لم يبق في غزّة لاعبون، وتلاشت الملاعب، واسشتهد الإداريون والحكام، ولم يتبقى في القطاع إلا عدد قليل من المشجّعين، مازالوا على قيد الحياة، يصارعون الموت والحصار والجوع والتشرد، من بينهم مدافع نادي شباب جباليا الفلسطيني، أحمد عميرة (38 عاماً)، الذي اضطر إلى فتح "ترابيزة" يبيع عليها بعض المنتجات الشعبية، في أحد أحياء مدينة غزّة، للتغلّب على ظروف التجويع والنزوح التي طالته وعائلته خلال الحرب المستمرة على الفلسطينيين منذ أكتوبر 2023.
وفي ظل الظروف المعيشية والإنسانية الصعبة التي تعرّض لها العدد الأكبر من لاعبي كرة القدم في قطاع غزّة، اضطر جزءاً منهم للعمل في مجالات لم تخطر على بالهم في أوقات سابقة.
ولعب أحمد عميرة، لعدداً من الأندية خلال مسيرته الكروية، كان آخرها شباب جباليا في دوري الدرجة الممتازة الفلسطيني لكرة القدم، وقبلها أندية فلسطين، والصداقة، وأهلي غزّة.
عميرة من أب فلسطيني وأم مصرية، وُلدت في القاهرة، لكنه عاد صغيراً إلى قطاع غزّة وسكن حيّ الصبرة، ويحمل شهادة البكالوريس في اللغة العربية والإعلام من جامعة الأزهر دفعة 2010.
ورغم انه يحمل الجنسية المصرية، وكان بإمكانه مغادرة غزّة في الأسابيع الأولى للحرب، لكنه فضل البقاء فيها لأن حياته كلّها معلّقة بغزّة وعمله الكروي، وهو يعيش حالياً ظروفاً قاتلة، بما في ذلك الجوع والحصار.
وفقد عميرة أغلب زملاءه في نادي شباب جباليا عشرة زملاء، الذين استشهدوا خلال حرب الإبادة، وعلى رأسهم الشهيد سليمان العبيد، والشهيد إسماعيل أبو دان.
في الأشهر الستة الأولى من الحرب جلست دون عمل، وكنت أصرف على عائلتي من بعض المبالغ المدّخرة، ولكن الأمور ازدادت سوءاً مع توالي الأيام، وأصبحنا نشعر بالجوع.
الجوع شعور قاسٍ جداً، إذ فقدت أكثر من 20 كيلوجراماً من وزني، وشاهدت معاناة أطفالي وعائلتي أمامه، فقرّرت ألا أقف مكتوف الأيدي، ليقرر افتتاح بسطة شعبية في أحد شوارع غزّة، يبيع عليها كل الأصناف الممكنة، يبيع أي شيء يعود عليّه بالربح البسيط .
فبعد ان كان يتقاضى 1000 دولار شهرياً قبل الحرب من العمل في مجال كرة القدم، اضطر لفتح "بسطة" لأبنائه من أجل بيع "الشيبسي وحلويات الأطفال"، لأنهم أرادوا مساعدته في توفير لقمة عيش.
محمود سلمي
وفي السياق ذاته، نشر لاعب كرة القدم الفلسطيني محمود سلمي فيديو عبرمنصات السوشيال ميديا، يوثق فيه يومياته الصعبة في غزة من أجل توفير أبسط حاجيات أسرته وسط الدمار والقصف الإسرائيلي المتواصل.. وكتب لاعب الأهلي السابق "الحرب صعبة، لا مكان لكرة القدم، نزحت بسبب الحرب وأنا أبحث عن الماء".
ويعيش لاعب نادي بيت حانون الرياضي ظروف معيشية صعبة تتدهور يوما بعد يوم بعد أن فاقمتها سياسية التجويع التي ينتهجها الاحتلال منذ أشهر، ويواجه "سلمي" صعوبة في العيش بالخيام وتوفير الطعام والشراب بعد أن نزح من بيته الأول بسبب قصفه من طيران الاحتلال.
وسبق لمحمود سلمي اللعب بقميص النادي الأهلي موسم 2018 في تجربة لم تستمر طويلا، قبل أن يرحل منه إلى نادي شباب العقبة الأردني، ومن ثم انضم إلى اتحاد الشجاعية، فيما كانت آخر محطاته الكروية رفقة نادي بيت حانون، الذي تدمرت بنيته التحتية بسبب الحرب التي يشنها جيش الاحتلال على غزة.
ولم يسلم القطاع الرياضي بغزة من بطش جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث خسرت الرياضة الفلسطينية المئات من اللاعبين والملاعب والمراكز الرياضية التي استهدفها الاحتلال وسوّاها بالأرض.
وحتى الخامس عشر من أغسطس الجاري، أعلن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إن 8 شهداء من أبناء الحركة الرياضية والكشفية الفلسطينية ارتقوا خلال أغسطس الجاري، لترتفع حصيلة الشهداء الرياضيين إلى 670 شهيدًا، من بينهم 342 شهيدًا من أسرة كرة القدم، كان أشهرهم الجوهرة العربية سليمان العبيد، الملقب بـ«بيليه فلسطين» .
ويبدو ان المنظومة الكروية العالمية، على رأسها "فيفا"، لم تنظر إلى معاناة اللاعبين والرياضيين الفلسطينين، مثلما نظر عالم كرة القدم إلى الرياضيين الأوكرانيين، الذين هربوا من ظروف إنسانية قاسية، وتلقوا دعماً - غير محدود، جعلهم يحققون نجاحات كبيرة بعد ذلك، وباتوا في عين العالم كلّه أبطالاً.