أخبار عاجلة
ندوة طلابية لمكافحة الفساد بجامعة دمياط -

من برلين إلى واشنطن.. السيطرة السلطوية على وسائل الإعلام: ترامب يسير على خطى هتلر

من برلين إلى واشنطن.. السيطرة السلطوية على وسائل الإعلام: ترامب يسير على خطى هتلر
من برلين إلى واشنطن.. السيطرة السلطوية على وسائل الإعلام: ترامب يسير على خطى هتلر

منذ صعوده إلى المشهد السياسي، لم يُخفِ دونالد ترامب عداءه الصريح لوسائل الإعلام الأمريكية، إذ وصفها مرارًا بأنها "عدو الشعب"، محاولًا نزع الشرعية عن أي تغطية ناقدة لسياساته. هذه اللغة، بحسب محللين، تستحضر تجارب تاريخية قاتمة، حين سعت أنظمة سلطوية مثل النازية إلى تحويل الصحافة إلى أداة دعائية مطلقة، تُمجّد الزعيم وتُقصي الأصوات المعارضة، وفقا لموقع "رو ستوري".

وتتجلى خطورة هذه المنهجية التي يتبعها ساكن البيت الأبيض في محاولات ترامب توظيف أجهزة الدولة والقضاء لملاحقة خصومه السياسيين والإعلاميين، في صورة تكشف عن ميل متصاعد إلى السيطرة السلطوية على الفضاء العام. فالصحافة الحرة، التي اعتُبرت لعقود ركيزة أساسية للديمقراطية الأمريكية، باتت في عهده ساحة صراع سياسي مفتوح، حيث يختلط خطاب التشكيك بالتحريض على الكراهية ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية.

ويرى مراقبون أن هذا النهج لا يمثل مجرد تكتيك انتخابي، بل يعكس فلسفة أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل العلاقة بين السلطة والإعلام، فإذا كانت برلين الثلاثينيات قد جسدت نموذجًا لانهيار التعددية الإعلامية تحت وطأة خطاب الزعيم الأوحد، فإن واشنطن اليوم تواجه اختبارًا مشابهًا، مع تصاعد الأصوات التي تحذر من تآكل الضمانات الدستورية لصالح نزعة سلطوية تتغذى على الانقسام الداخلي.

714.jpg

تشويه سمعة الإعلام

تصريحات ترامب المتكررة التي يصف فيها الصحفيين بـ"أعداء الشعب" تعكس بشكل مباشر خطاب جوزيف جوبلز، وزير الدعاية النازي، الذي استخدم عبارات مشابهة لنزع الشرعية عن الصحافة وتبرير فرض السيطرة عليها خلال الرايخ الثالث. 

وأشارت صحيفة الجارديان في مقال بعنوان "لماذا يقمع مجتمعنا الديمقراطي المزعوم حرية التعبير؟" إلى أن جوبلز أدار غرفة الصحافة في الرايخ لضمان نشر القصص المعتمدة من الدولة فقط، مستخدمًا أساليب العنف مثل إطلاق النار وحرق الكتب لقمع الإعلام المستقل، وهو ما يقارنه المقال بأساليب حديثة مثل سيطرة الاحتكارات الإعلامية أو تنظيم المحتوى على منصة إكس بواسطة إيلون ماسك، كذلك، أوضحت منصة "فوروارد" في مقال بعنوان "في هجوم ترامب على الإعلام، ذكريات مقلقة من الرايخ الثالث" أن حظر ترامب لبعض وسائل الإعلام ومطالبته بتغيير أسماء جغرافية (مثل خليج المكسيك) يذكّر بمؤتمرات جوبلز الصحفية اليومية التي كان يُستبعد فيها الصحفيون غير المتوافقين أو يُعاقبون، بل ويُرسلون إلى معسكرات الاعتقال.

تقنية "الكذبة الكبرى"

خلال صعود هتلر، روّج جوبلز لتقنية "الكذبة الكبرى"، وهي تكرار الأكاذيب حتى تُقبل كحقيقة، وهي تقنية قورنت بادعاءات ترامب المستمرة حول تزوير الانتخابات ورفضه للتقارير غير المواتية بوصفها "أخبارًا مزيفة"، واشنطن بوست في مقال بعنوان "بايدن يقارن ترامب بجوبلز، قائلًا إنه يروج لكذبة" نقلت عن الرئيس جو بايدن مقارنته بين أكاذيب ترامب الانتخابية وتكتيكات جوبلز في تحويل الأكاذيب إلى "حقائق" عبر الدعاية. 

كما أشار موقع ذي جلوبالست في مقال بعنوان "ترامب وهتلر: ما مدى دقة المقارنة؟" إلى أن استخدام ترامب لوسائل التواصل الاجتماعي للسيطرة على السرديات يعكس تكتيكات جوبلز في استخدام الراديو والأفلام لنشر الدعاية، حيث استغل كلاهما وسائط عصرهما لتضخيم الأكاذيب وإسكات المعارضة.

335.jpg

اللغة التحريضية وتحميل المسؤولية

كثيرا ما تعقد المقارنات بين إشارات ترامب إلى "الأعداء الداخليين" وموضوعات نقاء الأمة بخطابات التجمعات النازية، حيث لعب جوبلز دورًا رئيسيًا في نشر الدعاية المعادية للسامية وقمع المعارضة، بي بي إس نيوز آور في مقال بتاريخ 28 أكتوبر 2024 بعنوان "كيف يُقارن خطاب ترامب باللغة الفاشية التاريخية" أوضحت أن خطاب ترامب مثل "العدو الداخلي" وموضوعات تلوث الدم تتردد صداها مع لغة التجمعات النازية في ماديسون سكوير جاردن، مع تكتيكات تلقي باللائمة على الصحافة بسبب حينا وبدون أسباب أحيانا. 

وأشارت منصة ذي إنترسبت في مقال بعنوان "وسائل الإعلام السائدة كانت تخشى مقارنة ترامب بهتلر، والآن لم يعد للصحافة عذر" إلى أن إعجاب ترامب المزعوم بـ"الأشياء الجيدة" التي قام بها هتلر (حسب تصريحات جون كيلي) وتهديداته ضد المعارضين تعكس سمات فاشية تشمل محاولات قمع الإعلام.

التدخل في حرية التعبير ومنع السخرية

تجسّد هذا المسار بقرار شبكة ABC تعليق برنامج Jimmy Kimmel Live! بعد تهديدات من مسؤولين مقربين من ترامب، بسبب نكتة اعتُبرت مسيئة. هذه الواقعة ذكّرت بممارسات الأنظمة السلطوية التي لا تتسامح مع السخرية السياسية. مقال نشره موقع رو ستوري بعنوان "الإلهام لهجوم ترامب الأخير يجب أن يثير الرعب" بقلم توم هارتمان، أشار إلى أن رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) بريندان كار هدد بشكل ضمني شركة ديزني/ABC ومجموعتين من الشركات الإعلامية التابعة بتدخلات تنظيمية لمنع اندماجات بمليارات الدولارات إذا لم يتم إيقاف جيمي كيميل عن البث. المقال يقارن ذلك مباشرة بقرار جوبلز في 4 فبراير 1939، قبل أشهر من غزو بولندا، بمنع خمسة ممثلين كوميديين "آريين" من الأداء علنًا بسبب نكاتهم "الوقحة والمتغطرسة" عن النظام النازي، حيث وصف جوبلز جمهورهم بأنه "حثالة المجتمع" التي تثبت كيف يمكن للناس أن يعيشوا بـ"قلة عقل"، ترامب نفسه، بحسب المقال، كان صريحًا في وصف النقد الإعلامي له بأنه "غير قانوني"، مشيرًا إلى أن 97% من الأخبار ضده، وهو ما يعتبره "شخصيًا غير قانوني".

خطر الذكاء الاصطناعي

تشير المؤرخة آن بيرج من جامعة بنسلفانيا إلى أن خطورة اللحظة الراهنة لا تقتصر على محاولات ترامب لتقويض الإعلام التقليدي، بل تمتد إلى عصر "ما بعد الحقيقة"، حيث يجري إعادة تشكيل فضاءات المعلومات عبر المحتوى المولَّد بالذكاء الاصطناعي. وإذا كان الألمان قادرين رغم الحظر النازي على الاستماع إلى "الإذاعات المعادية"، فإن العالم اليوم يعيش على منصات رقمية مثل إكس، مما يجعل الهجوم على الصحافة هجومًا مباشرًا على الحقيقة ذاتها. هذا التوجه يعزز من قدرة الخطاب السلطوي على التلاعب بالرأي العام، حيث يصبح تمييز الحقيقة من الزيف أكثر صعوبة في ظل التدفق الهائل للمعلومات.

343.jpg

تحالف السلطة ورأس المال

يضيف خبراء التاريخ السياسي أن الخطر لا يقتصر على البنية الإعلامية، بل يشمل التداخل بين السلطة ورأس المال، في ألمانيا النازية، لعب كبار الصناعيين دورًا محوريًا في تمويل مشروع هتلر مقابل حماية مصالحهم. واليوم، تتكرر هذه الديناميكية جزئيًا عبر تحالفات ترامب مع شركات إعلامية ومصالح اقتصادية ضخمة، تسهم في تضخيم خطابه وتوسيع نفوذه، هذه التحالفات تعزز من قدرته على السيطرة على السرديات الإعلامية، مما يشبه سيطرة النازيين على وسائل الإعلام عبر دعم مالي وسياسي.

تصاعد العنف السياسي

في سبتمبر 2025، حذّرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية من تصاعد "خطاب الكراهية" ضد ترامب ومؤيديه وضد عناصرها، مؤكدة أن هذا ساهم في زيادة الهجمات بنسبة تفوق 1000% خلال أشهر قليلة.

شملت الاعتداءات دهسًا، ورسائل تهديد، ومحاولات اغتيال، وحتى إطلاق نار مباشر على منشآت اتحادية. هذا التحذير يعكس كيف أن الاستقطاب الإعلامي والسياسي تحول إلى تهديد مباشر للأمن القومي، مما يذكر بالعنف السياسي الذي رافق صعود النازيين في الثلاثينيات.

خطاب ستيفن ميلر وشبح جوبلز

ألقى ستيفن ميلر، أحد أبرز مستشاري ترامب، كلمة خلال تأبين الناشط اليميني تشارلي كيرك، تضمنت تعابير نارية أثارت مقارنات مباشرة بخطابات جوبلز. تحدّث ميلر عن "عاصفة الغضب المقدّس" واعتبر أن كيرك قد أصبح "خالدًا" بموته، وهو خطاب رآه خبراء مستوحى إلى حد التطابق من خطاب جوبلز في برلين عام 1932 حين حشد الجماهير تحت شعار "العاصفة قادمة".

ووصف اقتصاديون ومراقبون خطاب ميلر بأنه "إعادة تدوير" لأسلوب جوبلز الدعائي الذي حوّل المآتم إلى مسيرات تعبئة، معتبرين أن تحويل حدث جنائزي إلى منصة سياسية يشي بذهنية تعبوية شبيهة بتلك التي مهدت لصعود الفاشية في أوروبا.

716.jpg

رموز السلطوية وانتهاك القوانين

في تطور مقلق، أشار مقال "رو ستوري"  بتاريخ 22 سبتمبر 2025 إلى أن ثلاثة مبانٍ فيدرالية كبرى في واشنطن العاصمة أصبحت تحمل لافتات ضخمة تحمل صورة ترامب، في انتهاك للقانون الفيدرالي وفقًا لتقرير أصدره السناتور آدم شيف. النائب الديمقراطي من جورجيا هانك جونسون علّق قائلًا إن هذه اللافتات ذكّرته بلافتات الحزب الشيوعي في الصين، واصفًا إياها بأنها "خطوة نحو السلطوية". هذه الرموز البصرية تعزز من الشبه بين ممارسات ترامب والأنظمة السلطوية التي استخدمت الصور الضخمة للزعيم لتكريس الولاء والهيمنة.

وفي ضوء هذه التطورات، يتساءل المراقبون: هل تسير الولايات المتحدة بالفعل نحو إعادة إنتاج سيناريو سلطوي في قلب الديمقراطية الأكثر عراقة في العالم؟ أم أن مؤسساتها الدستورية وقوة مجتمعها المدني قادرة على التصدي لهذا المسار، قبل أن يتحول "شبح برلين الثلاثينيات" إلى واقع أمريكي في القرن الحادي والعشرين؟
 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق انطلاق القمة الطارئة بالدوحة اليوم.. والقادة العرب يتوافدون للمشاركة
التالى أسما شريف منير: الأمل هو النور اللي بينور العتمة والضي محتاجينه عشان نكمل