لم يكن مبلغ 120 جنيهًا كافيًا لإشعال خلاف زوجى فقط، بل تحوّل إلى شرارة أنهت حياة زوجة على يد زوجها نقاش بالعمرانية، بعد أن انهال عليها ضربًا بعصا مكنسة وخرطوم مياه حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، ساعات قليلة فصلت الجريمة عن صدور حكم المؤبد بحق الزوج، لكنها أعادت إلى الواجهة مأساة متكررة: نساء يُقتلن داخل بيوتهن، على أيدى من يُفترض أنهم مصدر الأمان.
أرقام صادمة
الأرقام الرسمية تكشف عمق الأزمة، وفق الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، هناك ما يقارب 8 ملايين امرأة وفتاة يتعرضن سنويًا لأشكال مختلفة من العنف فى مصر.
ومسح صحة الأسرة لعام 2021 أوضح أن ثلث النساء تقريبًا تعرضن لعنف بدنى أو نفسى أو جنسى من أزواجهن.
أما تقرير «إدراك للتنمية والمساواة» لعام 2024 فوثّق 1195 جريمة عنف ضد النساء والفتيات فى عام واحد، بينها 363 جريمة قتل و540 حادثة عنف أسرى.
إنصاف المرأة

أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن الإسلام كان أول من منح المرأة حقوقها كاملة، وحررها من الأغلال والقيود التى فُرضت عليها فى عصور الجاهلية، مشددًا على أن الشريعة الإسلامية كرمت المرأة أماً وأختاً وزوجة، وجعلتها شريكة للرجل فى الحقوق والواجبات.
وقال فضيلته إن أى عنف يُمارس ضد المرأة أو إهانة تتعرض لها هو دليل على فهم ناقص وجهل فاضح وقلة مروءة، مؤكدًا أن هذا السلوك حرام شرعًا. وأعرب شيخ الأزهر عن أمنيته أن يعيش ليرى تشريعات واضحة وصارمة فى العالم العربى والإسلامى تجرّم ضرب النساء، لافتًا إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر بضرب زوجاته ولم يشجع عليه، بل ولم يفعله قط طوال حياته.
وأضاف الإمام الأكبر أن الإسلام أول من نادى بضرورة سن قوانين تُجرّم زواج القاصرات، مؤكدًا أن هذه الظاهرة تمثل خطرًا جسيمًا على الفتيات والمجتمع.
كما شدّد على أن الطلاق التعسفى دون مبرر شرعى أو أخلاقى يعد جريمة محرمة، وسلوكًا سيحاسَب عليه مرتكبه يوم القيامة باعتباره اعتداءً على الحقوق ومساسًا بالكرامة الإنسانية للمرأة.
جرس إنذار

ومع تفاقم المشكلة، أكد الدكتور نظير فريد عياد، مفتى الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، أن الحديث عن العنف الأسرى لم يعد مجرد نقاش فكرى أو تنظير أكاديمى، بل أصبح ناقوس خطر يهدد استقرار المجتمع فى ظل التحولات الاجتماعية والتحديات التربوية المعاصرة.
وشدّد على أن العنف لا يمت إلى جوهر الدين بصلة، وأن الإسلام أراد للأسرة أن تقوم على المودة والرحمة لا على القسوة والإهانة.
وأشار فضيلته إلى أن مفهوم العنف الأسرى يتناقض مع مقاصد الشريعة التى جاءت لصلاح الناس فى دنياهم وأخراهم، موضحًا أن التأويل الخاطئ للنصوص الشرعية يُسهم فى تكريس أنماط سلبية من التعامل داخل الأسرة.
كما دعا إلى ضرورة تكامل الجهود بين العلماء ورجال الدين من جهة، والمتخصصين فى علم النفس والاجتماع والقانون من جهة أخرى، لتشخيص جذور الظاهرة ووضع حلول علمية وواقعية لها.
وأضاف أن حماية الأسرة مسؤولية جماعية، وأن التصدى للعنف ضد المرأة واجب دينى ومجتمعى يضمن بقاء الأسرة المصرية قوية، قادرة على مواجهة تحديات العصر بثبات ووحدة.
حصن الأسرة

كما قال الدكتور أحمد نبوى، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، أن وجود خلافات داخل الأسرة أمر طبيعى، لكن الرحمة تبقى الضامن الحقيقى لاستقرار البيت، قائلًا: «الحب قد يضعف أحيانًا، لكن المودة والرحمة لا تنهاران، فإذا وُجدت الرحمة لا يمكن أن يظلم الزوج زوجته أو يهينها».
وشدد على أن العنف الأسرى لا يقتصر على الضرب الجسدى، بل يشمل أيضًا السبّ والإهانة والتقليل من شأن الزوجة أو الأبناء، وهذه السلوكيات تترك جروحًا نفسية عميقة قد تمتد آثارها لأجيال.
ونوه إلى أن وحدة «لمّ الشمل» التابعة للأزهر تدخلت فى أكثر من 65 ألف نزاع أسرى، مانعة كثيرًا من الانهيارات التى قد تنتهى بعنف أو قتل.
فتاوى حاسمة

ومن جانبه، أكد فضيلة الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية السابق أن الإسلام كرَّم المرأة وصان حقوقها المادية والمعنوية، وأن أى صورة من صور العنف ضدها، جسديًّا كان أو نفسيًّا أو اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا محرّمة ومنافية لروح الشريعة التى قامت على المودة والرحمة.
واستشهد بقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، موضحًا أن السنة النبوية رسَّخت هذا المعنى بوصايا متكررة بحسن معاملة النساء، وأن الضرب والإهانة ليس من أخلاق المؤمنين ولا من هدى النبى صلى الله عليه وسلم الذى قال: «خيرُكم خيرُكم لأهله».
وأضاف فضيلته أن دار الإفتاء واجهت مظاهر العنف ضد المرأة بفتاوى واضحة؛ فحرَّمت ختان الإناث ورفضت زواج القاصرات لما فيهما من أذى جسدى ونفسى، كما أفتت بجواز تولّى المرأة المناصب العامة.
وقف العنف
وقد أكدت وزارة الأوقاف عبر خطب الجمعة الموحدة والندوات الدينية أن العنف ضد المرأة محرم شرعًا ومرفوض عقلًا. وفى خطب مثل «وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ» و*«فَتَرَاحَمُوا»*، شددت على أن معيار خيرية الرجل هو حسن معاملته لأهله، مستشهدة بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله».
كما أوضحت أن القوامة فى الإسلام تكليف بالرعاية والحماية لا تسلط أو قهر، داعية إلى نشر ثقافة الرحمة والاحترام المتبادل داخل الأسرة من خلال الأئمة والواعظات وبرامج التوعية.
حملات توعية
والدولة أطلقت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة، وأنشأت وحدات حماية فى الجامعات، وعيادات «المرأة الآمنة» بالمستشفيات، إلى جانب حملات مثل «العنف يبدأ بفكرة».
بالإضافة إلى حملة الـ16 يوم العالمية، حيث يتعاون المجلس القومى للمرأة مع الأزهر لتنظيم ندوات بالقرى ضمن «حياة كريمة»، لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتقديم السيرة النبوية كقدوة فى حسن معاملة الزوجة، وقد واجهت الحملة علنًا تبريرات العنف وربطته بجهل بالدين لا أكثر.