كثر لديهم ما يملكون، فنادرًا ما يشعرون بأن لديهم ما يكفي. وليس اكتناز المال فقط بل كل شيء؛ ليس لديهم ما يكفي من الوقت حتى ينعموا بما ادخروا، ولا ما يكفي من الطاقة لتحسين جودة الحياة، ولا ما يكفي من الأصدقاء ليشعروا بالسعادة، ولا ما يكفي من التجارب أيضاً: ليسوا ناجحين بما يكفي، أو جذابين بما يكفي، أو لائقين بما يكفي. هذا الشعور بالندرة متأصل بعمق في النفس البشرية الآن لدرجة أصبحنا نفترض أنه جزء طبيعي من تجربة الوجود البشري. رغم كون هذه الفكرة ليست نابعة في الأصل من ثقافتنا المحلية بل هي فكرة غربية وانتشرت مع انتشار النظام الرأسمالي المبني على تشجيع الاستهلاك المادي، في حين أن ثقافتنا المحلية قامت في الأساس على مبادئ مثل القناعة كنز لا يفنى والطمع يقل ما جمع و"على قد لحافك مدّ رجليك"، وفكرة أنواع الرزق "كتوليفة" و"باكيدج" وكيف أن السعادة تُبنى على كيفية الاستمتاع بما لدينا وليس على كمّ ما لدينا. 

طبعا، هذه الثقافة لم تعد موجودة الآن لدينا، ليس فقط لتغير الأنماط الاجتماعية والأخلاقية، ولكن أيضا لأن النظام الاقتصادي المتبع منذ عقود تتجاوز نصف القرن يرسخ ما يسمى حرية السوق.

وبنظرة عامة على العقود الماضية أصبح الحديث المتزايد عن زيادة الفقر وشحّ الموارد وقلة الدخل أو على الأصحّ عدم كفاية الدخل لتغطية تكاليف المعيشة التي دخلت فيها الكثير من الكماليات، ومنها غير الضروري، منها تغيير الموبايل والسيارة والملابس والتجميل وغيرها الكثير. وبالتالي، هناك إقبال على استهلاك ما كان ضرورياً، وما أصبح ضرورياً بينما كان من الكماليات، مما أدى لارتفاع الأسعار وشحّ المواد بشكل عامّ. وبذلك، لم تعد ميزانيات الأفراد تكفي لتلبية الاحتياجات؛ وبالمثل لم تعد ميزانيات الدول تكفي لتوفير احتياجات الشعوب. 

ولو فحصنا الثروة العالمية الإجمالية لاندهشنا من كونها زادت بشكل واضح وهنا تتملكنا الحيرة من هذه المعضلة -أي زيادة الفقر رغم زيادة الثروة، مع الأخذ في الاعتبار النسبية في زيادة سكان العالم. منذ عام 2015، نمت الثروة العالمية الإجمالية من حوالي 250 تريليون دولار إلى 471 تريليون دولار. وعلى الصعيد العالمي، ليس المال نادرًا في الواقع؛ هناك ثروة اليوم أكبر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية. ماذا يحدث للمال والثروة إذن وأين تذهب إذا كان الغالبية العظمى من سكان الأرض يتجهون إلى المزيد من الفقر؟.. في عام 2024 وحده، نمت ثروة مليارديرات العالم بمقدار 2 تريليون دولار. وهذا يعني أن أغنى 3000 شخص على هذا الكوكب حققوا في العام الماضي مجتمعين 5.5 مليار دولار يوميًا، و228 مليون دولار كل ساعة، و3.8 مليون دولار كل دقيقة. 

أظن أن معظمنا أصبح يعلم، أن الثروة موجودة وبوفرة، ولكنها لا تنتهي في جيوبنا. ولكن من الصعب فهم مدى هذا التدفق التصاعدي للأموال، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الأرقام المعلنة غير مفهومة. بعملية حسابية بسيطة لمواطن ذي دخل شهري مرتفع يعني مواطن من طبقة الموظفين المرموقين في العالم المتقدم -وليس في الدول النامية- قد يتمكن من خلال راتبه الجيد وخطة معاشات تقاعدية سخية، من ادخار 500 دولار شهريًا للتقاعد. إذا فعل ذلك شهريًا من سن 25 إلى 65، فيمكنه التقاعد ومعه مليون دولار في البنك، وهو مبلغ يكفي لعيش حياة كريمة لسنوات عديدة، وأكثر مما قد يراه معظم الناس في حياتهم. عدد الموظفين مثله في أنحاء العالم ليس قليلا. في المقابل المليارديرات في العام الماضي، حققوا مليون دولار كل 20 ثانية. ورغم كون المقارنة سخيفة بين فئتين ميسروتين، إلا أنها تعكس ظلماً بينا قد يثير الغضب حتى بين هذه الفئة ميسورة الحال. مع ذلك فالأمر ليس مفاجأة وهو أن البعض عندما تُتاح لهم الفرصة، سيسعون إلى تراكم الثروة بما يتجاوز أي حد منطقي. كما أن الأمر ليس مفاجأة أيضًا إن كانوا، حتى اليوم، لا يزالون يشعرون بأنهم لا يملكون ما يكفيهم. 

وفكرة الندرة هي فكرة رأسمالية في الأساس، حيث يعتمد الاقتصاد الرأسمالي التقليدي على الندرة؛ فالأشياء قيّمة لأنها نادرة. وكلما زادت وفرتها، انخفضت أسعارها. وبذل الاقتصاديون الرأسماليون جهودا كبيرة للوصول لقانون الندرة تحت ذرائع ومبررات جذابة ولكنها خادعة. وجوهر هذا المبدأ العملي يمكن تلخيصه ببساطة في أنه إذا بدا ما نرغب فيه محدود العرض، فإن إدراكنا لقيمته يزداد بشكل ملحوظ. وكم من المظالم بُنيت على قوانين السوق وأدت إلى الإطاحة بالعدالة الاجتماعية، وتطبيقها عادة مهمة الحكومات من خلال سياسات عامة تهدف في المقام الأول لتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، ليس فقط من أجل عدالة منشودة للغالبية العظمى من فئات المجتمع فقط، ولكن من أجل السلم الاجتماعي والحد من الجرائم الناتجة عن التفاوت الطبقي بل وحتى بشكل براجماتي من أجل الطبقة الثرية نفسها، حتى تعيش في مجتمع إنساني آدمي لائق وغير متصارع أو تنهشه الأحقاد والفتن!

هذا دور الحكومات بشكل أساسي ولكنه دور مفقود مما يوحي بأن سياسة "دعه يعمل دعه يمر" هي شعار المراحل الحالية أيضا، رغم مرور عقود طويلة على اختراع هذا النظام في خمسينيات القرن الثامن عشر، عندما طور الاقتصادي الفرنسي فنسنت دي جورناي، المصطلح، مطلقًا عبارة "دعه يعمل دعه يمر" وذلك أثناء دعوته لإزالة القيود التنظيمية المفروضة على التجارة والصناعة في فرنسا. ويعتبر الاقتصادي الأسكتلندي الكلاسيكي آدم سميث (1723-1790) الأب الروحي لفلسفة "دعه يعمل دعه يمر" بعد أن أرساها في كتابه "ثروة الأمم" حيث يرى أن "اليد الخفية" للسوق قادرة على تنظيم الاقتصاد، داعيا لعدم التدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية. 

ورغم أن الأزمات الاقتصادية الدورية والمتتالية التي شهدها العالم طيلة قرنين كفيلة بأن تكشف عورات هذا النهج وكيف أن السوق لا يكون قادرًا على تنظيم نفسه بشكل فعال ناهيك عن تفاقم التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين أفراد المجتمع، إلا أن الصوت العالي في العالم المعاصر مازال لأنصار عدم التدخل الحكومي وتحجيم دور الحكومات في تنظيم الاقتصاد وحماية حقوق العمال والفئات الضعيفة ودائما تحت مبدأ وشعار يدعه يعمل دعه يمر!

وهذا الفهم للندرة يحكم سلوك عامة الناس في المجتمعات الغربية، ومجتمعاتنا أيضا بعد العولمة، لدرجة أننا نفترض أنه جزء طبيعي من تجربة الوجود البشري. لكنّ الحلّ أمامنا متاحٌ وعلينا فقط العمل عليه بجهود إضافية ووعي من الأفراد والجماعات والحكومات، وهو العودة لثقافتنا -وهي بالمناسبة قيم موجودة في ثقافات عديدة بعيدا عن الثقافة الغربية-والحقيقة أن العديد من الثقافات الأصلية ترى أن العالم غني بطبيعته، ويحتوي على كل ما نحتاجه لازدهار جميع الكائنات الحية، إذا عرفنا كيف نتعامل معه بحكمة، وهنا أيضا دور الحكومات في التعامل بحسن الإدارة للموارد.

من المهم إذن أن ندركَ أن لعب "لعبة الندرة" هو بمثابة لعب لعبة المليارديرات، ونقنع أنفسنا بأننا لا نملك ما يكفي فنكرس جهودنا لجمع المزيد، يعني أننا نقبل قواعد لعبة لا يمكننا الفوز بها إطلاقا! فلنكن صريحين إذن: عندما يتمكن البعض من جني 3.8 مليون دولار في الدقيقة، فإن البقية لن يلحقوا بهم، قريبًا! أما إذا أدركنا أن لدينا ما يكفي بالفعل، ففي ذلك قوة. الحل إذن بالفكاك من اللعبة التي لا تنتهي!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بطاقات بنك ABC تتيح كاش باك 10% على جميع المشتريات داخل وخارج مصر..  وتقسيط حتى 24 شهرًا
التالى “الجزار” يكرم الفرق الطبية المتميزة في التطعيمات الروتينية وموسم الحج 2025