للتاريخ

على مدار أكثر من عشرين عامًا ظل يلاحقنى سؤال عصىّ على الإجابة، يطرق أبواب ذهنى بلا كلل.. لماذا لا يُكشف الستار عن المتلاعبين فى البورصة؟.. هؤلاء الذين يعبثون بالسوق ويهزون ثقة المستثمرين، غير عابئين بتداعيات أفعالهم على الاقتصاد، فالمكسب عندهم غاية، سواء جاء عبر الطريق المشروع أو عبر دروب الظلال.
كنت أُمنى النفس بيوم يطوى فيه الزمن صفحاته ليظهر رجل حقيقى يجرؤ على إعلان أسماء أصحاب الضمائر الفاسدة، أولئك الذين يسرقون تحت غطاء زيادة رؤوس الأموال ويخبئونها فى جيوبهم، بينما تُقدَّم لنا مبررات واهية تُشعل بداخلى الألم بدل الإقناع.
لم أستسلم لليأس، بل مضيت أكتب وأكشف، وكان آخر ما خطه قلمى مقال «إيد أمينة» فى فبراير الماضى 2025، بعدما وقفت أمام مشهد لافت.. هيئة سوق المال السعودية تعلن على الملأ عقوبات صارمة ضد متلاعبين بسوق الأسهم، فى ظل قوانين صارمة لا تفرق بين «زيد» و«عبيد».. فالعدالة هناك لا تعرف المحاباة.
منذ أيام فقط، كسر الدكتور محمد فريد رئيس الرقابة المالية، القاعدة وغيّر قوانين اللعبة. سطّر اسمه فى سجل الهيئة بحروف من نور، كأول رئيس يملك شجاعة مواجهة التاريخ، معلنًا قائمة بأسماء المتلاعبين والسارقين لأحلام صغار المستثمرين. خطوة لا تشبه سواها.. ضربة معلم ستظل تُروى فى ذاكرة سوق المال جيلاً بعد جيل.
القائمة الأولى كشفت وجوهًا باهتة لا يعنيها الحلال أو الحرام، بل فقط جشع لا يشبع. متلاعبون استغلوا ثغرات زيادة رأس المال، وحوّلوا السوق إلى مسرح تُصفق فيه لجان إلكترونية مأجورة مقابل حفنة من المال، بينما يضيع تعب المستثمرين الصغار.
هذه البداية فقط.. ورغم وقع الإعلان الأول، فإن العيون تتطلع إلى ما هو قادم. أسماء جديدة يُنتظر كشفها.. خلية أكتوبر، متلاعبون أُلزموا سابقًا بدورات لمجلس الإدارة لجهلهم أبسط قواعده، وآخرون استولوا على الأموال بلا رقيب. القائمة طويلة.. لكنها اليوم لم تعد طىّ الكتمان.
< يا سادة.. ليس عيبًا، بل شرفٌ وواجب، أن نرفع قبعات الامتنان لكل من نذر نفسه لخدمة هذا الوطن، وصون سُمعة اقتصاده، وتعزيز مكانة سوق ماله.