كشفت مصادر رفيعة مطلعة على مجريات النقاش داخل الكرملين لوكالة "رويترز"، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم عرضًا جديدًا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، يشترط فيه تخلي كييف عن كامل إقليم دونباس شرق البلاد، والعدول عن مساعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مع الالتزام بالحياد ومنع أي وجود عسكري غربي على أراضيها.
ووفقًا للمصادر، فإن هذه المقترحات طُرحت خلال قمة مغلقة جمعت بوتين بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ألاسكا، الجمعة الماضية، واستمرت نحو ثلاث ساعات. وبعد اللقاء، قال بوتين إن الاجتماع "يفتح طريقاً للسلام"، دون الخوض في التفاصيل، فيما لم يُدلِ ترامب بأي توضيحات جوهرية.
ويؤكد العرض الروسي الجديد تمسك بوتين بشروطه السابقة، وعلى رأسها رفض انضمام أوكرانيا إلى الناتو، والمطالبة بتعهد ملزم من التحالف بعدم التوسع شرقًا، بالإضافة إلى فرض قيود على الجيش الأوكراني، وعدم السماح بنشر أي قوات غربية ضمن أي قوة محتملة لحفظ السلام.
ورغم أن الرئيس الأمريكي أبدى تحفظه على أي وجود عسكري أمريكي مباشر في أوكرانيا، إلا أنه أبدى استعدادًا لتقديم دعم جوي للخطة الأوروبية التي تنص على نشر قوات في البلاد. وأبلغ البنتاجون الحلفاء الأوروبيين بأن الدور الأمريكي في أي ضمانات أمنية سيبقى محدودًا.
"تنازلات محسوبة"
وبحسب المصادر، فإن الكرملين قدّم ما وصفته بـ"تنازلات نسبية" مقارنة بشروط بوتين السابقة التي كانت تشمل مطالبة كييف بالتخلي عن أربع مناطق كاملة، هي دونيتسك ولوغانسك (ضمن دونباس) وخيرسون وزابوريجيا في الجنوب. أما الآن، فيصر بوتين فقط على انسحاب أوكراني كامل من المناطق المتبقية في دونباس، مقابل تجميد خط المواجهة في زابوريجيا وخيرسون.
وتُقدّر مصادر أمريكية أن موسكو تسيطر على نحو 88% من دونباس و73% من زابوريجيا وخيرسون، في حين أبدى بوتين استعدادًا لتقديم تنازلات جزئية عبر إعادة أجزاء صغيرة من خاركيف وسومي ودنيبروبتروفسك.
وزارة الخارجية الأوكرانية امتنعت عن التعليق على العرض، إلا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جدد رفضه القاطع للتخلي عن أي جزء من الأراضي المعترف بها دوليًا، مؤكدًا أن دونباس تمثل "الخط الدفاعي الأول في مواجهة التوسع الروسي".
زيلينسكي: لا تراجع عن الناتو ولا تنازل عن الأرض
وأشار زيلينسكي في تصريحات إعلامية، الخميس، إلى أن روسيا "تحاول التهرب من إنهاء الحرب"، مضيفًا أن "الانسحاب من الشرق ليس خيارًا، لأن دونباس هي درعنا في وجه العدوان". كما شدد على أن الانضمام للناتو هدف إستراتيجي راسخ في الدستور الأوكراني، ولا يحق لأي طرف خارجي تقرير مصير هذا المسار.
وفي تحليل للمشهد، يرى صامويل شاراب، رئيس قسم سياسات روسيا وأوراسيا في مؤسسة "راند"، أن عرض بوتين قد يكون موجهاً سياسيًا بالدرجة الأولى لترامب، وليس مؤشرًا حقيقيًا على رغبة في التسوية، مشيرًا إلى أن أي تنازل أوكراني بشأن دونباس "مرفوض تمامًا" سواء من الناحية السياسية أو العسكرية.
مطالب روسية تتجاوز حدود السيطرة
من جانبه، صرّح نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، أن روسيا تطالب، ضمن المفاوضات الجارية، بالسيطرة على مناطق لا تزال خارج سيطرتها الفعلية، مؤكدًا أن واشنطن تسعى للوصول إلى اتفاق يُنهي الحرب، ويضمن أمن أوكرانيا على المدى البعيد.
وقال فانس في لقاء مع شبكة "فوكس نيوز": "القضية تتعلق بسؤالين رئيسيين: كيف تضمن أوكرانيا عدم تعرضها لغزو جديد؟ وماذا يريد الروس فعليًا من الأراضي؟ بعض تلك المناطق تحت سيطرتهم، والبعض الآخر لا يزال خارجها".