عُقد الاجتماع السنوي لمجالس الكنائس الوطنية الأوروبية التابع لمؤتمر الكنائس الأوروبية في مدينة نيبورغ بالدنمارك ، بالتعاون مع المجلس الوطني للكنائس في الدنمارك، وبمشاركة مسؤولي العلاقات المسكونية من الكنائس الأعضاء.
“نحو مواطنة مسيحية في أوروبا”
جاءت أعمال الاجتماع تحت شعار "نحو مواطنة مسيحية في أوروبا"، المستلهم من أولويات الرئاسة الدنماركية للاتحاد الأوروبي بشأن الأمن وبرنامج الحوار الأوروبي. وناقش المشاركون دور الكنائس في صياغة مفهوم المواطنة داخل أوروبا المعاصرة، في ضوء التحديات السياسية والاجتماعية الراهنة.
جذور تاريخية وأهداف معاصرة
تكتسب نيبورغ أهمية خاصة كونها من المدن التاريخية المرتبطة بالإصلاح الديني، وشهدت عام 1959 انطلاقة جهود السلام التي تبناها مؤتمر الكنائس الأوروبية. وقد هدف اللقاء إلى تعزيز التعاون بين الكنائس الأوروبية، وإعطاء زخم جديد لرسالتها، وترسيخ مفهوم المواطنة المسيحية المبني على مبادئ العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.
مسؤولية الكنيسة في زمن التغيير
افتُتح الاجتماع بصلاة وكلمة ترحيب ألقاها القس فرانك-ديتر فيشباغ، الأمين العام لمؤتمر الكنائس الأوروبية، حيث أكد أن تراجع الحضور الديني في المجال العام يستدعي من الكنائس الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الدين والمعتقد، وتطوير لاهوت عام يجعل صوتها مسموعًا ويسهم في دعم المشروع الأوروبي باعتباره مشروع سلام.
بدورها شددت كاترينا بيكريدوا، المسؤولة عن الدراسات واللاهوت بالمؤتمر، على أن المواطنة المسيحية لا تعني الانتماء الوطني فقط، بل التجذر في المسيح وتحمل المسؤولية تجاه الخير العام، داعيةً الكنائس إلى مقاومة تسييس الدين وتفعيل رسالة الإنجيل عبر العمل من أجل العدالة والسلام والكرامة الإنسانية.
قضايا محورية على جدول الأعمال
ناقش المشاركون عدة ملفات أبرزها: الهوية المسيحية والمسؤولية المدنية، العلاقة بين القومية والوحدة الأوروبية، مخاطر توظيف الدين في السياسة، التداعيات الأخلاقية لسباق التسلح والسياسات الدفاعية الجديدة.
رؤية مجلس الكنائس العالمي
شارك في الاجتماع بيتر بروف، مدير لجنة الكنائس للعلاقات الدولية في مجلس الكنائس العالمي، حيث شدد على الدور الحيوي للكنائس الأوروبية في الدفاع عن التعددية المبدئية والتعاون الدولي في ظل أزمات عالمية متشابكة، خاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا.
وأكد بروف على التكامل بين أدوار مؤتمر الكنائس الأوروبية ومجلس الكنائس العالمي، داعيًا الكنائس إلى الحفاظ على مسافة نقدية من التيارات السياسية السائدة، واعتبارها قوة مضادة للثقافة السائدة عندما يتطلب الإيمان والضمير المسيحي ذلك.
كما أشار إلى خطورة الانزلاق بين مفاهيم المواطنة والوطنية والقومية المتطرفة، ما يستدعي تأملاً لاهوتياً عميقاً يحدد حدود المقبول والمرفوض في هذا السياق.
نحو مواطنة مسيحية مسؤولة
خلص اللقاء إلى أن مفهوم "المواطنة المسيحية" يجب أن يقوم على المسؤولية المشتركة والالتزام بالقيم الإنجيلية، بعيدًا عن الانغلاق القومي أو استغلال الدين سياسيًا، مع التركيز على تعزيز التعاون بين الكنائس الأوروبية في مجالات المناصرة والحوار والانعكاس اللاهوتي، خدمةً للسلام والعدالة في القارة والعالم.