تشهد مصر طفرة سياحية غير مسبوقة، حيث وصل عدد السائحين إلى 8.7 مليون خلال النصف الأول من عام 2025، بزيادة قدرها 24% مقارنة بالعام السابق، وفقاً لتقارير رسمية، وسط جهود حثيثة لتحقيق الهدف الطموح باستقطاب 30 مليون سائح بحلول عام 2028، مدعومة بتوقعات بتحقيق إيرادات سياحية تصل إلى 18.3 مليار دولار هذا العام.
في هذا السياق.. يبرز منتج الشقق الفندقية كأحد الحلول المبتكرة التي تعزز القدرة الاستيعابية للسياح، وتوفر فرصًا استثمارية واعدة لتحويل الثروة العقارية الراكدة إلى أصول منتجة تدعم الاقتصاد الوطني.
وسط هذه الديناميكية، يطالب المهندس هيثم فارس الخبير السياحي والرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة فيستا (VESTA) المتخصصة في إدارة الوحدات الفندقية المملوكة للعملاء، بتسريع إجراءات ترخيص الشقق الفندقية وبيوت العطلات، مستلهماً تجربة إمارة دبي في استخدام المنصات الإلكترونية لإصدار التراخيص بكفاءة عالية.
ويرى فارس أن هذا النهج سيختصر الوقت والإجراءات ويعمل على إخراج القطاع من المنطقة الرمادية التي تمزج بين العمل المرخص وغير المرخص، مما يعزز الرقابة الحكومية، يضمن تجربة سياحية آمنة، ويفتح آفاقاً استثمارية واسعة في القطاع السياحي.
ويؤكد فارس أن تسهيل ترخيص الشقق الفندقية لا يقتصر على تعزيز الأمن السياحي فحسب، بل يمثل فرصة اقتصادية كبرى، فتحويل الوحدات السكنية إلى بيوت عطلات يمكن أن يحقق عوائد مالية كبيرة للملاك، ويسهم في زيادة الطاقة الاستيعابية الفندقية في مصر، التي تعاني من نقص في الغرف الفندقية مقارنة بالطلب المتزايد.
وتشير التقديرات إلى أن مصر تحتاج إلى ما يقرب من 250 ألف غرفة فندقية إضافية لتحقيق هدفها السياحي بحلول 2028.. هنا، يبرز دور الشقق الفندقية كبديل اقتصادي يوفر للسائحين إقامة مريحة بتكلفة أقل من الفنادق التقليدية، مع الحفاظ على مستوى عالٍ من الجودة والخدمات.
ويستشهد فارس بتجربة دبي، التي نجحت في تنظيم هذا القطاع عبر منصات إلكترونية مثل "dubaidet.gov.ae"، حيث يتم تسجيل وتصنيف الوحدات الفندقية بسهولة، مع توفير بيانات شفافة للسائحين حول جودة الخدمات والأسعار، مما يعزز الثقة في السوق.
في هذا الإطار، يشيد فارس بالجهود الحكومية التي تقودها وزارة السياحة والآثار، والتي أثمرت في يوليو 2025 عن اتفاق مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لإعفاء أصحاب الوحدات السكنية من الرسوم عند تحويل مبانيهم إلى وحدات فندقية.. كما تم التوصل إلى اتفاق مماثل مع وزارة التنمية المحلية والمحافظات لتطبيق هذا الإعفاء على مستوى الجمهورية، في خطوة تهدف إلى دمج الوحدات السكنية ضمن الإطار الرسمي للقطاع السياحي.
وكانت الوزارة قد أصدرت في أبريل 2025 القرار الوزاري رقم 209، الذي وضع شروطاً واضحة لترخيص الشقق الفندقية وبيوت الإجازات، أو ما يُعرف بـ"Holiday Home"، و تشمل هذه الشروط توفر غرفة نوم واحدة على الأقل، تأثيثًا كاملًا يشبه غرف الفنادق، ومطبخًا مجهزًا، وأدوات خدمية متكاملة، وقد تم حتى الآن ترخيص 56 وحدة فندقية من خلال 8 شركات متخصصة، مما يعكس البداية الواعدة لهذا النشاط.
ويرى فارس أن هذه الإجراءات تمثل خطوة حاسمة لاستغلال الثروة العقارية المهدرة، خاصة في المناطق السياحية والأثرية مثل القاهرة الكبرى، الساحل الشمالي، جنوب سيناء، والبحر الأحمر.
ويصف الخبير السياحي الشقق الفندقية بأنها أحد المنتجات الحديثة في السوق السياحية المصرية، مدعومة بالتقدم التكنولوجي الذي أتاح للسائحين العثور بسهولة على خيارات إقامة تجمع بين جودة الفنادق وتكلفة أقل.. فقد ساهمت التطبيقات والمنصات الرقمية مثل "Airbnb وBooking.com"، في تسهيل عرض الشقق الفندقية أمام المسافرين في مناطق متعددة، مما أدى إلى رواج كبير لهذا النشاط وزيادة الإقبال عليه.
ويشير كذلك إلى أن هذا الرواج خلق فرصاً استثمارية هائلة، سواء من خلال بناء وحدات جديدة أو تحويل الوحدات السكنية الموجودة إلى وحدات فندقية، مؤكدا أن التكنولوجيا لعبت دوراً محورياً في معالجة التحديات التقليدية لهذا القطاع، مثل إدارة الحجوزات، التغييرات، السداد، وخدمات ما بعد البيع مثل الصيانة وخدمة الضيوف.
ويشدد على أن هذه التطورات جعلت الشقق الفندقية إضافة قوية لقطاع السياحة، حيث تتيح استغلال الأصول العقارية المغلقة في المناطق السياحية، مما يعزز القدرة على تلبية الطلب المتزايد من السائحين الراغبين في الاستمتاع بالمقومات السياحية الفريدة لمصر.
وفيما يتعلق بقضية التسعير، دعا فارس إلى الاعتماد على معايير تكنولوجية عالمية لتحديد الأسعار بشكل موضوعي.. مقترحا تقييم عوامل مثل موقع الشقة الفندقية، أسعار الفنادق المجاورة، حركة الطيران خلال الموسم السياحي، والخدمات المحيطة بالوحدة، للوصول إلى أسعار تنافسية تضمن جاذبية المقصد المصري.
وشدد الخبير السياحي، على أن السوق الحر أصبح الآلية الأكثر فعالية في تحديد الأسعار، حيث تتيح التكنولوجيا للمستهلكين مقارنة الخيارات بسهولة، مما يضع ضغطاً على أصحاب الوحدات لتقديم أسعار ملائمة تحت طائلة الخروج من السوق. ويتوقع فارس وجود حوالي 2000 شقة فندقية في مواقع مميزة بالقاهرة الكبرى بسعر ليلة لا يقل عن 80 دولاراً، بينما قد يصل عدد الشقق ذات الأسعار الأقل إلى 3000، ليبلغ الإجمالي 5000 شقة فندقية. وتتراوح مدد الإيجار من ليلة واحدة إلى شهرين أو أكثر حسب رغبة العميل، مع جهود حكومية لحصر هذا النشاط في مناطق متعددة مثل الساحل الشمالي، جنوب سيناء، والبحر الأحمر.
لكن الخبير السياحي حذر من أن الثروة العقارية المصرية، التي تقدر بحوالي 15 مليون وحدة سكنية في المناطق الراقية والمدن الجديدة مثل الشيخ زايد، السادس من أكتوبر، الجونة، والساحل الشمالي، ليست جميعها صالحة للاستثمار في الشقق الفندقية.. ومع ذلك، يرى فارس أن تيسير إجراءات تحويل الوحدات المناسبة إلى وحدات فندقية سيحقق أهدافاً متعددة، منها زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال 30 مليون سائح، تلبية الطلب العالمي على هذا النوع من الإقامة، وخلق رواج اقتصادي للوحدات السكنية الراكدة.
ويلفت فارس النظر إلى أن تحويل هذه الوحدات لن يفيد السوق السياحي فحسب، بل سيعود بالنفع على ملاك العقارات الذين يعانون من ركود استثماراتهم.. مضيفا أن نجاح هذا القطاع يعتمد على تعزيز الشفافية والرقابة، من خلال تبني نماذج تكنولوجية متقدمة تضمن جودة الخدمات وتساهم في بناء سمعة إيجابية للمقصد السياحي المصري.
ويختتم فارس حديثه بالتأكيد أن الشقق الفندقية تمثل مستقبل السياحة في مصر، خاصة مع الإقبال المتزايد على السفر إلى البلاد بفضل تنوعها الثقافي والتاريخي، وموقعها الاستراتيجي بين ثلاث قارات.. داعيا إلى تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير هذا المنتج السياحي، مع الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة مثل دبي، التي أثبتت أن التنظيم الإلكتروني والشفافية هما مفتاح جذب الاستثمارات وتعزيز الثقة في السوق.
ومع استمرار الحكومة في حصر أعداد الشقق الفندقية وتطوير التشريعات المنظمة، تبدو مصر على أعتاب مرحلة جديدة من النمو السياحي المستدام، يعتمد على استغلال مواردها العقارية بذكاء لتلبية تطلعات السائحين وتحقيق طموحاتها الاقتصادية.
اقرأ أيضاًرئيسة لجنة الدراما لـ«الأسبوع»: مهرجان العلمين تحول لـ منصة حقيقية لدعم السياحة الثقافية والفنية
لدعم السياحة الثقافية.. عبد الحليم يرعى الدورة الثانية من فعاليات «أيام قنا السينمائية»
تطوير منطقة الأهرامات بين مخاوف المرشدين وتكدس السائحين وضغوط المستفيدين
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.