كانت الأمور تسير علي طبيعتها بين "جمال" الرجل الذي قارب السبعين من عمره وزوجته داخل منزلهما البسيط بمنطقة إمبابة بمحافظة الجيزة، ولكن الخلافات الزوجية المستمرة عصفت باستقرار الأسرة، الزوجة قررت الانفصال في نهاية المطاف، تركت زوجها المسن ولم ترغب في الرجوع مرة أخري.
ألم الفقد يكتب السطر الأخير في حياة مسن إمبابة
كان المساء هادئ أعلى كوبري الساحل بمنطقة إمبابة، هناك وقف رجل مسن تجاوز السبعين، يحمل فوق كتفيه ثقل العمر ووجع الفقد، عيناه زائغتان، تبحثان في عمق المياه عن خلاص ما، بينما يمسك بيد نجله الذي حاول أن يبعث في والده بعض الأمل.
لكن قلب الأب كان قد اتخذ قراره منذ زمن؛ فمنذ أن تركته زوجته ورفضت العودة إليه، صار قلبه وحيدا كبيت مهجور، تلتهمه العتمة ولا يضيئه أحد، لم يعد يرى في الحياة إلا عشرة هانت علي شريكة حياته وتركته في أرزل العمر.
كان الرجل السبعيني يسير بجوار ابنه، صامتا لا يتكلم، خطواته مثقلة بالخذلان، وصدره يئن بما لم يستطع البوح به، وفجأة، وكأنه وجد الشجاعة في لحظة ضعف، ترك يد ابنه، وألقى نظرة أخيرة نحو السماء، ثم اندفع بجسده إلى الأمام، ليهوي من أعلى الكوبري في مياه النيل غريقا أمام أعين نجله.
مع صراخ الابن الملكوم، هرول الناس ناحية الصرخة، والتف المارة حول السور الحديدي، ينظرون إلى بقعة سوداء تبتلعها مياه النيل، رجال الإنقاذ النهري اندفعوا بقواربهم، بينما الابن واقف مذهول، يمد بصره حيث غاب والده إلي الأبد، وبعد دقائق عصيبة من البحث انتشل رجال الإنقاذ الجسد، ساكنا بلا حراك، وكأن المياه قد احتضنته لتمنحه الراحة التي بحث عنها طويلا،
التحريات أكدت أن العجوز كان يعاني من أزمة نفسية حادة منذ انفصال زوجته عنه ورفضها العودة إليه، ما جعله غارقا في دائرة من الوحدة واليأس، وفي النهاية، لم يجد سوى مياه النيل تمحي تلك الذكريات التي عاشها رفقة زوجته فقرر الخلاص والهروب إلي الموت.
جري نقل جثمان المتوفي إلي ثلاجة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة وتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة وتولت النيابة العامة مباشرة التحقيقات.
