رحل عن عالمنا استاذي الكبير المفكر سليمان شفيق، وما زال عقلي يرفض التصديق كأنني ما زلت أترقب مكالمة منه أو تعليقًا على أحد موضوعاتي.
حضوره كان يسبق اسمه، وصوته الدافئ المرهق كان يحمل في كل مرة رسالة محبة وتشجيع.
برحيله، لم تفقد الصحافة مجرد صحفي بارع أو مفكر صاحب رؤية، بل فقدت قامة صحفية وفكرية كبيرة، ورحلة عطاء دامت أكثر من خمسين عامًا.
عرفت الأستاذ سليمان عن قرب عندما أصبح المشرف العام على قسم البوابة القبطية – صفحة بالناس المسرة ومنذ تلك اللحظة، توطدت علاقتي به أكثر، ورأيت فيه المعلم الحقيقي الذي لا يبخل بخبرة ولا بفكره كان دائمًا يشجعني ويمنحني طاقة للاستمرار، وفي الوقت نفسه كان صارمًا في تقييمه كثيرًا ما كنا نختلف ونتشاكل حول الأفكار، لكنه كان يقول لي: “أنا نزلتلك الشغل ده علشان تعبك واجتهادك فيه”، جملة كانت كفيلة بأن تدفعني لمزيد من الإصرار والاجتهاد.
كان أستاذ سليمان مدرسة قائمة بذاتها لم يكن مجرد رئيس أو مشرف، بل كان أبًا.
كان دائمًا داعمًا للشباب في المجال الصحفي، حريصًا على أن يزرع الثقة بداخلنا، وأن يفتح أمامنا مساحات للإبداع أدهشني في مواقف كثيرة بقدرته على العمل والمتابعة حتى وهو في المستشفى، وكأنه أراد أن يثبت أن الحياة بلا عطاء تفقد معناها.
ما ميّزه بحق لم يكن قلمه وحده، بل إنسانيته كان يهتم، يطمئن، يسأل، ويشاركنا أفراحنا وأحزاننا لم يكن يتعامل معنا كصحفيين فقط، بل كبشر أولًا.
كان محبًا لوطنه، صادق الانتماء، مؤمنًا بأن المواطنة ليست شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية تبدأ من احترام الإنسان أيًا كان دينه أو خلفيته.
ورغم صراعه الطويل مع المرض، لم يستسلم يومًا كان يتجاوز الألم بابتسامة وبقلم حاضر وعقل منشغل دائمًا بقضايا الناس كثيرًا ما طلب مني الصلاة قائلاً: “صليلي.. أنا تعبان”، لكنه سرعان ما يعود بعدها ليكتب مقالًا جديدًا أو يتواصل ليطمئن عليا
علّمت بهذا الصمود أن القوة الحقيقية ليست في الجسد، بل في الروح والإرادة.
لقد ترك الأستاذ سليمان إرثًا لا يُختزل في مقالات تُقرأ أو كتب تُقتنى، بل في قيم ومبادئ راسخة كان مدرسة في المهنية والشجاعة والإنسانية، وصوتًا وطنيًا صادقًا لا يعرف المساومة على الحق.
بغيابه، نفتقد مرجعًا فكريًا وقلمًا جريئًا، لكن عزاؤنا أن أثره سيظل حيًا في ذاكرة الصحافة المصرية، وفي قلوب تلاميذه، وفي كل من تعلم على يديه.
وداعًا أستاذي الكبير… شكرًا لأنني حظيت بفرصة التلمذة على يديك.
رحلت جسدًا، لكنك ستبقى حاضرًا بيننا بكلماتك ومواقفك، وستظل بصمتك علامة مضيئة تهدينا الطريق.