شهدت تقنيات الذكاء الاصطناعي تطورا غير مسبوق في السنوات الأخيرة وامتدت لتشمل مختلف جوانب الحياة وأصبحت عنصرا أساسيا في ميادين العلم والعمل معا وتعد الترجمة من أهم المجالات التي برزت فيها من أدوات مبتكرة جعلت التكنولوجيا شريكا داعما للعقل البشري في تعزيز جودة الترجمة ودقتها مع الحفاظ على بعدها الثقافي والإنساني.
تقنيات الذكاء الاصطناعي
رغم ما تتميز به أدوات الذكاء الاصطناعي في الترجمة من سرعة ومرونة وتكاليف منخفضة فإنها لا تخلو من التحديات فلا يزال الذكاء الاصطناعي مفتقرا إلى الحس الثقافي والبعد الإنساني خاصة عند التعامل مع نصوص تتطلب دقة عالية مثل الترجمة الأدبية أو الدينية ولذلك يتجه كثير من خبراء الترجمة إلى تبني مبدأ التكامل بين العنصر البشري والتقنيات الحديثة لضمان أفضل جودة ممكنة وتحقيق أقصى استفادة ممكنة.
وحول إمكانية توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة أكد الدكتور والمترجم الكبير حسين محمود أستاذ الأدب الإيطالي بجامعة حلوان وعميد كلية اللغات والترجمة بجامعة بدر في تصريحات صحفية أنه يجب التمييز بين محورين أساسيين أولهما أدوات الذكاء الاصطناعي الموجهة للمستخدم العادي بغرض التواصل والتفاهم بين البشر فهذه تسد الحاجة ولن تؤثر في هذه الحالة على أداء وعمل المترجمين أما الأدوات الموجهة للمترجمين فلابد من توظيفها والاستفادة منها واستخدامها بالشكل الإيجابي والمثمر للمترجم.
وأوضح أن المحور الآخر متعلق بطبيعة ونوعية النصوص فأدوات الذكاء الاصطناعي المتخصصة في الترجمة بأنواعها تستطيع أن تنتج نصوصا في وقت قياسي إلا أنها قد تشوبها بعض الأخطاء وفي حالة النصوص الأدبية فهي تنتج نصوصا قد تكون صحيحة من الناحية اللغوية ولكنها تفتقر للجانب الجمالي الأدبي في اللمسات البشرية التي تعكس ثقافة المترجم وتذوقه للنص.
وأضاف أن هناك أسرارا في اللغة يعرفها البشر ولا تعرفها الآلة حتى الآن وهي مهمة لا تستطيع أن تنجزها الأدوات التكنولوجية رغم محاولات نقل المشاعر والعواطف لكنها لن تكون مثمرة لأن الإنسان يحمل تاريخ وتراث وإدراك لن تتمكن الآلة مهما تقدمت أن تصل إلى المستوى الذي وصل إليه الإنسان.
وفيما يتعلق بالحكم على دقة الترجمة وتحمل مسئوليتها شدد على أن النص الناتج عن الترجمة لا تستطيع أدوات التكنولوجيا الحكم على صحته أو خطأه وتحمل مسئوليته حتى القانونية فوحده المترجم هو الحكم والمسئول عن الترجمة فهو من يعرف اللغة المصدر التي جاء منها النص واللغة الهدف التي ينقل إليها وهو من يستطيع تقدير دقة وجودة الترجمة، ولذلك فإنه لا خوف على المترجم ومستقبل الترجمة البشرية من أدوات التكنولوجيا الحديثة في الترجمة، ولكن يستطيع المترجم أن يستفيد مما تتيحه المصادر التكنولوجية.
بدوره قال دكتور محمد دياب، مدرس بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر :إن السنوات القليلة الماضية شهدت تطورا كبيرا في مجال الذكاء الاصطناعي كان له أثر على مجال الترجمة والتحرير وتنوعت الطرق وتطورت لتصبح ذات كفاءة غير مسبوقة في مجال الترجمة وظهر تأثيرها على المخرج الناتج عن عملية الترجمة.
أدوات الذكاء الاصطناعي في المخرجات الآلية
وأضاف أن أهم التطورات التي تجلت في هذا الاتجاه ظهور الترجمة الآلية بعد التحرير التي يتعاون من خلالها المترجمون مع أدوات الذكاء الاصطناعي في المخرجات الآلية ما يعزز جودة الترجمة خاصة بدعم تلك الأدوات بالمفردات اللغوية مشيرا إلى أن تلك المشاركة تتضمن تصحيح العقل البشري للأخطاء المحتملة التي قد تظهر في أنظمة الترجمة الآلية والتي قد لا تعبر عن النص الأصلي بشكل كاف كما تقدم الترجمة الآلية بعد التحرير ترجمة غنية بالمعاني ودقيقة في التعبير اللغوي حيث يتم دعم أدوات الذكاء الاصطناعي بالمفردات والجذور اللغوية التي تساهم في إعطاء معنى صحيح للنص المترجم.
وأوضح أنه إلى جانب المميزات التي يمنحها دخول الذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة إلا أن هناك بعض العقبات أيضا لا يمكن تجاهلها فلكي تعطي ترجمة صحيحة لابد أن تكون معززة باللغتين الأصل والهدف كما أنه ستظل هناك حاجة للإشراف البشري على الترجمة مهما بلغنا من تطور لضمان جودتها لافتا إلى أنه خلال عملية الترجمة لابد من مراعاة ظروف التعبير للمؤلف في النصوص باللغة الأصلية ومقصودة من النص ومشاعره وهو أمر يصعب على الآلة إدراكه ونقل التعبيرات بأحاسيس المؤلف ذاتها وهو ما يؤكد عدم القدرة عن الاستغناء عن العقل البشري بشكل كامل.
وفيما يتعلق بالترجمات الإسلامية على وجه الخصوص أكد أن لها طبيعة ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار فإلى الآن لم يتم تزويد أدوات الذكاء الاصطناعي بالمفردات اللغوية الكاملة والتعبيرات الإسلامية التي تستطيع من خلالها إعطاء معنى منضبط إلى حد كبير وتتطلب مراجعة مترجم متمرس في العلوم الإسلامية لتوصيل المعنى الصحيح.