في 29 سبتمبر 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة مكونة من 20 نقطة لإنهاء الحرب في غزة، بالتعاون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. الخطة، التي تهدف إلى وقف إطلاق النار، إطلاق سراح الرهائن، سحب إسرائيلي تدريجي، وإعادة إعمار غزة تحت إشراف دولي، تأتي في سياق جيوسياسي معقد، حيث تتقاطع مصالح إقليمية ودولية. يهدف هذا المقال إلى تحليل الخطة نقديًا، مع التركيز على أبعادها الجيوسياسية، نقاط قوتها، تحدياتها، والتداعيات المحتملة على المنطقة.
الأهداف المعلنة والواقعية:
تطرح خطة ترامب رؤية طموحة تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة من خلال تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: وقف فوري ودائم لإطلاق النار، تفكيك البنية العسكرية لحركة حماس، وتحويل غزة إلى مركز اقتصادي وسياحي يُشار إليه بـ"ريفييرا الشرق الأوسط". هذه الأهداف تعكس نهجًا براغماتيًا يتماشى مع أسلوب ترامب السياسي، الذي يسعى إلى تسجيل إنجاز دبلوماسي كبير يعزز صورته كـ"صانع سلام"، مستفيدًا من نجاحه السابق في اتفاقيات إبراهيم عام 2020، التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. الخطة، في جوهرها، تسعى إلى تقديم حل شامل يتجاوز الصراع العسكري ليشمل إعادة تشكيل مستقبل غزة اقتصاديًا وسياسيًا، لكن تحقيق هذه الأهداف يواجه عقبات هيكلية وجيوسياسية معقدة.
إحدى الركائز الأساسية للخطة هي إعادة إعمار غزة لتحويلها إلى مركز اقتصادي مزدهر، لكن هذا الهدف يصطدم بحجم الدمار الهائل الناتج عن الحرب. تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى وجود أكثر من 50 مليون طن من الركام، مما يتطلب جهودًا لوجستية ومالية ضخمة لإزالته وإعادة بناء البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات، المدارس، وأنظمة المياه والكهرباء. التكلفة المالية لهذا المشروع، التي تتراوح بين 50 و80 مليار دولار وفقًا لتقديرات دولية، تثير تساؤلات جدية حول قدرة الدول المانحة على الوفاء بالتزاماتها. في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك التضخم وتذبذب أسواق الطاقة، قد تجد الدول الخليجية والغربية صعوبة في تخصيص مبالغ كبيرة دون ضمانات سياسية واضحة، مما يهدد استدامة المشروع.
نجاح الخطة يعتمد بشكل كبير على وجود إطار سياسي فلسطيني موحد يدعم عملية إعادة الإعمار والتنمية. ومع ذلك، فإن الانقسامات الداخلية بين حماس، التي تسيطر على غزة، والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، تشكل عائقًا رئيسيًا. الخطة تستبعد حماس والسلطة الفلسطينية من الإدارة الأولية لغزة، مفضلةً تسليم السلطة إلى تكنوقراط فلسطينيين تحت إشراف دولي. هذا النهج، رغم أنه قد يهدف إلى تجاوز الفصائل التقليدية لضمان حيادية الإدارة، يثير مخاطر خلق فراغ سياسي قد يؤدي إلى فوضى أو ظهور فصائل جديدة. علاوة على ذلك، استبعاد حماس من المفاوضات قد يقلل من فرص قبولها للخطة، خاصة مع شروط مثل تسليم أسلحتها، التي قد تعتبرها استسلامًا سياسيًا وعسكريًا.
من الناحية الجيوسياسية، تسعى الخطة إلى تعزيز التحالفات العربية-الإسرائيلية، مستفيدة من دعم دول مثل السعودية والإمارات، لكنها تواجه تحديات تتعلق بالمصداقية. التهديد الأمريكي بدعم إسرائيل بشكل كامل إذا رفضت حماس الخطة يعزز التصور بأن الخطة تميل لصالح إسرائيل، مما قد يحد من قبولها فلسطينيًا وعربيًا. كما أن الاعتماد على تمويل دولي وإدارة انتقالية بقيادة شخصيات مثل ترامب وتوني بلير قد يثير شكوكًا حول استدامة الخطة، خاصة في ظل تغيرات محتملة في القيادة الأمريكية أو التوجهات الإقليمية. هذه العوامل مجتمعة تجعل الأهداف المعلنة، رغم طموحها، تواجه عقبات واقعية قد تحول دون تحقيقها دون تعديلات جذرية تشمل كل الأطراف المعنية.
الإدارة الدولية و"مجلس السلام":
تتضمن خطة ترامب لوقف الحرب في غزة اقتراحًا طموحًا لإنشاء "مجلس سلام" بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومشاركة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، بهدف إدارة غزة في مرحلة انتقالية. الهدف الأساسي هو إزاحة كل من حركة حماس والسلطة الفلسطينية مؤقتًا من إدارة القطاع، وتسليم السلطة إلى فريق من التكنوقراط الفلسطينيين تحت إشراف دولي. هذا النهج يعكس محاولة لتجاوز الفصائل الفلسطينية التقليدية، التي تعاني من انقسامات وصراعات داخلية، بهدف خلق إدارة محايدة وفعالة قادرة على تنفيذ إعادة الإعمار وإرساء الاستقرار. ومع ذلك، فإن هذا الاقتراح يثير تساؤلات حول مدى شرعيته وجدواه في سياق سياسي معقد يتسم بالحساسيات المحلية والإقليمية.
أحد التحديات الرئيسية لـ"مجلس السلام" هو استبعاد حماس من المفاوضات الأولية للخطة، رغم كونها الجهة المهيمنة على غزة منذ 2007. الخطة تشترط تسليم حماس لأسلحتها وتفكيك بنيتها العسكرية، بما في ذلك شبكة الأنفاق، كشرط أساسي لتنفيذ الاتفاق. هذا المطلب قد ترفضه حماس، التي قد ترى فيه استسلامًا سياسيًا وعسكريًا، خاصة في ظل تاريخها الطويل من المقاومة ضد إسرائيل. غياب حماس عن طاولة المفاوضات يقلل من فرص قبولها للخطة، وقد يؤدي إلى تصعيد المقاومة أو إفشال الجهود الدبلوماسية. كما أن إشراك قطر ومصر كوسيطين لنقل الخطة إلى حماس قد لا يكفي لضمان موافقتها، خاصة إذا شعرت الحركة أن الخطة تميل بشكل واضح لصالح إسرائيل.
تتضمن الخطة نشر قوة أمنية عربية دولية في غزة لمدة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، بهدف ضمان الأمن ومنع عودة الصراع. هذا الاقتراح، رغم أنه قد يبدو عمليًا لتخفيف العبء عن إسرائيل وتوفير إطار إقليمي للاستقرار، يثير حساسيات محلية كبيرة. قد يُنظر إلى هذه القوة، خاصة إذا ضمت دولًا مثل الإمارات أو السعودية، كشكل من أشكال "الاحتلال غير المباشر"، نظرًا لانتقادات فلسطينية واسعة لتطبيع هذه الدول مع إسرائيل. الفلسطينيون في غزة، الذين يعانون من سنوات من الحصار والحرب، قد يرفضون وجود قوات أجنبية، مما يعقد مهمة المجلس ويزيد من مخاطر التوترات الداخلية. علاوة على ذلك، قد تواجه هذه الدول ضغوطًا شعبية داخلية تحول دون مشاركتها الفعالة.
إدارة "مجلس السلام" تحت قيادة شخصيات مثل ترامب وبلير، اللذين يُنظر إليهما كرموز للسياسات الغربية المثيرة للجدل في الشرق الأوسط، قد تثير شكوكًا حول حيادية الخطة وشرعيتها. توني بلير، على سبيل المثال، يحمل إرثًا مثقلًا بغزو العراق عام 2003، مما قد يقلل من قبول دوره لدى الفلسطينيين والمجتمعات العربية. كما أن الاعتماد على إدارة دولية قد يُنظر إليه كمحاولة لفرض هيمنة خارجية على غزة، مما يعزز الرفض المحلي. جيوسياسيًا، قد تواجه الخطة معارضة من قوى إقليمية مثل إيران، التي تدعم حماس وحزب الله، مما يزيد من تعقيد تنفيذها. هذه العوامل مجتمعة تجعل نجاح "مجلس السلام" مرهونًا بقدرته على كسب ثقة الفلسطينيين وتحقيق توازن دقيق بين المصالح الإقليمية والمحلية.
الدعم الأمريكي-الإسرائيلي المشروط:
تتضمن خطة ترامب تهديدًا صريحًا بتقديم الولايات المتحدة دعمًا كاملًا لإسرائيل لـ"إنهاء المهمة" ضد حماس في حال رفضت الأخيرة الخطة، مما يعني منح إسرائيل الضوء الأخضر لتصعيد عملياتها العسكرية. هذا الموقف يعزز ثقة إسرائيل، خاصة في ظل دعم إدارة ترامب التاريخي لها، كما يظهر في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عام 2018 ودعم اتفاقيات إبراهيم. ومع ذلك، هذا الدعم غير المشروط يقوض مصداقية الخطة كوساطة محايدة، إذ يُنظر إليه فلسطينيًا وعربيًا كتحيز واضح لصالح إسرائيل. هذا التصور قد يقلل من قبول الخطة لدى الفلسطينيين، الذين يرون فيها إطارًا يخدم الأهداف الإسرائيلية أكثر من معالجة مطالبهم، مثل إنهاء الحصار أو ضمان حقوقهم السياسية. كما أن التهديد قد يدفع حماس إلى التصلب في موقفها، مما يزيد من مخاطر التصعيد بدلًا من تحقيق السلام.
في إسرائيل، تواجه الخطة تحديات داخلية كبيرة بسبب الضغوط التي يمارسها اليمين المتطرف داخل الحكومة، بقيادة شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين يعارضان أي تنازلات مثل السحب التدريجي من غزة أو وقف توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. هؤلاء السياسيون، الذين يتمتعون بنفوذ كبير في الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو، قد يهددون بإسقاط الحكومة إذا شعروا أن الخطة تعرض أهدافهم الإيديولوجية، مثل ضم أراضٍ أو الحفاظ على سيطرة عسكرية على غزة، للخطر. هذه الانقسامات الداخلية تهدد تماسك الخطة، إذ قد تجبر نتنياهو على تبني موقف متشدد للحفاظ على استقرار ائتلافه، مما يقلل من إمكانية تنفيذ بنود مثل السحب التدريجي أو ضمان عدم بناء مستوطنات جديدة. هذا الوضع يزيد من تعقيد الخطة، حيث يتطلب تحقيقها توازنًا دقيقًا بين تلبية شروط الخطة وإرضاء القوى السياسية الإسرائيلية المتشددة.
الدور الأمريكي وتأثيره الإقليمي:
تعكس خطة ترامب لوقف الحرب في غزة عودة الولايات المتحدة كلاعب مركزي في الدبلوماسية الإقليمية، بعد فترة من التراجع النسبي خلال إدارة بايدن، التي ركزت بشكل أكبر على التحديات الداخلية والمنافسة مع الصين وروسيا. ترامب، مستفيدًا من علاقاته الوثيقة مع قادة دول مثل السعودية والإمارات وقطر، يسعى لتكرار نجاحه السابق في اتفاقيات إبراهيم (2020)، التي نجحت في تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. هذه الخطة تمثل محاولة لتعزيز النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، من خلال تقديم إطار سلام شامل يجمع بين الأهداف الأمنية الإسرائيلية والمصالح الاقتصادية العربية. ومع ذلك، الاعتماد على شخصية ترامب، المثيرة للجدل، وعلى توني بلير، الذي يحمل إرثًا مثقلًا بغزو العراق، قد يثير شكوكًا حول استدامة الخطة، خاصة مع احتمال تغيير الإدارة الأمريكية بعد 2028، مما قد يؤدي إلى تحول في الأولويات السياسية ويضعف استمرارية الجهود.
تتجاوز الخطة حدود الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لتصبح أداة جيوسياسية في مواجهة إيران وحلفائها، مثل حزب الله والفصائل المسلحة في العراق وسوريا. من خلال تعزيز التحالف الإسرائيلي-العربي، تسعى الخطة لتقوية محور يضم إسرائيل ودول الخليج، مما يشكل ضغطًا استراتيجيًا على طهران، التي تدعم حماس ماليًا وعسكريًا. هذا النهج يتماشى مع سياسة ترامب السابقة، مثل "الضغط الأقصى" على إيران، ويحمل في طياته مخاطر تصعيد إقليمي إذا رأت إيران أن الخطة تهدف إلى عزلها أو إضعاف حلفائها. في الوقت ذاته، قد تواجه الخطة معارضة من قوى إقليمية أخرى، مثل روسيا والصين، اللتين تسعيان لتوسيع نفوذهما في المنطقة، مما يعقد إمكانية تحقيق توافق دولي. وبالتالي، فإن نجاح الخطة يعتمد على قدرتها على تحقيق توازن بين تعزيز التحالفات الإقليمية وضمان عدم إشعال مواجهة أوسع مع إيران وحلفائها.
المواقف العربية والتوازنات الإقليمية:
رحبت دول عربية رئيسية مثل السعودية، الإمارات، وقطر بخطة ترامب لوقف الحرب في غزة، لكن دعمها جاء مشروطًا بضمانات صارمة ضد الضم الإسرائيلي لأراضي غزة أو الضفة الغربية، وضد أي تهجير قسري للفلسطينيين. هذه الدول ترى في الخطة فرصة استراتيجية لتعزيز نفوذها الإقليمي في غزة، خاصة من خلال المساهمة في إعادة الإعمار أو دعم القوة الأمنية العربية المقترحة. على سبيل المثال، السعودية والإمارات، اللتين طورتا علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل بعد اتفاقيات إبراهيم، قد تريان في الخطة وسيلة لتوسيع دورهما كقوى وساطة إقليمية. ومع ذلك، تواجه هذه الدول معضلة دقيقة، حيث قد يُنظر إلى دعمهما للخطة كشكل من التطبيع غير المباشر مع إسرائيل، مما يثير غضبًا شعبيًا في مجتمعاتهما، التي لا تزال متعاطفة مع القضية الفلسطينية. هذا التوتر بين الأهداف السياسية والضغوط الشعبية قد يحد من التزامهما الكامل.
تواجه دول مثل قطر، مصر، والأردن تحديات خاصة في التعامل مع الخطة بسبب أوضاعها السياسية والاجتماعية الداخلية. قطر، التي تستضيف قادة حماس وتلعب دور الوسيط في المفاوضات، قد تجد صعوبة في إقناع الحركة بقبول شروط الخطة، خاصة تسليم أسلحتها وتفكيك بنيتها العسكرية، وهي شروط قد تراها حماس استسلامًا. هذا الوضع يضع قطر في موقف حرج، حيث تسعى للحفاظ على مصداقيتها كداعم للقضية الفلسطينية بينما تحافظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة. من ناحية أخرى، مصر والأردن، اللتين تعانيان من ضغوط اقتصادية وسياسية داخلية، قد تترددان في المشاركة في القوة الأمنية العربية المقترحة، خشية ردود فعل شعبية سلبية. الشارعان المصري والأردني، اللذان يتمتعان بتاريخ طويل من التضامن مع الفلسطينيين، قد يرفضان أي دور عسكري يُنظر إليه كدعم لأجندة إسرائيلية أو أمريكية، مما يعقد مشاركة هاتين الدولتين ويؤثر على التوازنات الإقليمية المرتبطة بالخطة.
التأثير على القضية الفلسطينية:
تتضمن خطة ترامب إشارة إلى إطار للحوار يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقبلية، لكن هذا الهدف مشروط بإصلاحات سياسية وإدارية غامضة لم يتم توضيح تفاصيلها، مما يثير شكوكًا حول جدية هذا الالتزام. استبعاد حماس والسلطة الفلسطينية من إدارة غزة في المرحلة الأولى، لصالح تكنوقراط فلسطينيين تحت إشراف دولي، قد يؤدي إلى فراغ سياسي خطير. هذا الفراغ قد يعزز الفوضى الداخلية أو يفتح الباب أمام ظهور فصائل جديدة، خاصة في ظل الانقسامات المزمنة بين حماس والسلطة الفلسطينية، التي فشلت منذ 2007 في تحقيق مصالحة وطنية. غياب قيادة فلسطينية موحدة وممثلة في عملية صنع القرار يقلل من شرعية الخطة لدى الفلسطينيين، وقد يؤدي إلى رفض شعبي واسع، مما يعرقل تنفيذها ويفاقم التوترات الداخلية في غزة والضفة الغربية.
اقتراح الخطة منح "عفو" لأعضاء حماس الذين يلتزمون بالتعايش السلمي مع إسرائيل يبدو غير واقعي، نظرًا للعداء العميق والممتد على مدى عقود بين الحركة وإسرائيل، والذي تغذيه صراعات دموية وخسائر بشرية كبيرة. هذا الشرط قد يُنظر إليه كمحاولة لإضعاف حماس سياسيًا وعسكريًا، مما يقلل من احتمال قبولها للخطة، خاصة في ظل استبعادها من المفاوضات الأولية. إضافة إلى ذلك، عدم وجود ضمانات ملموسة ضد الضم الإسرائيلي لأراضٍ في غزة أو الضفة الغربية، أو ضد توسيع المستوطنات، يثير مخاوف جدية من أن الخطة قد تكون غطاءً لفرض واقع جديد يخدم المصالح الإسرائيلية. هذه المخاوف تتفاقم بسبب تصريحات اليمين المتطرف في إسرائيل، الذي يدعو إلى ضم أراضٍ وتوسيع السيطرة، مما يعزز الشكوك بأن الخطة قد لا تؤدي إلى تقدم حقيقي نحو حل الدولتين، بل إلى ترسيخ الهيمنة الإسرائيلية تحت غطاء دبلوماسي.
التحديات الدولية:
تعتمد خطة ترامب لإعادة إعمار غزة على تمويل دولي وأممي ضخم، يُقدَّر بما بين 50 و80 مليار دولار لإزالة الركام (أكثر من 50 مليون طن) وإعادة بناء البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات، المدارس، وأنظمة المياه والكهرباء. ومع ذلك، تُظهر التجارب السابقة، مثل إعادة إعمار لبنان بعد حرب 2006 أو العراق بعد 2003، صعوبات كبيرة في جمع التمويل المطلوب، حيث غالبًا ما تفشل الدول المانحة في الوفاء بالتزاماتها بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية أو تغيّر الأولويات السياسية. على سبيل المثال، تعهدات إعادة إعمار غزة بعد حروب سابقة (مثل 2014) لم تُترجم بالكامل إلى أموال فعلية، مما أدى إلى تأخيرات وتدهور الأوضاع الإنسانية. كما أن إشراك الأمم المتحدة في توزيع المساعدات وإدارة إعادة الإعمار قد يواجه معارضة إسرائيلية، نظرًا لانتقادات إسرائيل المتكررة للمنظمة، التي تتهمها بالتحيز لصالح الفلسطينيين، مما يعقد آليات التنفيذ ويثير تساؤلات حول فعالية التنسيق الدولي.
على الصعيد الدولي، تواجه الخطة تحديات جيوسياسية كبيرة بسبب التنافس على النفوذ في الشرق الأوسط، حيث قد تعارض قوى مثل روسيا والصين هذا الإطار الأمريكي الذي يعزز التحالف الإسرائيلي-العربي. تسعى روسيا والصين إلى توسيع حضورهما في المنطقة، سواء من خلال دعم أطراف مثل إيران أو عبر مبادرات دبلوماسية منافسة، مما قد يدفعهما إلى عرقلة الخطة في المحافل الدولية، مثل مجلس الأمن، لتقويض الهيمنة الأمريكية. على سبيل المثال، روسيا، التي عززت علاقاتها مع إيران وسوريا، قد ترى في الخطة محاولة لتعزيز المحور الأمريكي-إسرائيلي، مما يهدد مصالحها الإقليمية. كذلك، الصين، التي تتبنى نهجًا اقتصاديًا عبر مبادرة "الحزام والطريق"، قد تتردد في دعم خطة تهيمن عليها الولايات المتحدة. هذه المعارضة قد تعقد التوافق الدولي اللازم لتوفير التمويل والدعم السياسي، مما يجعل تنفيذ الخطة عرضة للعراقيل الدبلوماسية والجيوسياسية.
نقاط القوة:
تتميز خطة ترامب لوقف الحرب في غزة بتقديم إطار شامل يتناول الجوانب الأمنية، الاقتصادية، والسياسية للصراع، مما يجعلها محاولة طموحة لمعالجة الأزمة بشكل متكامل. على الصعيد الأمني، تسعى الخطة إلى تفكيك البنية العسكرية لحماس، بما في ذلك تدمير الأنفاق وتسليم الأسلحة، مع ضمان وقف إطلاق نار دائم لتثبيت الاستقرار. اقتصاديًا، تركز على إعادة إعمار غزة من خلال إزالة أكثر من 50 مليون طن من الركام وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية، مثل المستشفيات، المدارس، وأنظمة المياه والكهرباء، بهدف تحويل القطاع إلى مركز اقتصادي وسياحي يُشار إليه بـ"ريفييرا الشرق الأوسط". سياسيًا، تقترح إطارًا للحوار نحو إقامة دولة فلسطينية، رغم أن شروطها الغامضة تثير تساؤلات. هذا النهج المتعدد الأوجه يمنح الخطة قوة نظرية، حيث تتجاوز الجهود السابقة التي ركزت على حلول جزئية، مما يجعلها جذابة للأطراف التي تسعى إلى استقرار طويل الأمد.
تحظى الخطة بدعم قوي من إسرائيل وبعض الدول العربية الرئيسية، مثل السعودية، الإمارات، وقطر، مما يمنحها زخمًا أوليًا يعزز فرص تنفيذها في المراحل المبكرة. هذا الدعم يعكس الثقة في قدرة الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، على قيادة مبادرة دبلوماسية كبرى، مستفيدة من نجاحات سابقة مثل اتفاقيات إبراهيم. إضافة إلى ذلك، تُولي الخطة أهمية كبيرة للجانب الإنساني من خلال التركيز على تدفق المساعدات الإنسانية الفورية عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر، وفتح معبر رفح لتسهيل إيصال المساعدات وتلبية الاحتياجات العاجلة لسكان غزة، الذين يعانون من أزمات إنسانية حادة نتيجة الحرب. هذا التركيز يعزز جاذبية الخطة للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، ويوفر أساسًا قويًا لكسب تأييد الأطراف التي تعطي الأولوية لتحسين الأوضاع المعيشية في القطاع، مما يمنح الخطة ميزة إنسانية وسياسية في سياق معقد.
نقاط الضعف:
إحدى نقاط الضعف الرئيسية في خطة ترامب هي استبعاد حركة حماس من المفاوضات الأولية، رغم سيطرتها الفعلية على غزة منذ 2007، مما قد يؤدي إلى رفض الحركة للخطة أو تصعيد المقاومة المسلحة. الخطة تشترط تسليم حماس لأسلحتها وتفكيك بنيتها العسكرية، بما في ذلك شبكة الأنفاق، وهي شروط قد تراها الحركة استسلامًا سياسيًا وعسكريًا، خاصة في ظل تاريخها الطويل من المواجهة مع إسرائيل. هذا الاستبعاد يقلل من فرص قبول الخطة فلسطينيًا، لا سيما أن حماس تتمتع بدعم شعبي كبير في غزة. إضافة إلى ذلك، التحيز المتصور لصالح إسرائيل، الذي يتجلى في تهديد الولايات المتحدة بدعم إسرائيل بشكل كامل إذا رفضت حماس الخطة، يعزز الانطباع بأن الخطة تخدم الأهداف الإسرائيلية أكثر من كونها وساطة محايدة. هذا التحيز يثير شكوكًا لدى الفلسطينيين والمجتمعات العربية، مما قد يؤدي إلى رفض واسع ويحد من إمكانية بناء ثقة لازمة لتنفيذ الخطة.
تعاني الخطة من غموض كبير فيما يتعلق بآليات تمويل إعادة إعمار غزة، التي تتطلب ما بين 50 و80 مليار دولار لإزالة الركام وإعادة بناء البنية التحتية. التجارب السابقة، مثل إعادة إعمار غزة بعد حرب 2014، تُظهر صعوبة جمع التعهدات المالية من الدول المانحة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية وتغير الأولويات السياسية. عدم وضوح مصادر التمويل وآليات التنفيذ يثير تساؤلات حول جدوى تحقيق رؤية تحويل غزة إلى مركز اقتصادي وسياحي. علاوة على ذلك، الاعتماد على شخصيات مثل ترامب وتوني بلير في قيادة "مجلس السلام" يجعل الخطة عرضة للتغيرات السياسية، حيث إن ترامب، بإرثه المثير للجدل، وبلير، المرتبط بغزو العراق، قد لا يحظيا بالثقة الكافية لدى الفلسطينيين أو المجتمعات العربية. هذا الاعتماد يجعل استدامة الخطة مرهونة بالديناميكيات السياسية في الولايات المتحدة، خاصة مع احتمال تغيير الإدارة بعد 2028، مما قد يؤدي إلى توقف الدعم السياسي والمالي اللازم لتنفيذ الخطة.
التداعيات المحتملة
في حال نجاح خطة ترامب، قد تشهد غزة استقرارًا مؤقتًا وتحسنًا اقتصاديًا من خلال تدفق المساعدات الإنسانية، فتح معبر رفح، والبدء في إعادة الإعمار، التي تشمل إزالة أكثر من 50 مليون طن من الركام وإعادة بناء البنية التحتية مثل المستشفيات وأنظمة المياه والكهرباء. هذا التحسن قد يخفف من معاناة سكان غزة، الذين يعانون من أزمات إنسانية حادة نتيجة الحرب. ومع ذلك، فإن استبعاد الفصائل الفلسطينية الرئيسية، مثل حماس والسلطة الفلسطينية، من إدارة المرحلة الانتقالية قد يؤدي إلى فراغ سياسي يغذي التوترات الداخلية، خاصة إذا رفضت حماس شروط الخطة مثل تسليم أسلحتها. في حال فشل الخطة، قد تتصاعد الحرب بشكل كبير، حيث يمنح الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل، كما ورد في الخطة، الضوء الأخضر لعمليات عسكرية مكثفة، مما قد يؤدي إلى دمار إضافي وخسائر بشرية هائلة في غزة، مفاقمًا الأزمة الإنسانية ومعززًا مقاومة الفصائل المسلحة.
بالنسبة لإسرائيل، تدعم الخطة أهداف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في إضعاف حماس عسكريًا وسياسيًا، خاصة من خلال شروط مثل تفكيك البنية العسكرية للحركة وإطلاق سراح الرهائن. ومع ذلك، فإن الخطة تواجه تحديات داخلية كبيرة بسبب معارضة اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم، بقيادة شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يرفضون السحب التدريجي من غزة أو وقف توسيع المستوطنات. هذه الانقسامات قد تهدد استقرار الحكومة الإسرائيلية وتعرقل تنفيذ الخطة. على المستوى الإقليمي، نجاح الخطة قد يعزز التحالفات العربية-الإسرائيلية، خاصة مع دول مثل السعودية والإمارات، مما يعزز محورًا مناهضًا لإيران. لكن هذا التقارب قد يزيد من التوتر مع إيران وحلفائها، مثل حزب الله والفصائل المسلحة في العراق وسوريا. في حال فشل الخطة، قد يؤدي ذلك إلى تصعيد إقليمي، حيث قد يتدخل حزب الله أو فصائل أخرى مدعومة من إيران لدعم حماس، مما يوسع نطاق الصراع إلى جبهات متعددة ويعرض المنطقة لمخاطر أمنية كبيرة.
نجاح الخطة سيمنح الرئيس دونالد ترامب إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا، معززًا صورته كوسيط فعال في الشرق الأوسط، على غرار نجاحه في اتفاقيات إبراهيم. هذا الإنجاز قد يعزز موقفه السياسي داخليًا ويعزز النفوذ الأمريكي في المنطقة، خاصة في مواجهة منافسين مثل روسيا والصين. ومع ذلك، قد يؤدي التركيز على هذه الخطة إلى استقطاب داخلي متزايد في الولايات المتحدة، حيث قد ينتقد الديمقراطيون ومنظمات حقوقية التحيز المتصور لصالح إسرائيل، معتبرين أن الخطة تهمل الحقوق الفلسطينية. كما أن الاعتماد على شخصية ترامب يجعل الخطة عرضة للتغيرات السياسية، حيث قد يؤدي تغيير الإدارة الأمريكية بعد 2028 إلى تراجع الدعم السياسي والمالي للخطة. إذا فشلت الخطة، قد يؤدي ذلك إلى انتقادات دولية للولايات المتحدة، متهمة إياها بفشل الوساطة أو تفاقم الصراع، مما يضعف مصداقيتها كقوة دبلوماسية في المنطقة.
الخلاصة
خطة ترامب لوقف الحرب في غزة تقدم رؤية طموحة، لكنها تواجه تحديات هيكلية وجيوسياسية. نجاحها يعتمد على قبول حماس، التزام إسرائيل، ودعم عربي ودولي مستدام. نقديًا، الخطة تعاني من تحيز واضح لصالح إسرائيل، غموض في التنفيذ، ومخاطر التدخل الدولي في شؤون غزة. جيوسياسيًا، قد تكون الخطة محاولة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم مصالح أمريكية وإسرائيلية، لكنها قد تؤدي إلى استقطاب إضافي إذا لم تُعالج التوازنات الإقليمية بعناية. الخطوة القادمة تتطلب حوارًا شاملًا يضم كل الأطراف، بما في ذلك الفلسطينيين، لضمان استدامة أي اتفاق.