التهجد وقيام الليل اسمان لمعنى واحد وهو: صلاة النافلة في الليل بعد غروب الشمس وقبل طلوع الفجر، ولكن التهجد يكون بعد الاستيقاظ من النوم، وقيام الليل يكون قبل النوم وبعده، فكل تهجد قيام ليل وليس العكس، وليس للقيام والتهجد وتر خاص، بل الوتر بعد العشاء هو نفسه وتر القيام، لكن يسن تأخيره إلى ما بعد القيام إن غلب على ظنه الاستيقاظ للقيام، وإن لم يثق بالاستيقاظ فليوتر قبل أن ينام كما جاء في الحديث الشريف.
وقد نهى الله عن ذلك في الآيات التي قبلها، وحذَّر من ظلم هؤلاء الزوجات، وحث على الإحسان والفضل، فقال: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ وجعل المُتعة للمطلقة قبل الدخول وقبل تسمية المهر حقًا، فقال: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ فهذا السمو والارتفاع والترقي، والبُعد عن الظلم، ومصادرة الحقوق، وتغيير "الكوالين" كما يُقال، فيمنع المرأة حتى من ثيابها، وأغراضها الشخصية، فتأتي لتأخذ ذلك فيمنعها، والمفروض أنها لا تخرج في مدة العدة، لكن الواقع للأسف أنها تخرج بطوعها، أو يُخرجها هو، فإذا جاءت لتأخذ شيئًا من حاجاتها الخاصة، وجدت الأغلاق قد غُيرت في بيتها ودارها، فلم تعد تلك التي تعرفها، فهذا من الظلم.
وبعض النساء تقول: جلست عند أهلي شهورًا طويلة، ليس عندي ملابس، وليس عليّ إلا الثوب الذي أرتديه فقط، وأغلق كل شيء، وأغلق هاتفه، وصادر كل شيء لها، فهذه الطريقة والمعاملة لا تليق، حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [سورة البقرة:238] فهذه الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [سورة العنكبوت:45] فالذي يُقيم الصلاة على الوجه المطلوب، مُتحققة بشروطها وواجباتها وأركانها ومستحباتها صلاته تنهاه عن مثل هذه الأفعال المرذولة، وعن الظلم والعدوان لأقرب الناس إليه.
فوجه الارتباط بين هذه الآية حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [سورة البقرة:238] وآيات الطلاق: ذكر بعض أهل العلم: أن من أقام أمر آخرته أقام الله له دنياه، ومن أصلح صلته بالله، وعلاقته بربه، أصلح الله له دنياه، وكفاه ما أهمه، فالذين يُعانون من مشكلات أسرية، ويُعانون من قضايا مع أولاد يعقونهم، ويُعانون من زوجات ناشزات، وأُسر مُتفككة، فعليهم بالصلاة، أصلح صلتك بالله، يصلح لك صلتك بالناس.
فهذا الذي يظلم أقرب الناس إليه، لا يوثق به، ولا يُطمئن إليه بحال من الأحوال، إذا كان يظلم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالإحسان بعد الوالدين وهي الزوجة، وهي العشير، وأعظم المُعاشرة ما يكون بين الزوجين، ومع ذلك يظلمها، والله لا يوثق بمثل هذا وابتساماته ودُعابته وظرافته بين أصحابه، وكرمه المصنوع إذا كان أقرب الناس إليه يعيشون في حسرات، ويُعانون من ظُلمه وغشمه وإساءته المُتكررة، فهذه الصلاة تنتشله فيرتقي ويترفع من حظوظ النفس، وتبقى روحه معلقة بالله -تبارك وتعالى، فتصدر عنه الأخلاق السامية.