حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة غدًا الجمعة بعنوان: «اليقين»، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو التوعية بالأسباب النفسية والفكرية للإلحاد، وكيفية المواجهة والعلاج.
أيها المسلمون، فإنه مما لا شك فيه أن أعظم وأكبر قضية فى الوجود كله هى قضية وجود الله والإيمان به، وإفراده سبحانه وتعالى بالعبودية، بل هى الغاية والهدف الأكبر من وجود الإنسان فى هذه الحياة، قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) سورة الذاريات (56)، بل ما من رسول بعثه الله سبحانه وتعالى من لدن آدم إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إلا وكان العامل المشترك بينهم جميعًا هو الدعوة إلى الإيمان بالله وتوحيده، قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) سورة الأنبياء (25)، ولذلك جاء الإسلام ليؤكد على قيمة ومكانة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وأن المرء بدون إيمان بالله ورسوله، هو إنسان يتخبط فى ظلمات الجهل والضلال، هو إنسان هش ضعيف أشبه ما يكون بعود زرع نبت على سطح الأرض ليس له جذور تمسكه وتقويه، ولذلك تجده مع أضعف ريح تهب عليه، إذا به يذهب معها أدراج الرياح.
أيها المسلمون، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الموقنين والمؤمنين به عن يقين هم الفالحون والفائزون يوم القيامة، قال تعالى ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) سورة البقرة.
ثالثًا: وسائلُ اكتسابِ اليقينِ.
هناك عدةُ وسائلَ لاكتسابِ اليقينِ وتثبيتِه فى قلبِ العبدِ، من هذه الوسائلِ:
تدبرُ آياتِ القرآنِ الكريمِ: قال تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. (الجاثية: 20)، وقال تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. (البقرة: 118)، ووصفَ اللهُ تعالى عبادَه المتقينَ فقال: {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24)، فهذه الآياتُ تدلُّ على أنَّ التدبرَ فى آياتِ اللهِ، يورثُ اليقينَ فى قلبِ المؤمنِ ويزيدُ إيمانَه باللهِ تعالى.
ومنها: التفكرُ فى الآياتِ الكونيةِ: قال اللهُ تعالى عن خليلهِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ: {وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}. (الأنعام: 75). قال البقاعيُّ: »فكأنَّه يقول لعبادِه المتقينَ: تعالوا فانهجوا طريقَ الاعتبارِ ملةَ أبيكم إبراهيمَ، كيف نظرَ عليهِ السلامُ نظرَ السامعِ المتيقظِ». وقال تعالى: {وَفِى الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} (الذاريات: 20). »أى: من الجبالِ والأنهارِ والأشجارِ والبحارِ والإنسانِ والحيوانِ، دلالاتٌ على قدرةِ اللهِ مقتضيةٌ للبعثِ والموجبةِ للتوحيدِ للموقنينَ، أما غيرُ المؤمنينَ فلا يرون شيئًا». (أيسر التفاسير للجزائري).
ومنها: قراءةُ قصصِ الأنبياءِ: لأنَّ قراءةَ قصصِ الأنبياءِ تُثبتُ اليقينَ فى القلوبِ، وتغرسُه فى النفوسِ؛ قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِى هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (هود: 120)، فإذا كانت قصصُ الأنبياءِ فيها تثبيتٌ لقلبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما بالُنا نحن مع ضعفِ إيمانِنا وقلةِ يقينِنا!
ومنها: عدمُ سماعِ المتشككينَ والجلوسِ إليهم: فقد كثُر فى زمانِنا الإلحادُ والتشكيكُ فى وجودِ اللهِ عز وجل، وأصبحَ له دعاةٌ يروجون له، ومواقعُ على الإنترنتِ تدعو إليه، وأصبح هناك منتدياتٌ يجتمع فيها الملحدون؛ لكى يشيعوا باطلَهم، وينشروه فيما بينهم، وهنا لا بدَّ لكلِّ مؤمنٍ يريد الحفاظَ على سلامةِ قلبِه، وطمأنينةِ نفسِه أن يمتنعَ عن السماعِ لهم، والجلوسِ إليهم، أو الدخولِ على مواقعِهم؛ حتى لا تعلَقَ الشبهاتُ بقلبِه، وتتوطنَ الشكوكُ بعقلِه، ويظلَّ يسترسلُ فى مجالستِهم، حتى تتراكمَ عليه هذه الشبهاتُ، وتتكاثرَ فى قلبِه هذه الشكوكُ، ويفقدَ يقينَه، ويضيعَ منه إيمانُه، لذلك حذَّرنا اللهُ عز وجل من مجالسةِ أمثالِ هؤلاء، فقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (النساء: 140).
ومنها: الدعاءُ: أن يرزقَك اللهُ اليقينَ، كما كان يدعو صلى الله عليه وسلم: »اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا الْيَوْمَ مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ رَحْمَتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ عَلَيْنَا بِهِ مَصَائِبَ الدُّنْيَا». (الترمذى بسند حسن).
ومنها: الصبرُ والثباتُ عندَ المصائبِ والابتلاءاتِ: فالإنسانُ تواجهُه مصائبُ وابتلاءاتٌ فى حياتِه، ولابدَّ أن يكونَ عندَه يقينٌ فيصبرَ عندَ الضرَّاءِ، ويشكرَ عندَ الرخاءِ، وهذا من صفاتِ المؤمنِ صاحبِ اليقينِ الصادقِ.
وهكذا يجبُ أن يتحلَّى العبدُ باليقينِ والإيمانِ والصبرِ والثباتِ، حتى لا يقعَ فى براثنِ الشركِ والمعاصى والإلحادِ.