
في تطور مثير للقلق ويزيد من حدة التوترات الإقليمية، تداول خبراء ومراقبون تحذيرات غير مسبوقة بشأن وصول منسوب المياه في سد النهضة الإثيوبي إلى مستويات خطيرة، وهو ما أدى إلى ضخ كميات هائلة من المياه تجاوزت الطاقة الاستيعابية لبعض السدود السودانية، ما يضعها تحت ضغط غير محتمل ويهدد مناطق واسعة بالغرق، وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار عمليات الملء والتشغيل من جانب إثيوبيا، وفي غياب اتفاق ملزم بين الدول الثلاث (إثيوبيا والسودان ومصر) ينظم عمليتي الملء والتشغيل على المدى الطويل، وهو ما جعل دولتي المصب، خاصة السودان، في موقف حرج أمام تدفقات مائية غير منسقة.
ويمثل ذلك تهديد مباشر بشكل كبير حول السدود القريبة من الحدود السودانية الإثيوبية، وفي مقدمتها خزان الروصيرص وسد سنار، ففي حين أن تنظيم تدفقات النيل الأزرق من سد النهضة يمكن أن يكون له فوائد إيجابية للسودان، لا سيما في حجز الطمي وتوليد الكهرباء، فإن الزيادة المفاجئة وغير المنسقة في كميات المياه المفرغة من السد الإثيوبي تشكل قنبلة مائية موقوتة.
التقارير المحلية أفادت بأن التدفقات الأخيرة من سد النهضة، خاصة في مواسم الفيضان، فاقت قدرة السدود السودانية على التخزين أو التصريف الآمن، مما اضطر السلطات السودانية إلى فتح جميع بوابات سدودها لتمرير هذه الكميات الهائلة، وهو إجراء لا يخلو من مخاطر جسيمة على سلامة المنشآت المائية وعلى المناطق السكنية والزراعية المتاخمة للنيل.
استمرار هذا السيناريو
ويحذر خبراء في إدارة الموارد المائية من أن استمرار هذا السيناريو، وعدم التنسيق المحكم، قد يحول ميزة وجود سد النهضة بالنسبة للسودان إلى نقمة، فبدلاً من أن يوفر سد النهضة تدفقاً منتظماً ومتحكماً به، فإن أي "ملء خطير" يؤدي إلى تصريف مفاجئ وغير مدروس للمياه الزائدة يُعرّض البنية التحتية السودانية للخطر، ومن أبرز المخاطر هو خطر انهيار السدود، وخصوصاً أن الضغط الهائل للمياه القادمة يُعرض سدود السودان، خاصة القديمة منها، لخطر التشقق أو الانهيار الجزئي أو الكلي، وكذلك غرق المناطق المجاورة، ففي حال فيضان المياه على ضفتي النيل سيؤدي لغمر القرى والحقول الزراعية، وتشريد مئات الأسر، ومن بين تلك المخاطر التأثير على مشاريع الري، فاضطراب مناسيب المياه يربك خطط الري والسقاية في المشاريع الزراعية الكبرى، مما يهدد الأمن الغذائي.

الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، يقول: إنه رغم التخبط فى تشغيل سد النهضة، سوف يظل السد العالى شامخاً ومنظماً وحافظاً لأمننا المائى، ولولا وجود السد العالى لشهدت مصر كوارث محققة من الجفاف الشديد (1981 - 1987) والفيضانات المدمرة (1998 - 2000)، والسنوات الخمس الأخيرة.
وأوضح شراقي، أن السد العالي حمى مصر من سنوات الملء فى سد النهضة على مدار خمس سنوات، وحاليا يستقبل بأعلى كفاءة فيضانات النيل الأبيض والأزرق التى وصلت 750 مليون م3 لليوم الثالث على التوالى (25-27 سبتمبر) ومن قبلها 450 - 635 مليون م3/ يوم، ويستمر التحذير من الفيضانات فى السودان.
وأكد "شراقي"، أنه علي الرغم من التحذير مرارًا وتكرارًا من ضرورة تفريغ تدريجى لبحيرة سد النهضة قبل موسم الأمطار، ثم إعادة الملء خلال الموسم، إلا أن العناد والكبر وعدم الاعتراف بعدم كفاءة تشغيل التوربينات أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن من تصريف 750 مليون م3 لليوم الثالث على التوالى (25-27 سبتمبر 2025) فى نهاية سبتمبر لأول مرة فى التاريخ مما تسبب فى فيضانات النيل الأزرق وتهديد السكان فى السودان.
وأردف أن نهر النيل واصل ارتفاعه فى الخرطوم يوم 26 سبتمبر 2025 إلى 16.89 متراً بزيادة 10 سم عن اليوم الذي يسبقه، والرقم القياسى المسجل هو 17.66 متراً فى 6 سبتمبر 2020، نتيجة زيادة المنصرف من سد النهضة الذى بلغ أكثر من 750 مليون م3 بزيادة أكثر من 100 مليون م3 عن أمس، وضعف معدل الأمطار الحالى.
وأضاف أن السودان اعتاد على فيضان النيل الأزرق فى يوليو وأغسطس وسبتمبر قبل بناء سد النهضة، وأعتمد كثير من المزارعين على زراعة جروف النيل الأزرق (حواف أو منحدرات جوانب النهر) مع ارتفاع المنسوب والرى الفيضى مع بداية موسم الزراعة، إلا أن التخبط فى التخزين وعدم التنسيق منع وصول المياه إلى هذه الأراضى، وخرجت بعض محطات مياه الشرب عن الخدمة، ورغم ارتفاع منسوب النيل الأزرق الأسبوع الماضى إلا أنه جاء متأخرًا جدًا حوالى شهرين مما أثر سلبًا على الزراعة للعام الثالث على التوالى، دون إنشاء الحكومة السودانية شبكات رى جديدة للتأقلم مع وجود سد النهضة بسبب الحرب الداخلية.
وذكر أن وزارة الزراعة والري السودانية تبذل جهودًا مكثفة لإنقاذ الموسم الزراعي الحالي، وتخفيف أضرار سد النهضة علاوة على التغلب على آثار الحرب المدمرة للبنية التحتية الزراعية من معالجة أكثر من 3000 كسر في قنوات الرى، والتخريب فى بعض البوابات والقناطر والسدود، ونزوح ملايين المزارعين عن أراضيهم.

وقال الدكتور بدر عبد العاطى، وزير الخارجية، خلال جلسة النقاش رفيع المستوى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أمس السبت، أن إثيوبيا اتخذت إجراءات أحادية وأوهمت نفسها بأن مصر ستتنازل عن حقوقها التاريخية في مياه النيل، مؤكداً أن مصر مستعدة للاحتكام إلى القضاء واتباع الآليات القانونية الدولية لحماية حقوقها المائية، ولن تتهاون في الدفاع عنها، مشيرًا إلى أن التعاون وفق القانون الدولي هو السبيل الأوحد لتحقيق المنفعة المشتركة لجميع دول حوض النيل.