السيرة الهلالية تعد واحدة من أعظم وأشهر السير الشعبية في التراث العربي، وتمثل نموذجًا فريدًا من الأدب الشعبي الشفهي الذي احتفظ بمكانته لقرون طويلة في الوجدان الجمعي العربي، وخاصة في مصر والسودان وتونس وليبيا توثق السيرة مسيرة قبيلة بني هلال من شبه الجزيرة العربية إلى شمال أفريقيا، في ملحمة بطولية تختلط فيها الأسطورة بالتاريخ.
النشأة والتكوين
تعود جذور السيرة الهلالية إلى القرن العاشر الميلادي، وتتناقلها الأجيال عبر الرواة الشعبيين المعروفين بـ"الراوي" أو "الشاعر الشعبي"، خاصة في صعيد مصر وقد تطورت السيرة عبر الزمن، إذ أضاف إليها الرواة تفاصيل من بيئاتهم ومعتقداتهم، مما جعلها غنية ومتعددة النسخ، لكنها تشترك في الخطوط العامة للقصة.
موضوع السيرة
تتناول السيرة الهلالية قصة قبيلة بني هلال وهجرتها من نجد في الجزيرة العربية إلى تونس مرورًا بمصر، بقيادة أبو زيد الهلالي، الشخصية المحورية في السيرة وتتناول تفاصيل عن ميلاده، ونشأته، ومعاركه، ودهائه، إضافة إلى شخصيات أخرى مثل: دياب بن غانم، ويحيى، والسلطان حسن، وسعدة، والجازية الهلالية، التي تُعد من أبرز الشخصيات النسائية في الأدب الشعبي العربي.
السمات الأدبية والفنية
اللغة: كتبت السيرة بالعامية العربية، وتغنى أو تلقى بأسلوب إنشادي يعتمد على الإيقاع والوزن.
الشكل: سيرة طويلة تمتد لعشرات الساعات من السرد المتواصل، تجمع بين الشعر والمناجاة والمرويات النثرية.
الموضوعات: الفروسية، الكرم، الشجاعة، الصراعات القبلية، الحكمة، المكانة الاجتماعية، وقيم الانتصار على الظلم.
السيرة الهلالية في مصر
في مصر، لا تزال السيرة تروى في صعيد البلاد خاصة في محافظات قنا وسوهاج وأسيوط، ويتم توارثها داخل عائلات معينة من الرواة الشعبيين، ويُعَد الشاعر الراحل جمال الغيطاني من أبرز من كتبوا عنها، كما قام الشاعرعبد الرحمن الأبنودي بجمع وتوثيق أجزاء كبيرة منها في مشروعه الضخم لحفظ التراث الشفهي المصري.
الاعتراف الدولي
في عام 2008، تم إدراج السيرة الهلالية ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية من قبل منظمة اليونسكو، نظرًا لقيمتها التاريخية والثقافية والأدبية.
أهمية السيرة الهلالية
توثق جوانب مهمة من التاريخ العربي غير المدون رسميًا.
تُعد مصدرًا لفهم البنية القبلية والثقافة الشعبية العربية.
تعكس دور المرأة في الحكاية الشعبية (مثل شخصية الجازية الهلالية).
تساهم في حفظ اللغة والتعبير الشعبي من الاندثار.
تمثل نموذجًا للهوية الثقافية المتوارثة.
السيرة الهلالية ليست مجرد قصة، بل هي مرآة لحضارة شعب، وتجسيد لفن الحكي الشفهي الذي صمد في وجه النسيان وبينما تتراجع فنون الرواية الشعبية في العالم الحديث، تظل السيرة الهلالية شاهدة على عبقرية الإنسان العربي في صوغ تاريخه في قالب ملحمي إنساني خالد.