تتشابك خيوط الحرب في غزة بين هدير المدافع وصوت الدبلوماسية، حيث يسابق الموت خطوات المفاوضات. ومع كل يوم يمر، يزداد المشهد تعقيداً: إسرائيل ماضية في عملياتها العسكرية بلا هوادة، وحماس متمسكة بأوراقها على طاولة التفاوض، فيما يترقب المدنيون بصيص أمل يوقف نزيف الدم. وفي هذا الفراغ المليء بالقلق، تبرز المبادرة المصرية القطرية كمحاولة لالتقاط أنفاس المنطقة، اختباراً حقيقياً لقدرة الوسطاء على كسر دائرة العنف وإقناع الأطراف بتهدئة قد تكون الخطوة الأولى نحو تسوية أوسع.
يمثّل المقترح المصري القطري أحدث محاولة جادة لوقف القتال بين إسرائيل وحركة حماس، وربما تمهيد الطريق نحو إطار أكثر استقراراً على المدى الطويل، فقد استثمرت كلٌّ من القاهرة والدوحة رصيداً سياسياً كبيراً في صياغة هذا الطرح، مصر باعتبارها الوسيط الأهم في المنطقة و شؤون غزة تحديدا، وقطر بفضل قنواتها المباشرة مع قيادة حماس ونفوذها عبر مسارات التمويل.
في هذا الصدد.. قالت إيرينا تسوكرمان محامي الأمن القومي الأمريكي، جوهر الخطة، وفق ما تسرّب من تفاصيلها، يقوم على وقفٍ مرحلي لإطلاق النار، يترافق مع تبادل للأسرى والمحتجزين وتوسيع متدرج للمساعدات الإنسانية، على أمل أن يُبنى على هذه الخطوات زخمٌ يؤدي إلى تسوية أكثر استدامة.
و أوضحت إيرينا تسوكرمان محامي الأمن القومي الأمريكي، المرحلة الأولى من المقترح تتضمن إطلاق سراح مجموعة من الرهائن من قبل حماس، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، إضافة إلى زيادة حركة قوافل الإغاثة داخل القطاع، أما المراحل اللاحقة فتركّز على إطلاق باقي الرهائن، بمن فيهم الجنود، مقابل صفقات تبادل أوسع، وتثبيت فترات تهدئة أطول. وفي صيغته المكتملة، قد يتطور المقترح إلى وقف شامل لإطلاق النار إذا التزم الطرفان.
الدوافع الإقليمية
بالنسبة لمصر، فإن الدفع بهذا المسار يهدف إلى تأكيد دورها المحوري الذي لا غنى عنه في الملف الغزّي، ومنع اتساع رقعة الحرب نحو سيناء، والحد من التداعيات الإقليمية التي يولّدها استمرار القتال.
أما قطر، فترى في المبادرة فرصة لترسيخ صورتها كوسيط موثوق، يجمع بين علاقاته مع حماس ومكانته لدى واشنطن والعواصم الأوروبية، إضافة إلى حماية سمعتها من اتهامات بدعم التطرف، كلا البلدين يدرك أن إطالة أمد الصراع ستضعف تأثيرهما الإقليمي، ومن هنا يأتي إصرارهما على التحرك العاجل.
العقدة الأساسية تكمن في الموقف الإسرائيلي
ففي حين أبدت إسرائيل استعداداً للنظر في “وقفات إنسانية”، فإنها تواصل التشديد على أهدافها العسكرية المعلنة، إضعاف قدرة حماس على الحكم ومنع تكرار هجوم 7 أكتوبر. وترى حكومة نتنياهو أن أي وقف لإطلاق النار يطرحه الوسطاء قد يجمّد الميدان بطريقة تُبقي حماس على قيد الحياة وتسمح لها بإعادة تنظيم صفوفها، كما يرفض نتنياهو مبدأ الإفراج الجزئي عن الرهائن على دفعات، معتبراً أن ذلك يطيل أمد ورقة الضغط بيد حماس ويقوّض الغاية العسكرية الأشمل.
السيناريوهات المحتملة
إذا قبلت إسرائيل المقترح، فسيكون على الأرجح بعد إدخال تعديلات جوهرية، مثل القبول بوقف مؤقت مقابل الإفراج عن رهائن، مع رفض أي صيغة لوقف دائم ما لم تقدّم حماس تنازلات كبيرة. كما ستشدد إسرائيل على ضمانات تمنع تسرب المساعدات إلى مقاتلي حماس، وهو ما يضع عبئاً ثقيلاً على القاهرة والدوحة لإثبات قدرتهما على الرقابة والتنفيذ.
أما إذا رفضت إسرائيل الخطة كلياً، فإن التصعيد سيكون المرجح، مثل هذا الرفض سيقوّي تيار التشدد داخل حماس، ويزيد من التوتر في الإقليم، خصوصاً في لبنان والضفة الغربية.
كما سيحرج تل أبيب أمام واشنطن التي تواجه ضغوطاً لإظهار دعمها للمساعي الدبلوماسية والاعتبارات الإنسانية.
السيناريو الثالث هو الحل الوسط، حيث تقبل إسرائيل بعض بنود المبادرة وفق صياغتها الخاصة، أي هدَن قصيرة للإفراج عن رهائن، مع استمرار العمليات العسكرية ضد حماس. وبهذا تظهر تل أبيب قدراً من المرونة أمام حلفائها، دون أن تتنازل عن أهدافها الاستراتيجية.
النتيجة الأقرب للواقع أن إسرائيل لن توافق على وقف شامل للنار في المرحلة الحالية، لكنها قد تستخدم المقترح المصري القطري كآلية لإتمام صفقات تبادل وإدخال مساعدات محدودة، في إطار زمني قصير يتيح لها مواصلة الحملة العسكرية. ستعتبر القاهرة والدوحة ذلك تقدماً دبلوماسياً يحفظ لهما دور الوساطة، فيما ستقدّمه إسرائيل كخطوة تكتيكية لا تعني تغييراً في مسار الحرب.
الخلاصة، من المستبعد أن توافق إسرائيل على المقترح بصيغته الكاملة، لكن قبولاً جزئياً أو متدرجاً يظل ممكناً، بما يحقق بعض الانفراج الإنساني دون أن يوقف العمليات العسكرية. ويبقى مستقبل المسار مرهوناً بمقدار الضغط السياسي الأميركي، وبقدرة مصر وقطر على ضمان أن التنازلات لا تمسّ جوهر معادلة الردع الإسرائيلية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.