في اليوم العالمي للغة الإشارة، تتجه الأنظار نحو ملايين الصم وضعاف السمع حول العالم. ورغم أن هذه المناسبة تمثل اعترافًا عالميًا بحقوقهم، إلا أن السؤال الأهم يبقى: هل يكفي أن نحتفل بيوم عالمي بينما ما زالت الحواجز تعوق دمجهم في المجتمع؟
لغة الإشارة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي هوية، واعتراف المجتمع بها هو اعتراف بإنسانية وحقوق هذه الفئة
أولًا: لغة الإشارة هوية وثقافة
من الخطأ أن ننظر إلى لغة الإشارة كتعويض عن الكلام المسموع. فهي لغة كاملة القواعد، غنية بالتعبيرات، ومرتبطة بثقافة ووجدان مجتمع الصم.
الاعتراف الرسمي بلغة الإشارة في التعليم والإعلام والخدمات العامة يعزز احترام كرامة الأشخاص الصم.
نشر تعلم إشارات بسيطة بين عامة الناس يسهم في بناء جسور التواصل اليومي.
ثانيًا: الدمج في التعليم
التعليم هو حجر الأساس لأي دمج حقيقي، لكنه ما زال يواجه تحديات عديدة:
غياب مترجمي لغة الإشارة في المدارس والجامعات يجعل الطلاب الصم في عزلة معرفية.
المناهج الدراسية غير المكيّفة قد تصعّب وصول المعلومة.
نقص الكوادر المدربة في التربية الخاصة يزيد من فجوة التحصيل.
الحل يبدأ من:
إتاحة مترجمي لغة إشارة في الحصص والمحاضرات.
استخدام الوسائل البصرية والتكنولوجية (الشاشات، الفيديوهات المترجمة، التطبيقات التفاعلية).
تدريب المعلمين على استراتيجيات التواصل مع ذوي الإعاقة السمعية.
ثالثًا: الدمج في سوق العمل
بعد سنوات الدراسة، يواجه الشباب الأصم تحديًا جديدًا وهو سوق العمل:
نسبة توظيف الصم وضعاف السمع ما زالت محدودة جدًا.
بعض المؤسسات تفتقر إلى الوعي بكيفية التواصل معهم أو استثمار قدراتهم.
لكن هناك قصص نجاح ملهمة لشباب أصم أثبتوا كفاءتهم في مجالات متعددة كالبرمجة، التصميم، والرياضة.
ولتحقيق نقلة نوعية، يجب:
وضع سياسات واضحة لتوظيف ذوي الإعاقة السمعية.
عقد تدريبات للشركات على بيئة عمل دامجة.
تشجيع ريادة الأعمال للأشخاص الصم، مع توفير الدعم المادي والفني.
رابعًا: الدمج الإعلامي والثقافي
الإعلام هو مرآة المجتمع، لكنه ما زال بعيدًا عن الصم:
قلة نشرات الأخبار المترجمة بلغة الإشارة.
غياب لغة الإشارة عن معظم البرامج والمسلسلات.
ندرة الفعاليات الثقافية والفنية التي تتيح حضورًا حقيقيًا للصم.
إن إدماج لغة الإشارة يوميًا في الإعلام (وليس فقط في المناسبات) يعزز صورة إيجابية ويمنح الصم حقهم في متابعة ما يحدث حولهم.
خامسًا: مسؤولية المجتمع
الدمج الحقيقي لا يتوقف عند المدرسة أو الإعلام أو سوق العمل، بل يمتد إلى سلوك الأفراد:
تقبل الآخر وفهم أن التواصل مع الأصم ممكن وسهل.
تعليم إشارات بسيطة في المدارس كمهارة حياتية للجميع.
دعم الجمعيات والمبادرات التي تعمل من أجل الصم.
رسالة إنسانية
الاحتفال باليوم العالمي للغة الإشارة ليس مجرد رفع شعارات أو نشر صور رمزية، بل هو التزام أخلاقي واجتماعي.
الاحتفال الحقيقي يحدث عندما يجد الشاب الأصم فرصة عمل عادلة، والطفلة الصماء صفًا دراسيًا يفهم لغتها، والأسرة بيئةً تحتويها، والإعلام نافذةً تنقل لها العالم بلغتها.
توصيات عملية
1. إدراج لغة الإشارة كمادة أساسية في المناهج المدرسية.
2. توفير مترجمين معتمدين في الجامعات والهيئات الحكومية.
3. إطلاق مبادرات توظيف موجهة لذوي الإعاقة السمعية.
4. إلزام وسائل الإعلام بتقديم نشرات وبرامج بلغة الإشارة.
5. نشر ثقافة لغة الإشارة بين عامة الناس كأداة تواصل إنسانية.
وفي الختام أن لغة الإشارة ليست لغة الصم وحدهم، بل هي لغة المجتمع كله حين يقرر أن يكون عادلًا ومنصفًا. في اليوم العالمي للغة الإشارة، لنسعَ جميعًا لجعلها جسرًا للحياة، لا مجرد رمزية ليوم واحد.
رسالتي في هذا اليوم أن ننظر إلى الأطفال والشباب الصم وضعاف السمع بعيون جديدة: لا كأشخاص محدودي الإمكانيات، بل كطاقة كامنة تنتظر أن تجد من يؤمن بها. إنهم قادرون على التعلم، والإبداع، والمنافسة، إذا منحناهم حقهم في لغة تعبر عنهم، وفرصًا عادلة تفتح لهم أبواب المستقبل.
أنا مؤمنة أن لغة الإشارة ليست لغة فئة بعينها، بل هي لغة إنسانية، لغة قلوب قبل أن تكون لغة أيدٍ. وإذا تعلمنا أن نصغي إليها، سندرك أن الصمت أحيانًا أبلغ من كل الأصوات.