التثاؤب فعل غريب ومثير في آنٍ واحد؛ يحدث بشكل لا إرادي فيفتح الإنسان فمه، يسحب نفسًا عميقًا، ثم يزفر ببطء، ليترك خلفه تساؤلات لم يزل العلم يحاول فكّ رموزها: هل هو مجرد إشارة إلى النعاس؟ أم أنه عملية أعقد ترتبط بالبقاء والتواصل الاجتماعي؟
ما هو التثاؤب؟
التثاؤب عملية تلقائية تبدأ باستنشاق طويل مع انخفاض الفك، يعقبها زفير أبطأ من المعتاد، وغالبًا ما ترافقها إغماضة للعينين وأحيانًا صوت شهيق مسموع. ورغم بساطته، فهو سلوك مشترك بين البشر ومعظم الكائنات الحية، حتى أن هناك دراسات أشارت إلى أن الأجنة في بطون أمهاتهم يتثاءبون.
التثاؤب عبر الكائنات
لا يقتصر التثاؤب على الإنسان؛ بل يظهر لدى الأطفال والحيوانات ومعظم الفقاريات. ويعتقد بعض الباحثين أن الأسماك أيضًا قد تتثاءب. هذا الانتشار الواسع عبر الكائنات يوحي بأن للتثاؤب دورًا مهمًا في استمرار الحياة والتكيف مع متغيراتها.
الأكسجين والتثاؤب
لطالما ارتبط التثاؤب في الأذهان بالحاجة إلى الأكسجين، لكن الأبحاث أوضحت أن العلاقة بينهما ضعيفة للغاية، إذ لم يثبت أن مستويات الأكسجين في الدم تتغير بشكل جوهري عند حدوث التثاؤب.
عدد مرات التثاؤب
تشير دراسات قديمة إلى أن الإنسان قد يتثاءب حتى 20 مرة في اليوم، في حين أن المتوسط الشائع لا يتجاوز تسع مرات يوميًا، وهو أمر يُعتبر طبيعيًا تمامًا.
لماذا نتثاءب؟
التثاؤب ليس مجرد انعكاس للنعاس أو الملل، بل أقرب إلى إشارة من الدماغ تفيد بالاستعداد لانتقال وشيك في حالة النشاط. يحدث عادة عند الانتقال من الاسترخاء إلى اليقظة أو عند الاستعداد للنوم.
• قبل النوم: يتثاءب الشخص كأن دماغه يعلن انتهاء حالة الخمول واستعداده للراحة.
• عند الاستيقاظ: يحدث التثاؤب ليواكب التحول من السكون إلى النشاط، وكأن الدماغ يحضّر الجسد لبدء اليوم.
التثاؤب المُعدي والتعاطف
المثير أن التثاؤب ظاهرة معدية بامتياز. يكفي أن نشاهد شخصًا يتثاءب حتى نفعل مثله، وهو ما يربطه العلماء بقدرة الإنسان الفطرية على التعاطف.
التعاطف، خاصة بين الأطفال ووالديهم، يعد وسيلة للتعلم ونقل الخبرات. فعندما يتثاءب أحد الوالدين، يتثاءب الطفل بدوره، فيسجل دماغه أن تغييرًا مهمًا على وشك الحدوث، مثل الاستعداد للنوم أو الاستيقاظ. وفي المجتمعات القديمة، ساعد هذا السلوك الجماعي على تعزيز اليقظة والنجاة من الأخطار المحتملة.
التثاؤب كإشارة طبية
رغم طبيعته العادية، قد يظهر التثاؤب أحيانًا كعرض طبي نادر، مثل كونه مؤشرًا على بداية سكتة دماغية، لكن ذلك لا يُعتد به إلا عند ترافقه مع أعراض أخرى كضعف الوجه أو الأطراف، وصعوبة الكلام أو المشي أو الرؤية.
لماذا تدمع العينان عند التثاؤب؟
تشنجات عضلات الوجه أثناء التثاؤب قد تضغط على الغدد الدمعية، مسببة إدماعًا مؤقتًا. كما أن التعب وجفاف العينين قد يجعلان الدموع أكثر شيوعًا مع التثاؤب.
الخلاصة: التثاؤب ليس مجرد حركة جسدية عابرة، بل هو سلوك معقد يجمع بين الإشارات العصبية، والاستعداد للتغيير، والتواصل العاطفي العميق. ومن كونه وسيلة بيولوجية للبقاء، إلى كونه رمزًا للتعاطف بين البشر، يبقى التثاؤب لغزًا يثير فضول العلماء والناس على حد سواء.
