في خبر حزين هز الأوساط الأمنية المصرية، توفي اليوم، اللواء شريف زهير مساعد وزير الداخلية للتدريب، أحد أبرز القيادات الأمنية في وزارة الداخلية، والذي تمت ترقيته مؤخرًا ضمن حركة تنقلات الشرطة 2025 التي اعتمدها اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، في إطار تطوير منظومة الأداء الشرطي بما يواكب متطلبات الجمهورية الجديدة والتحديات الأمنية المتسارعة.
اللواء شريف زهير كان أكثر من مجرد قيادي بارز، فقد كان مدرسة أمنية متكاملة جمعت بين الخبرة الميدانية والكفاءة التدريبية والقدوة الإنسانية. منذ التحاقه بـ كلية الشرطة عام 1989، شق طريقه بخطوات ثابتة، متدرجًا في المناصب حتى وصل إلى منصب مساعد الوزير للتدريب.
عمل في بداية مشواره كمدرس لطلبة كلية الشرطة، وترك بصمة كبيرة في أجيال من الضباط الذين تتلمذوا على يديه.
وبعد سنوات من العطاء، عاد مجددًا إلى كلية الشرطة ليستكمل رسالته في إعداد الأجيال الجديدة، إلى أن تم تعيينه مساعدًا للوزير لقطاع التدريب.
وفي هذا الموقع القيادي، أسس زهير منظومة تدريبية حديثة، وابتكر مناهج تُدرَّس داخل مصر وخارجها، كما كان بطلًا دوليًا في رياضة الرماية، حصل على العديد من الجوائز وكرمه الرئيس عبد الفتاح السيسي في عيد الشرطة، بمنحه نوط الامتياز من الدرجة الأولى تقديرًا لإسهاماته الكبيرة.
مسيرة استثنائية وتأسيس قوات "بلاك كوبرا"
لم تقتصر إسهامات اللواء شريف زهير على المناهج النظرية، بل ارتبط اسمه بتأسيس قوات وزارة الداخلية الخاصة "بلاك كوبرا"، التي شكلت نقلة نوعية في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
جاء تأسيس هذه الوحدة الخاصة استجابة لتطور التهديدات الأمنية وضرورة وجود قوات عالية الكفاءة، مدربة على أحدث الأساليب القتالية.
عمل زهير على وضع برامج تدريبية متكاملة لبناء "بلاك كوبرا"، تركز على التدخل السريع، مكافحة الإرهاب، تحرير الرهائن، وتأمين المنشآت الحيوية. وقد أصبحت هذه الوحدة إحدى العلامات المضيئة في سجل وزارة الداخلية، بعد أن نفذت عدة عمليات نوعية ناجحة ضد عناصر شديدة الخطورة.
كما لاقت تجربة "بلاك كوبرا" إشادة دولية، حيث اعتمدت بعض الأكاديميات الأمنية في الخارج المناهج التي صممها زهير، لتطوير قواتها الخاصة.
الجوائز والتكريمات.. توثق مسيرة العطاء
حصل اللواء شريف زهير على الميداليات الذهبية والفضية في بطولات الرماية الإقليمية والدولية، ورفع اسم مصر عاليًا في محافل دولية.
وعلى الصعيد الوطني، كان تكريمه من الرئيس السيسي وحصوله على نوط الامتياز من الدرجة الأولى خلال احتفالات عيد الشرطة محطة مضيئة في مسيرته، وصورة خالدة في ذاكرة الشرطة المصرية.
الصور التوثيقية التي جمعته مع طلابه أثناء التدريبات، أو خلال تكريمه في البطولات والمحافل الرسمية، ستظل شاهدة على عطاء رجل لم يتوقف عن خدمة الوطن، سواء في الميدان أو عبر بناء أجيال جديدة من رجال الشرطة.
الجانب الإنساني.. قائد بمعنى الكلمة وأب للجميع
بعيدًا عن المسؤوليات الرسمية، كان اللواء شريف زهير شخصية إنسانية محبوبة.
عرفه طلابه في كلية الشرطة كـ "الأب الروحي للتدريب الشرطي"، حيث كان قريبًا منهم في لحظات التعب والتحدي، شاركهم التدريبات، استمع لهمومهم، واحتفل بإنجازاتهم.
كان بين زملائه رمزًا للتواضع والإنسانية، دائم الابتسامة، مشجعًا لنجاح الآخرين، مؤمنًا أن العمل الجماعي هو مفتاح التفوق.
وعلى المستوى الأسري، كان نموذجًا للزوج والأب المخلص الذي يوازن بين التزاماته الأمنية الثقيلة وحياته الأسرية.
رأي خبراء أمنيين
أجمع خبراء أمنيون أن رحيل اللواء شريف زهير يمثل خسارة كبيرة لمؤسسة الشرطة المصرية، إذ كان أحد العقول المبدعة في مجال التدريب الأمني وصاحب رؤية استراتيجية ساعدت في تطوير القدرات الشرطية.
وأكدوا أن إرثه سيظل باقيًا من خلال المناهج التدريبية التي أسسها، والوحدات الخاصة التي أنشأها، والأجيال التي أعدها لخدمة الوطن.
برحيل اللواء شريف زهير، تفقد وزارة الداخلية أحد أبرز رجالها وأكثرهم تأثيرًا في تطوير قطاع التدريب الأمني، ورغم أن الغياب مؤلم، إلا أن المدرسة التي أسسها ستظل باقية، تحمل بصماته وتفكيره ورؤيته.
لقد كان ضابطًا من طراز خاص، جمع بين القوة والانضباط في الميدان، والرحمة والتواضع في التعامل الإنساني.
إن مسيرة اللواء شريف زهير تقدم للأجيال الجديدة من الضباط رسالة واضحة: أن خدمة الوطن لا تقاس بالسنوات فقط، بل بما يتركه المرء من أثر وبصمة تبقى شاهدة على عظمته، ورغم رحيله، سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الوطن وقلوب رجال الشرطة، كرمز للوفاء والتضحية والعطاء.


