في ظل المحادثات التي جرت في القاهرة، رجح موقع "ميديا لاين" الإخباري الأمريكي أن حركة حماس وجدت نفسها في موقف حرج، بعد أن أبلغتها مصر بشكل مباشر أن مطلبها بصفقة شاملة لـ "إنهاء الحرب" أمر مستحيل في ظل الشروط الإسرائيلية.
ووسط توافق بين واشنطن والدوحة على ترتيبات جزئية، أوضحت القاهرة أنه لن يكون هناك غطاء خارجي لحماس يمكنها من الصمود.
وللتأكيد على هذا الموقف، استضافت القاهرة الفصائل الفلسطينية في اجتماع أظهر جبهة موحدة في مواجهة حماس.
ورجح المراقبون أن على حماس الآن قبول الصفقة "حتى دون قراءتها" لأن سكان غزة بحاجة إلى إنهاء الحرب، وأعلن ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات أن الفصائل وافقت على النص "دون اعتراضات"، مما يشير إلى أن مصر تعتبر الموضوع منتهيًا كما شدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على ضرورة الإسراع في توقيع اتفاق، مؤكدًا أن الوفدين القطري والفلسطيني "يعملان على الأراضي المصرية" لممارسة أقصى درجات الضغط من أجل تحقيق انفراجة حقيقية.
ومن جانبه، رحب الرئيس عبد الفتاح السيسي علنًا بالاتفاق في صيغته الراهنة، ودعا إلى تسريع إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، مجددًا رفض مصر للاحتلال الإسرائيلي وإجلاء الفلسطينيين جماعيًا وقسريًا.
قلق القاهرة من التهجير وتداعياته الإقليمية
يُمثل التهجير الجماعي للفلسطينيين إلى سيناء مصدر القلق الرئيسي للقاهرة، التي تعتبره "خطًا أحمر" غير قابل للتفاوض.
ويرى المسؤولون المصريون أن هذه الخطوة من شأنها أن تقضي على القضية الفلسطينية وتزعزع استقرار مصر، ويرتكز الموقف المصري على الرغبة في تجنب تأجيج النزاعات القبلية، والرفض التام لأي تهديد للسيادة المصرية في منطقة تُعرف بحساسيتها الأمنية.
البعد الأفريقي للمخاوف المصرية
يتفاقم قلق القاهرة مما يسميه الدبلوماسيون "البُعد الأفريقي". فبينما أرسلت إسرائيل مؤخرًا إمدادات إنسانية إلى جنوب السودان، تزايدت الشائعات حول محادثات سرية لنقل فلسطينيين إلى هناك.
ورغم نفي جوبا القاطع لهذه الادعاءات، فإن مجرد طرح الفكرة يثير قلق القاهرة، التي تعتبر أي نقل للسكان بمثابة إعادة هندسة ديموغرافية وانتهاكًا لأخطر خطوطها الحمراء.
ويزداد هذا القلق بسبب العلاقات العميقة التي تربط مصر بجنوب السودان، حيث كانت القاهرة من أوائل الدول التي اعترفت باستقلالها عام 2011. وقد نمت العلاقات الأمنية بين البلدين بشكل كبير، وتشكل جوبا شريكًا أساسيًا لمصر في سياسات حوض النيل وكأحد الأطراف الفاعلة ضد إثيوبيا بخصوص سد النهضة.
لذا، فإن أي حديث، حتى لو كان مجرد تخمين، عن توطين الفلسطينيين في جنوب السودان يمس جوهر شراكة تعتبرها مصر ضرورية للاستقرار الإقليمي وأمنها الخاص.
الضغط المتزايد على حماس في غزة
في غزة، يتركز الاهتمام على خطوة حماس التالية. وقال خبراء الشؤون السياسية إن "حماس تتعرض لضغوط هائلة". وأضافوا أن إسرائيل تهدد بغزو أعمق لمدينة غزة، بينما يحث قادة المجتمع المدني حماس على تقديم مصالح الشعب على أي اعتبارات أخرى.
هذا الضغط يشعر به بشكل خاص المدنيون، الذين يربطون بقاءهم بنتائج المفاوضات. ويشعر المراقبون بأن "هذه قد تكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق يفتح الباب أمام نهاية دائمة للحرب".
بنود الصفقة وتحدياتها
ينقسم المقترح المطروح إلى محورين رئيسيين: تبادل وإعادة انتشار. ستقوم حماس بالإفراج عن نصف الأسرى الإسرائيليين، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد محدد من السجناء الفلسطينيين، بمن فيهم المحكوم عليهم بأحكام طويلة أو مدى الحياة.
وخلال فترة التوقف التي تبلغ 60 يومًا، ستنسحب القوات الإسرائيلية من أجزاء من مدن غزة وتُعيد انتشارها بالقرب من الحدود، بهدف تسهيل عمل المنظمات الإنسانية.
كما ستزداد المساعدات الإغاثية، بما في ذلك الوقود، والمياه، والمستلزمات الطبية، ومعدات لإصلاح المستشفيات والمخابز، تحت إشراف الأمم المتحدة والعديد من الوكالات الدولية.
ضمانات الصفقة والمأزق السياسي
لا تزال قيادة حماس قلقة من أن يستأنف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب بعد 60 يومًا ما لم تقدم الولايات المتحدة ضمانات صارمة.
وقد أوضح الوسطاء الأمريكيون لحماس أن استمرار الدعم الأمريكي يعتمد على شرطين: أن تقدم حماس الرعاية الصحية للأسرى المتبقين، وأن تبدأ هيئة حكم فلسطينية جديدة غير تابعة لحماس بالعمل في غزة قبل انتهاء وقف إطلاق النار. فدون الالتزام بهذه الشروط، تخاطر حماس بفقدان نفوذها المتبقي.
وفي هذا السياق، يرى المحلل الفلسطيني مخيمر أبو سعدة أن حماس استخدمت الأسرى كأداة للمساومة، مشيرًا إلى أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب الآن، وهذا ما يفسر كون الصفقة الحالية تخص نصف الأسرى فقط.