انهار الوضع في غزة بعد هجمات السابع من أكتوبر، وتحوّلت المدينة إلى مشهدٍ من الجراح المفتوحة، وانهدمت المستشفيات، وهاجرت الكوادر الطبية، وتحولت مرافق الرعاية الصحية إلى أطلال تُفرّخ الموت بدلًا من الشفاء، وقد سجّلت الجهات الطبية هجماتٍ على أكثر من مئة منشأة صحية وعشرات سيارات الإسعاف منذ اندلاع الصراع، رغم حاجة السكان المُلِحّة للدواء والرعاية الطبية.
ضاع التيار الكهربائي غالبًا، وبلغ الانقطاع مستويات غير مسبوقة عن المستشفيات ومراكز المياه، ما أصاب المنظومة الصحية بالشلل، كما عرقل ضخ المياه النقية والتعليم والتدفئة في فصل الشتاء القاسي، فيما ازداد انتشار الأمراض المعدية، وتعززت قلة الإمدادات الطبية خطر تفشّي الالتهابات التنفسية والإسهال والقمل والجدري، وكانت حصيلة الحالات حتى نهاية ديسمبر مروعة، مع عشرات آلاف الإصابات المسجلة يوميًا.
بدأ الشتاء عام 2024 بأسى شديد، ووجّه أصحاب النزوح ندائهم بلهفة، لم يجدوا سوى مخيمات من كرتون وبلاستيك، افتقدت الدفء للتخفيف من البرد والبرك الطينية التي حملت أمراضًا غير معلنة، وسجّل الأطفال وربما الكبار حالات وفاة بسبب البرد، وما لبثت الإصابة بالرئة والتهاب الصدر أن انهكت أجساد الكثيرين وسط الجنح العارية.
استمر تطوّر الأزمة في 2025، واستقبلت المستشفيات حالات جوع حادّ، خصوصًا لدى الأطفال دون سن الخامسة، وتضاعفت معدلات سوء التغذية الحادّة لتبلغ مستويات كارثية، ووصلت وفيات الجوع إلى عشرات الحالات في شهر واحد، بينهم أطفال، ما جعل النظام الصحي يوشك على الانهيار التام، فيما حذّر المسؤولون أن نصف مليون شخص على شفا مجاعة كاملة، مع معاناة مليون ونصف من أزمات غذائية حادة.
وقد سبب الاحتجاج والدعوات الدولية تصاعد الأزمة؛ فقد عرض المندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة صور الصراع الذي أصبح “وجهًا حيًا للجوع”، وأعلن أن طفولة كاملة تُدفن تحت جوع لا رحمة فيه، ودعا العاملون الصحيون إلى فتح ممرات إنسانية فورية، وقالوا إن صمت العالم أصبح شريكًا في الجريمة اليومية بحق المدنيين المكفولين بالحماية الدولية.
وتواصلت الهجمات الجوية، وقُتل أكثر من خمسين ألف فلسطيني، من ضمنهم آلاف من الأطفال والنساء، كما ارتفع عدد الجرحى إلى أكثر من مئة ألف منذ أكتوبر 2023، وأضافت المنظمات الأممية أن عشرات الآلاف من القتلى كانوا من الأطفال، في مشهدٍ اختزله مئات المدارس والملاجئ المتآكلة.
ورفّت صافرات الإنذار، فُقدت المراكز التعليمية، وتوقفت خدمات التعليم، واستُهدف أكثر من نصف المباني المدرسية التي تُستخدم كملاجئ، لتتحول الأقلام إلى ضحايا الجوع والدمار، وارتفع عدد النازحين إلى نحو مليونَي نسمة، أي ما يعادل 90% من سكان القطاع، ومشارب الإنسان صارت مخيماته المتراصة، فاختفَ الأمان ورُسمت خطوط الحاجز بين البقاء والرحيل، بين البرد والدفء، بين الرجاء وغير العزاء.
واستعادت الساحات الصحّية أنفاسها بصعوبة بين الوعود والدعوات، وطلب العاملون في المجال الإنساني أن يُلقى العالم نظرة فاحصة، وأن يُترجَم الصمت إلى خطوات تنقذ ما بقي من حياة، وتحفظ للأطفال شيئًا من الحلم بعد عامين من الخراب والجوع.

"أنا جعان".. صرخة الطفل عبد الله أبو زرقة تفضح صمت العالم
وكأن الجوع لم يجد ما يترجم فداحته إلا بلسان طفلٍ نحيل، خرج صوته واهنًا كخيطٍ من شمسٍ مغربة، ليقول عبارته التي اخترقت القلوب "أنا جعان" ، لم يكن عبد الله أبو زرقة، ابن الخمس سنوات، يدرك أن كلماته ستتجاوز حدود غزة وتستقر في ضمير العالم كصرخة متجددة ضد حصار طويل وأقدار قاسية، فكان صوته أشبه بجرسٍ في صحراء صامتة، وحين خبا جسده الصغير في مدينة أضنة التركية، بعد رحلة علاج لم تكتمل، استيقظ الوجدان العربي والدولي على صورة فلسطين التي لم تعد تحتاج إلى بيانات سياسية بقدر ما تحتاج إلى دمعةٍ صادقة وضميرٍ مستيقظ.
ففي فجر الألم التي لم تشرق شمس انقضائه بعد، اعتلت كلمات طفوليةٍ مرارة الواقع المظلم حين همس عبد الله أبو زرقة، الخامس من عمره، بصوت لا يتجاوز النقاء“أنا جعان”، تلك العبارة التي لم تكن طلب خبزٍ فحسب، بل صرخة الإنسانية التي تصدع جدران القهر، فتخترقها لتدوي في وجدان من يسمع، فتتكاثف كأنينٍ جماعيّ، يُعبر عن آلاف الأطفال الذين انطفأوا قبل أوانهم تحت وطأة الجوع والحصار.
اختلفت ملامح عبد الله حين بدأت الحرب؛ من الطفولة الحرّة إلى جسدٍ وهن، شعرٍ يتساقط، وعضلاتٍ تخذل، وسُجلت قصة تدهوره الصحي بدايةً في بيوت غزة التي لا تعرف الدواء، ولا تملك مستشفياتٍ قادرةً على تصليح ما تحلّله الجوع يومًا بعد يوم، فيما أُرسِل إلى تركيا بعد مناشدات العائلة اليائسة، على أمل أن تمسّه لمسةُ إنسانية تُبقيه على قيد الحياة، لكن القدر لم يُمهله، فبعد خمسة أيام فقط في أرض التداوي، فارق الحياة، ولم يتحمل جسده الهزيل مخلفات الجوع الطويل والنقص الطبي.
ومن خلفه، تقبع شقيقته الرضيعة "حبيبة"، ستة أشهر فقط، تعاني من تضخم في الكبد، تسمم في الدم، وسوء تغذية حادّ؛ والمعركة التي يخوضها جسدها الصغير تكاد تكون أعنف من استحضار الموت ذاته، فيما العائلة تواصل المناشدة "أنقذوها قبل أن يخبرها الجوع بقصة أخيها عبد الله".
وقد أصبح الجدار في غزة شبحٍ ينهش الأرواح، فهناك ما يقارب نصف مليون إنسان على حُدّة المجاعة، بينما الأحوال الغذائية في القطاع دخلت “المنطقة الحمراء”، وعدّاد الجوع يتسارع، سبعون ألف طفل في حالة سوء تغذية حاد، ومليون ونصف في أزمات طارئة، ناهيك عن أن كثيرين بالفعل ماتوا جوعًا، بينهم أكثر من 200 طفل، وآلاف فقدوا أرواحهم قبل أن تبدو على الأرقام.
وتزف المستشفيات الجثث أكثر مما تقدم العلاجات، وتنهار الكوادر الطبية إما بالمرض أو بالهزال، ويتوافد يوميًا عشرات الأطفال تحت تصنيف "سوء تغذية طارئة"، وفي كثير من الحالات، يصلون متأخرين، فاقدين لإحياء أرواحهم، فحالة مثل "روءَا" ذات العامين لا تُخلّد في تقريرٍ فحسب، بل تصبح رمزًا للأمل المنكسر، حين تموت قبل أن يُسعفها أحد، على رغم أن تدهورها بدأ من عامل بسيط، مجاعة لا تُعلن عنها إلا بالدموع.

ومنذ فترة قليلة، وصلت ابنة عشرين عامًا إلى إيطاليا على متن طائرة إغاثة، ورحلت هناك سريعًا، بعد أن نهشها تدهور متراكم بفعل سنوات من نقص الغذاء والرعاية الطبية، وجسدت قصتها وجعًا متكررًا، وكشفت قطرة ماء عكست فوق بحر كامل من الألم.
وتعالت الأصوات الدولية مطالبة بإنهاء الحصار، ودعت إلى فتح المعابر، ورجت إدخال المساعدات، وأصرت على تأمين ثلاث وجبات كحدٍّ أدنى لأطفال غزة، وواصلت إسرائيل في المقابل تبرير إغلاق المعابر بسياسة ضغط، وسوقت روايتها بأن الأزمة "مبالغ فيها" أو "منتجة إعلاميًا"، وعجزت هذه المبررات عن تنظيف أسطح المستشفيات من الغبار، وفشلت في سد بطون الأطفال التي صرخت بهزال، ولم توقف نزيف الأرواح التي غادرت بلا وداع.
وتجاهل الإعلام الإسرائيلي المحلي حقيقة ما جرى، وأغلق الصفحات أمام صرخات الجوع، وترك 79% من الجمهور في عتمة الجهل بما يعيشه القطاع، وغطست الرواية الدولية في أروقة المؤسسات الحقوقية والأممية، وحذرت الأمم المتحدة يوميًا من "سياسة التجويع"، وكشفت تهديد مجاعة متعمدة استهدفت إبقاء الصراع مشتعلًا على حساب الإنسانية.

يزن الكفارنة.. جسدٌ نحيل يرسم وجه المجاعة في غزة
وصل يزن الكفارنة، الطفل الذي يعاني الشلل الدماغي، إلى مستشفى أبو يوسف النجار في رفح هزيلًا، واستسلم لجوع طال جسده النحيل حتى فارق الحياة في الرابع من مارس ٢٠٢٤، فيما ألقت العائلة مسؤولية الحصار المستمر وفقدان مصادر الغذاء المتخصصة على كاهل الواقع اليومي لغزة، وقد صوّر جسده النحيل جدليًا كرمز حيّ للجوع المُسلّط على الأطفال.
وعاشت العائلة نكبة النزوح والتبديل المتواصل من شمال غزة إلى جنوبها، ولمعت عينا يزن يومًا بما فيه من فرح بسيط، يأكل، يلعب، يضحك كما يفعل الأطفال العاديون؛ لكن مع استمرارية الحرب والحصار، تلاشى هذا النعيم، وصارت كلماته تتوقف عند صمت الجوع، ورحل إلى السماء بلا وداع.
وقد ركز الأطباء على أن يزن كان يعتمد على أغذية مهروسة ورغيف يُخلَط بالحليب والفواكه، كي يحتفظ ببقايا الطاقة والحركة، وتوجهوا بصعوبة للحصول على هذه العناصر الأساسية في ظل نقص الغذاء وغلاء الأسعار، فانهارت حالته سريعًا، ووصف المراقبون هذا المشهد بأنه "وجه المجاعة في غزة"، فعندما عرض مندوب فلسطين قصته في الأمم المتحدة، دعا العالم إلى النظر في صورته باعتبارها وفاة طفولة كاملة، لا مجرد خبر.
كما سجّل المسؤولون في مستشفيات رفح وشمالها وفاة عدة أطفال جماعيًا بسبب الجوع أو الجفاف، تحت أنظار مجتمعٍ معطوب، ولا تجد الأسر سوى الحزن في العلاج، ولا تجد المستشفيات سوى الكادر المثقل بنوبات البكاء والصلوات، وأعلنت الأمم المتحدة أن نسبة الأطفال الذين يعانون سوء تغذية حادّة تجاوزت نسبة ١٦% في الشمال، وأن أكثر من ٩٠% من النساء الحوامل والرضّع يفتقرون إلى تغذية متوازنة، وحذّرت المنظمات الأممية من اقتراب حدوث مجاعة فعلية، بينما يستمر الحصار ويعرقل وصول المساعدات.
غطّت صور يزن، وهو يتألم بلا طعام ولا دواء، الإعلام العالمي، وكسر حاجز الصمت أمام مأساة تُكرر نفسها يوميًا في غزة، فيما دعا كثيرون إلى إنهاء الحصار فورًا، وإيصال الغذاء والدواء إلى كل زوايا القطاع، وواصلت المؤسسات الصحية العمل على الحد الأدنى، تُعالج الأطفال بمحلول سكر بديل عن اللبن، وتغطي الجوع بخطة طوارئ لا تفي بالغرض، واشتكى الأطباء من بطء الاستجابة الدولية، بينما توقف الدعم عن بعض المناطق المحاصرة، وتزايدت التحذيرات من أن آلاف الأطفال معرضون لمصير يزن، إذ يمكن أن ينهار جسم أغلبهم في ظل استمرار شح الغذاء والدواء، وتدمير البنى التحتية، ومن ضمن ذلك المستشفيات والمخابز والمراكز الغذائية.
وربط الخبراء بين حالة يزن وشوارع أخرى في غزة خُتمت برحيل أطفال آخرين – ستة في مستشفى كمال عدوان فقط – حيث تراكض الزمن بلا رحمة، وبدأ الجوع يظهر كأثر لأفعال سياسية تهدف إلى إرهاق المدنيين وإذلالهم، ووجّهت منظمات دولية مثل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية نداءات عاجلة للحيلولة دون وقوع المزيد من الوفيات جوعًا، محذرة من أن العديد من الأطفال باتوا "على حافة الرصيف"، وأن تدخلًا سريعًا يُمكن أن يُنقذ حياة آلاف من الأبرياء.
ووُصفت وفاة يزن بأنها "صفعة على جدار الصمت الدولي"، وآخر فرصة لإنهاء السياسة التي تجعل الجوع سلاحًا في الحروب، وتبقى القصص التي أرّقتها أصغر الابتسامات على الأشلاء، تنتظر أن يحفظها التاريخ وألا تُمحى مع الذكريات.

محمد ياسين.. طفلٌ آخر يذبل جوعًا في غزة تحت حصار الموت
تُطل قصة الطفل الفلسطيني "محمد مصطفى ياسين" كقصة تعصى على النسيان، طفلٌ لم يتجاوز الرابعة من عمره، سجل صرخة جديدة من غزة دوت في وجه الصمت، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في مايو 2025 بعد ثمانين يومًا من حصار شاملٍ، وغادر الحياة وهو بين ذراعي رجال الدفاع المدني الذين أعلنوا بصوتٍ مبحوح، إن الجوع لم يعد نتيجة عابرة، بل صار سياسة ممنهجة تُمارَس بوعيٍ وقسوة، فيما تحول جسده الصغير إلى شاهد حيٍّ على ما يعنيه الحصار حين يستحيل الغذاء إلى سلاح، وحين تُختطف الطفولة من أحضان الأمان إلى قسوة التجويع.
يُسجّل أطباء مستشفى الشفاء في هذه الأيام المأساوية وفاة واحدٍ وعشرين طفلًا خلال فترة وجيزة، ويُعلنون أن كل حالة ليست سوى مرآة لآلاف أخرى تعيش على حافة الموت، ويكتب الأطباء تقاريرهم بوجعٍ، ويُقرّون أن الأطفال يسقطون واحدًا تلو الآخر بسبب سوء التغذية، وأن آلاف العائلات تعيش يومياتٍ ثقيلة، لا تعرف منها سوى البحث عن لقمة غير موجودة، وينهار المشهد الإنساني تحت ضغط حصار لا يترك مساحةً للنجاة، وتتصاعد الأسئلة إلى متى يُترك الجوع ليكون القاضي والجلاد في وقتٍ واحد؟
كما أعلنت اليونيسف في يوليو 2025 أن ثمانين طفلًا فارقوا الحياة جوعًا خلال شهور قليلة، ويتُوزَّع الرقم بين حالات مُسجّلة رسميًا وأخرى ضاعت بين ركام المستشفيات المدمّرة وفوضى الملاجئ المؤقتة، ويتحول هذا الرقم إلى صفعة قاسية تُذكّر العالم بأن الجوع ليس استثناءً، بل حقيقة يومية تضرب غزة بقبضةٍ من حديد، ويُضاف هؤلاء الأطفال إلى سجلٍ يزداد سوادًا، حيث لا يُسجّل الزمن إلا موتًا صامتًا يتكرر دون أن يجد من يوقفه.
فيما يُؤكد تقرير مشترك بين اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي في مايو 2025 أن 470 ألف إنسان يعيشون حالات جوع كارثية في غزة، بينهم 71 ألف طفل و17 ألف أم بحاجة عاجلة إلى علاج تغذوي، وتُظهر الأرقام أن الأزمة ليست محصورة في حالات فردية، بل تتجسد في مجتمعٍ بأكمله يُدفَع إلى حافة المجاعة، فهناك أطفال يفقدون القدرة على النمو، وأمهات ينهكن تحت وطأة الحرمان، وأُسر تُكابد كل يوم بحثًا عما يُبقي أبناءها أحياءً.
ويواصل الحصار في إحكام قبضته، ويُغلق المعابر في وجه المساعدات، ويحوّل الغذاء والدواء إلى أوراق مساومة سياسية، فيما تترنح المستشفيات المهدمة تحت ضغط النقص الحاد في الأدوية والأجهزة الطبية، ويقف الأطباء عاجزين أمام طوابير المرضى الذين يتساقطون من الضعف، ويُختزل المشهد الإنساني في معادلة قاسية، أرواحٌ صغيرة تُفقد كل يوم، مقابل عالمٍ يكتفي بالبيانات والنداءات التي لا تُطعم جائعًا ولا تُنقذ مريضًا.
ويتجاهل الإعلام الإسرائيلي الرسمي تلك الحقائق، ويُغلق صفحات روايته أمام صرخات الجوع، ويترك غالبية جمهوره في ظلام الجهل، وتتسع الفجوة بين ما يحدث على الأرض وما يُنقل للعالم، وتغرق الحقائق في دهاليز المؤسسات الدولية، وتتوالى تحذيرات الأمم المتحدة من "سياسة التجويع"، وتُرفع الأصوات مطالبة بفتح المعابر وتأمين ثلاث وجبات يومية على الأقل للأطفال، لكن هذه الأصوات تضيع بين صخب المصالح السياسية وتوازنات القوى.
وهكذا يتحوّل موت محمد ياسين وغيره من الأطفال إلى مرآة تعكس حجم الانهيار الإنساني الذي يُعانيه القطاع، ويُجسّد كل رحيلٍ صغير غياب العدالة الدولية، ويُعلن أن الصمت بات شريكًا في الجريمة، ويتكشّف أن ثمن الانتظار أكبر من أي حسابات سياسية، وأن أرواح الأطفال لا تحتمل تأجيلًا ولا مواعيد مؤجلة لحلولٍ مؤقتة.
وهنا يُختم المشهد برؤية معلّقة على أملٍ ما زال يتنفس من تحت الركام، تُتَرجم صرخة محمد وأقرانه إلى دعوة مفتوحة، افتحوا المعابر، وأدخلوا الغذاء، وأعيدوا بناء المستشفيات، وأنقذوا الأطفال قبل أن يُصبح الجوع قانونًا أبديًا في غزة، وتتساءل العيون التي تدمع على كل جسدٍ صغير، هل يسمع العالم هذه المرة؟ أم يترك الطفولة تسقط مرة أخرى في هاوية النسيان؟
