قرار الحكومة اللبنانية فى أغسطس ٢٠٢٥ بتكليف الجيش بوضع خطة لنزع سلاح حزب الله يُعدّ خطوة غير مسبوقة منذ اتفاق الطائف (١٩٨٩)، الذى أنهى الحرب الأهلية ونزع سلاح الميليشيات باستثناء حزب الله، الذى احتفظ بسلاحه تحت ذريعة «المقاومة» ضد إسرائيل. هذا القرار، المدعوم بضغوط دولية (خاصة من الولايات المتحدة ودول الخليج)، يضع حزب الله أمام خيارات محدودة ومعقدة، مع تداعيات كبيرة على الدولة اللبنانية.
حزب الله يواجه تحديات استراتيجية بسبب ضعفه العسكرى بعد حربه مع إسرائيل فى ٢٠٢٤، وفقدان دعم لوجستى من سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتراجع نفوذ إيران إثر ضربات إسرائيلية.
الخيارات المتاحة للحزب
حزب الله، بالتحالف مع حركة أمل، يمتلك نفوذًا سياسيًا كبيرًا داخل الحكومة والبرلمان اللبناني، مما يمنحه القدرة على تعطيل العملية السياسية إذا اختار التصعيد. يمكن للحزب سحب وزرائه الأربعة (اثنان محسوبان عليه مباشرة واثنان على حركة أمل) من الحكومة، مما يهدد بإسقاطها أو تعطيلها، حيث يتطلب النظام اللبنانى التوازن الطائفى فى تشكيل الحكومة. هذه الخطوة قد تؤدى إلى شلل حكومي، خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التى يعانى منها لبنان، حيث تعتمد البلاد على قرارات حكومية لتأمين المساعدات الدولية وإدارة إعادة الإعمار بعد حرب ٢٠٢٤. كما أن استقالة الوزراء ستزيد من التوترات الطائفية، خاصة بين الشيعة والطوائف الأخرى، مما قد يعوق أى تقدم فى تنفيذ قرار نزع السلاح ويفاقم الانقسامات السياسية.
على صعيد البرلمان، يمتلك حزب الله وحلفاؤه كتلة برلمانية قوية، تضم نوابًا من تيار المستقبل السابق وحركة أمل وتيارات أخرى موالية، مما يتيح له عرقلة جلسات البرلمان أو منع انعقادها عبر عدم تأمين النصاب القانوني. هذا التعطيل قد يوقف تشريعات حيوية، مثل تلك المتعلقة بالإصلاحات الاقتصادية أو تنفيذ قرارات نزع السلاح، مما يعزز حالة الشلل السياسي. هذا الخيار، رغم فعاليته فى الضغط على الحكومة، يحمل مخاطر كبيرة، إذ قد يُنظر إليه كمحاولة لفرض الهيمنة على الدولة، مما يثير ردود فعل معاكسة من خصوم الحزب، خاصة القوى المسيحية والسنية، ويزيد من احتمال التصعيد فى الشارع. كما أن هذا النهج قد يدفع المجتمع الدولي، خاصة الدول الغربية والخليجية، إلى تشديد العقوبات أو تعليق المساعدات، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد اللبنانى ويعمّق معاناة المواطنين.
تحريك الشارع
يمتلك حزب الله قدرة كبيرة على تعبئة أنصاره فى الشارع اللبناني، وهى استراتيجية استخدمها سابقًا لإظهار قوته وتأثيره الشعبي، كما حدث فى مسيرات الدراجات النارية التى نظمها فى أغسطس ٢٠٢٥ رداً على قرار الحكومة بتكليف الجيش بوضع خطة لنزع سلاحه. هذه المسيرات، التى شملت استعراضات فى مناطق نفوذ الحزب كالضاحية الجنوبية وبعلبك، تهدف إلى إشاعة جو من الترهيب وإرسال رسالة إلى الحكومة والقوى السياسية الأخرى بأن الحزب يحتفظ بدعم شعبى قوى وقدرة على التعبئة السريعة. تحريك الشارع قد يشمل أيضًا تنظيم مظاهرات حاشدة أو إغلاق طرق رئيسية، مما يضغط على الحكومة للتراجع عن قرارها. لكن هذا الخيار يحمل مخاطر كبيرة، إذ قد يُنظر إليه كتحدٍ مباشر لهيبة الدولة، خاصة إذا أدى إلى توترات طائفية أو استفزازات مع قواعد شعبية لأحزاب منافسة، مثل القوات اللبنانية أو الحزب التقدمى الاشتراكي.
الخطر الأكبر فى هذا الخيار يكمن فى احتمال التصادم مع الجيش اللبنانى أو فصائل سياسية أخرى، مما قد يعيد إلى الأذهان أحداث ٧ آيار ٢٠٠٨، عندما أدت محاولة الحكومة تفكيك شبكة اتصالات الحزب إلى مواجهات مسلحة فى بيروت ومناطق أخرى، أسفرت عن مقتل أكثر من ٦٥ شخصًا وجرح المئات. فى ذلك الوقت، سيطر مقاتلو الحزب على أجزاء من بيروت الغربية، مما عزز صورته كقوة لا يمكن مواجهتها، لكنه أثار أيضًا انتقادات واسعة لاستخدامه السلاح داخليًا. فى السياق الحالي، أى مواجهة مماثلة مع الجيش، الذى يُعتبر رمزًا للوحدة الوطنية، قد تضر بصورة الحزب، خاصة خارج قاعدته الشيعية، وتؤجج الانقسامات الطائفية. كما أن تصعيدًا كهذا قد يدفع المجتمع الدولي، خاصة الدول الداعمة للجيش مثل الولايات المتحدة وفرنسا، إلى زيادة الضغوط على الحزب، وربما فرض عقوبات إضافية، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية ويهدد السلم الأهلى فى لبنان.
التصعيد العسكري.. مواجهة إسرائيل
قد يحاول الحزب تصعيد التوتر مع إسرائيل لاستعادة شرعية "المقاومة". لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، حيث خسر الحزب جزءًا كبيرًا من ترسانته وقادته فى حرب ٢٠٢٤، وفقد خطوط إمداده عبر سوريا، مما يجعل أى حرب جديدة مدمرة له وللبنان.
الظهور المسلح داخليًا: قد يلجأ الحزب إلى استعراض قوته عبر الظهور المسلح فى الشارع للضغط على الحكومة. لكن هذا الخيار قد يؤدى إلى صدام مع الجيش، مما يضر بصورته، حيث يُعتبر الجيش مؤسسة موحدة تحظى بتأييد واسع. الباحث دايفيد وود يرى أن الحزب يسعى لتجنب مثل هذه المواجهة للحفاظ على صورته.
القبول بنزع السلاح والتحول إلى حزب سياسي:السيناريو الأكثر تفاؤلاً هو موافقة الحزب على نزع سلاحه والتحول إلى حزب سياسي، على غرار الميليشيات الأخرى بعد الحرب الأهلية. لكن مصادر لبنانية تشير إلى أن الحزب لن يقبل بذلك دون مقابل، وقرار التخلى عن السلاح يرتبط بإيران. الباحث نيكولاس بلانفورد يرجح أن الحزب سيحاول "كسب الوقت" بدلاً من التنازل الكامل عن سلاحه.
الرفض والتجاهل
أعلن الحزب رفضه للقرار، معتبرًا إياه "غير موجود" و"خطيئة كبرى". هذا الرفض قد يؤدى إلى استمرار التوترات دون تصعيد مباشر، لكن مع استمرار الضغوط الدولية، قد يجد الحزب نفسه مضطرًا للتفاوض أو التوصل إلى تسوية.
الاستقرار السياسى والسلم الأهلي
إذا اختار حزب الله التصعيد السياسي، سواء عبر تعطيل الحكومة بسحب وزرائه أو عرقلة البرلمان من خلال كتلته النيابية، أو عبر تحريك الشارع بمظاهرات ومسيرات، فإن ذلك قد يؤدى إلى شلل كامل فى مؤسسات الدولة اللبنانية. هذا الشلل سيفاقم الأزمة السياسية فى بلد يعانى أصلاً من انقسامات طائفية عميقة، حيث يمكن أن تتحول التوترات إلى صدامات بين أنصار الحزب والقوى السياسية المناوئة له، مثل القوات اللبنانية أو الحزب التقدمى الاشتراكي. دراسة أجراها المركز العربى للأبحاث ودراسات السياسات حذرت من أن مثل هذا التصعيد قد يدفع لبنان نحو فوضى أمنية أو حتى حرب أهلية، مشابهة لما شهدته البلاد فى الماضي. أى مواجهة مباشرة بين حزب الله والجيش اللبناني، الذى يُنظر إليه كمؤسسة وطنية موحدة، قد تكون كارثية على صورة الحزب، خاصة خارج قاعدته الشيعية، حيث يحظى الجيش بتأييد واسع بين الطوائف الأخرى. مثل هذه المواجهة قد تؤدى إلى تقلب الرأى العام ضد الحزب، مما يعزز عزلته داخليًا ويثير ردود فعل طائفية حادة.
فى المقابل، إذا وافق حزب الله على نزع سلاحه والتحول إلى حزب سياسى بحت، فإن ذلك قد يشكل خطوة تاريخية نحو تعزيز سيادة الدولة اللبنانية وحصر السلاح بيد الجيش، وهو مطلب دولى رئيسى تدعمه قوى مثل الولايات المتحدة، فرنسا، ودول الخليج. هذا القرار قد يفتح الباب أمام دعم دولى كبير لإعادة إعمار لبنان، الذى دمرته حرب ٢٠٢٤، ويسهم فى استعادة الاستقرار الاقتصادى من خلال مساعدات مالية وإصلاحات هيكلية. لكن هذا الخيار سيأتى بثمن باهظ بالنسبة لحزب الله، إذ سيفقد أهم أدوات قوته العسكرية، مما قد يُضعفه سياسيًا ويؤثر على هيمنته ضمن الطائفة الشيعية، خاصة فى ظل المنافسة مع حركة أمل. هذا التحول قد يعيد خلط الأوراق فى التوازنات الطائفية الدقيقة التى يقوم عليها النظام اللبناني، حيث قد تستغل قوى سياسية أخرى، مثل التيار الوطنى الحر أو القوات اللبنانية، هذا الضعف لتعزيز نفوذها. كما أن قبول نزع السلاح قد يثير مخاوف لدى أنصار الحزب من فقدان دوره كـ"مقاومة" ضد إسرائيل، مما قد يؤدى إلى توترات داخلية ضمن قاعدته الشعبية.
الوضع الاقتصادي
استمرار التوترات الناجمة عن رفض حزب الله لقرار نزع السلاح أو تصعيده السياسى سيؤدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة التى يعانى منها لبنان، والتى تُعدّ واحدة من أسوأ الأزمات فى تاريخه الحديث. لبنان، الذى يعتمد بشكل كبير على الدعم الدولى لإنعاش اقتصاده المنهار، يواجه شروطًا صارمة من الدول المانحة، خاصة الولايات المتحدة، فرنسا، ودول الخليج مثل السعودية والإمارات، التى تربط تقديم المساعدات بحصر السلاح بيد الدولة وتفكيك الترسانة العسكرية لحزب الله. هذه الدول ترى فى سلاح الحزب عائقًا أمام استعادة السيادة اللبنانية واستقرار الاقتصاد، وبالتالي، فإن أى تصعيد من الحزب، سواء عبر تعطيل الحكومة أو تحريك الشارع، قد يؤدى إلى تعليق أو تأخير هذه المساعدات. هذا التأخير سيفاقم انهيار العملة المحلية، التى خسرت أكثر من ٩٠٪ من قيمتها منذ ٢٠١٩، ويزيد من التضخم ونقص السلع الأساسية، مما يضع ضغوطًا إضافية على المواطنين الذين يعانون أصلاً من الفقر المدقع والبطالة.
تعطيل عمل الحكومة أو البرلمان، سواء بسحب وزراء حزب الله وحركة أمل أو عرقلة جلسات البرلمان عبر كتلته النيابية، سيعوق الجهود الحيوية لإعادة إعمار لبنان، الذى دمرته الحرب مع إسرائيل فى ٢٠٢٤. إعادة الإعمار تتطلب قرارات حكومية وتشريعات برلمانية لتأمين تمويل دولى وتنفيذ مشاريع إصلاح اقتصادي، مثل إعادة هيكلة القطاع المصرفى وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي. أى شلل فى هذه المؤسسات سيؤخر تخصيص الأموال اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية، مثل الموانئ والمطارات والمستشفيات، التى تضررت بشدة. هذا التأخير سيزيد من معاناة المواطنين، حيث يعيش أكثر من ٨٠٪ من اللبنانيين تحت خط الفقر، وفق تقارير الأمم المتحدة، ويعانون من انقطاع الكهرباء، نقص الأدوية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية. كما أن استمرار التوترات قد يثنى المستثمرين الأجانب عن العودة إلى لبنان، مما يعمق الانهيار الاقتصادى ويؤجج السخط الشعبي، الذى قد يتفجر فى احتجاجات أو اضطرابات اجتماعية تهدد السلم الأهلي.
العلاقات الإقليمية والدولية
إذا استمر حزب الله فى رفض قرار نزع السلاح، فقد يؤدى ذلك إلى تصعيد عسكرى خطير من جانب إسرائيل، التى وضعت تنفيذ بند نزع السلاح كشرط أساسى فى اتفاق وقف إطلاق النار الذى أُبرم بعد حرب ٢٠٢٤. إسرائيل، التى تعتبر حزب الله تهديدًا استراتيجيًا بسبب ترسانته الصاروخية وقربه من حدودها، هددت مرارًا بشن عمليات عسكرية مدمرة إذا لم يتم الالتزام بهذا البند. هذا التصعيد قد يشمل ضربات جوية أو عمليات برية تستهدف مواقع الحزب فى جنوب لبنان أو الضاحية الجنوبية، مما سيؤدى إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، ليس فقط للحزب بل للبنان ككل، الذى لا يزال يعانى من تداعيات الحرب السابقة. كما أن هذا الرفض قد يعزز التوترات الإقليمية، خاصة مع إيران، الداعم الرئيسى للحزب، التى تواجه بدورها ضغوطًا متزايدة بسبب ضعف نفوذها فى المنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد فى سوريا. هذا الوضع قد يدفع إسرائيل إلى استغلال ضعف الحزب وإيران لفرض واقع عسكرى جديد، مما يضع لبنان فى قلب نزاع إقليمى معقد.
قرار تكليف الجيش بوضع خطة لنزع سلاح حزب الله يعكس توافقًا دوليًا واسعًا بين قوى غربية (مثل الولايات المتحدة وفرنسا) ودول الخليج (خاصة السعودية والإمارات)، التى ترى فى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية شرطًا أساسيًا لاستعادة السيادة ودعم استقرار البلاد. هذا التوافق يضع لبنان أمام خيار صعب: إما الالتزام بهذا القرار والحصول على دعم دولى كبير، يشمل مساعدات مالية وإعادة إعمار البنية التحتية التى دمرتها الحرب، أو مواجهة عزلة دولية متزايدة إذا استمر الحزب فى رفضه. الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، فرضت بالفعل عقوبات على شخصيات ومؤسسات مرتبطة بالحزب، وهى مستعدة لتشديدها إذا لم يتم تنفيذ القرار. دول الخليج، التى قطعت مساعداتها الاقتصادية للبنان فى السنوات الأخيرة بسبب نفوذ الحزب، تشترط عودة دعمها بإصلاحات سياسية تشمل نزع السلاح. هذه العزلة قد تؤدى إلى تعميق الأزمة الاقتصادية وتقليص فرص لبنان فى استعادة دوره كمركز إقليمي، مما يزيد من الضغوط الداخلية على الحكومة والحزب للتوصل إلى تسوية تتجنب التصعيد وتحافظ على استقرار البلاد.
موقف الجيش اللبناني
الجيش اللبناني، الذى كُلف فى أغسطس ٢٠٢٥ بوضع خطة لنزع سلاح حزب الله، يواجه تحديات هائلة تهدد قدرته على تنفيذ هذا القرار الحساس. أول هذه التحديات هو نقص التمويل المزمن، حيث يعانى الجيش من ضعف الموارد المالية والبنية التحتية فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تضرب لبنان منذ ٢٠١٩، مما أدى إلى تدهور رواتب الجنود وتقليص قدراتهم اللوجستية. هذا النقص يحد من قدرة الجيش على تنفيذ عمليات معقدة مثل نزع سلاح حزب الله، الذى يمتلك ترسانة متطورة تفوق فى بعض الجوانب قدرات الجيش نفسه. إضافة إلى ذلك، الانقسامات الطائفية داخل المجتمع اللبنانى تنعكس بشكل غير مباشر على الجيش، رغم سمعته كمؤسسة وطنية موحدة. الجيش يضم جنودًا من مختلف الطوائف، بما فى ذلك الشيعة، الذين قد يشعر بعضهم بالولاء لحزب الله، مما يجعل أى تحرك مباشر ضد الحزب محفوفًا بمخاطر الانشقاقات الداخلية أو التوترات بين الجنود.
رغم تكليف الجيش بتنفيذ قرار نزع السلاح، فإن المواجهة المباشرة مع حزب الله تبدو غير مرجحة، حيث يسعى كلا الطرفين إلى تجنب الصدام المسلح. حزب الله يدرك أن أى مواجهة مع الجيش ستضر بصورته كـ"مقاومة" وطنية، بينما يسعى الجيش إلى الحفاظ على دوره كرمز للوحدة الوطنية، خاصة أنه يحظى بدعم دولى من قوى مثل الولايات المتحدة وفرنسا، التى ترى فيه أداة لتعزيز سيادة الدولة. ومع ذلك، أى توتر ميداني، مثل احتجاجات أو مسيرات ينظمها الحزب فى الشارع، قد يضع الجيش فى موقف حساس، حيث سيُطالب بالتدخل لفرض الأمن. مثل هذه السيناريوهات قد تؤدى إلى احتكاكات غير متوقعة، خاصة إذا استفز أنصار الحزب قوات الجيش أو القوى الأمنية الأخرى. أى صدام، حتى لو كان محدودًا، قد يهدد وحدة الجيش الداخلية، حيث يمكن أن تظهر انقسامات طائفية أو ولاءات متعارضة بين الجنود، مما يضعف المؤسسة العسكرية ويعرض استقرار لبنان لخطر أكبر، خاصة فى ظل الضغوط الدولية والإقليمية لتنفيذ القرار بسرعة وفعالية.
السيناريوهات المحتملة
قرار الحكومة اللبنانية فى أغسطس ٢٠٢٥ بتكليف الجيش بوضع خطة لنزع سلاح حزب الله يضع الحزب أمام مفترق طرق حاسم، حيث ستحدد خياراته المستقبل السياسى والأمنى للبنان. يواجه الحزب ضغوطًا داخلية ودولية غير مسبوقة، إلى جانب تحديات إقليمية مع تراجع نفوذ إيران وسقوط نظام بشار الأسد، مما يقلص خياراته الاستراتيجية. السيناريوهات المحتملة تتراوح بين التسوية التى تحافظ على الاستقرار، والتصعيد المحدود لكسب الوقت، والصدام الكبير الذى قد يجر البلاد إلى فوضى شاملة. كل سيناريو يحمل تداعيات عميقة على الدولة اللبنانية، سواء على صعيد السياسة، الاقتصاد، أو السلم الأهلي.
سيناريو التسوية
التسوية بين حزب الله والحكومة اللبنانية تمثل السيناريو الأكثر تفاؤلاً، حيث يمكن أن يتوصل الطرفان إلى صيغة توافقية تحافظ على هيبة الدولة دون إذلال الحزب أو تقويض قاعدته الشعبية. على سبيل المثال، قد يوافق الحزب على تسليم أسلحته الثقيلة، مثل الصواريخ بعيدة المدى، أو دمج جزء من قواته فى الجيش اللبنانى تحت إشراف الدولة، مما يحقق هدف حصر السلاح بيد الجيش دون مواجهة مباشرة. هذه الصيغة قد تتضمن أيضًا ضمانات دولية للحزب، مثل التزامات بحماية لبنان من التهديدات الإسرائيلية، أو دعم اقتصادى لتعزيز استقرار البلاد. هذا الخيار قد يعزز سيادة الدولة ويفتح الباب أمام مساعدات دولية كبيرة من دول الخليج والغرب، مما يساعد فى إعادة إعمار لبنان بعد حرب ٢٠٢٤. ومع ذلك، تحقيق هذه التسوية يتطلب ضغوطًا دولية متوازنة وتفهمًا من إيران، الداعم الرئيسى لحزب الله، التى قد ترى فى نزع السلاح تهديدًا لنفوذها الإقليمي. إيران، التى تواجه تحديات داخلية وإقليمية بعد ضعفها فى سوريا، قد تكون أقل مرونة فى قبول مثل هذه التسوية ما لم تُعرض عليها حوافز، مثل تخفيف العقوبات أو ضمانات أمنية. داخليًا، قد يواجه الحزب مقاومة من قاعدته الشيعية، التى ترى السلاح رمزًا لـ"المقاومة" ضد إسرائيل، مما يجعل التسوية عملية معقدة تتطلب حوارًا داخليًا شاملًا بين الطوائف اللبنانية. إذا نجحت التسوية، فقد تمهد الطريق لاستقرار طويل الأمد، لكن فشلها قد يدفع الأطراف نحو سيناريوهات أكثر خطورة.
سيناريو التصعيد المحدود
فى سيناريو التصعيد المحدود، قد يلجأ حزب الله إلى استراتيجيات لكسب الوقت وإعادة ترتيب أوراقه دون الدخول فى مواجهة مباشرة مع الحكومة أو الجيش. يمكن أن يشمل ذلك تنظيم احتجاجات شعبية، مثل مظاهرات أو مسيرات كتلك التى شهدتها بيروت وبعلبك فى أغسطس ٢٠٢٥، بهدف إظهار قوته الشعبية والضغط على الحكومة للتراجع عن قرار نزع السلاح. كما قد يعتمد الحزب على تعطيل العملية السياسية، مثل سحب وزرائه من الحكومة أو عرقلة جلسات البرلمان عبر كتلته النيابية، لإبطاء تنفيذ القرار. هذا الخيار يتيح للحزب الحفاظ على هيمنته السياسية مع تجنب الصدام العسكري، مع الاستفادة من دعم قاعدته الشيعية التى لا تزال ترى فيه ممثلاً رئيسيًا لمصالحها. لكن هذا التصعيد المحدود ليس خاليًا من المخاطر، إذ قد يؤدى إلى توترات طائفية، خاصة إذا استفزت احتجاجات الحزب قوى سياسية مناوئة مثل القوات اللبنانية أو الحزب التقدمى الاشتراكي، مما قد يثير مواجهات محدودة فى الشارع. كما أن استمرار التعطيل السياسى سيؤخر الإصلاحات الاقتصادية وإعادة الإعمار، مما يزيد من السخط الشعبى ويعرض لبنان لخطر فقدان الدعم الدولي. المجتمع الدولي، بما فى ذلك الولايات المتحدة ودول الخليج، قد يرد بتشديد العقوبات على الحزب وداعميه، مما يعمق الأزمة الاقتصادية. هذا السيناريو، رغم أنه يمنح الحزب مساحة للمناورة، قد يؤدى إلى استنزاف قوته تدريجيًا فى ظل الضغوط الداخلية والخارجية، خاصة مع تراجع الدعم الإيرانى واللوجستى من سوريا.
سيناريو الصدام الكبير
فى حال تصاعد الضغوط الداخلية والدولية على حزب الله لنزع سلاحه، قد يؤدى ذلك إلى سيناريو الصدام الكبير، حيث يلجأ الحزب إلى التصعيد العسكرى أو المواجهات الميدانية للدفاع عن وجوده. هذا قد يحدث إذا شعر الحزب بأن التسوية أو التصعيد المحدود لن يحققا أهدافه، فيقرر تحريك أنصاره بشكل واسع فى الشارع أو استخدام سلاحه داخليًا لفرض هيمنته. مثل هذا التصعيد قد يؤدى إلى فوضى أمنية، خاصة إذا اندلعت مواجهات بين أنصار الحزب وقوى سياسية أخرى أو حتى مع الجيش اللبناني، الذى سيُطالب بحفظ الأمن. أحداث ٧ أيار ٢٠٠٨، التى شهدت سيطرة الحزب على أجزاء من بيروت بعد محاولة الحكومة تفكيك شبكة اتصالاته، تُعدّ تذكيرًا بإمكانية تكرار مثل هذه المواجهات، التى أسفرت حينها عن مقتل أكثر من ٦٥ شخصًا. الخطر الأكبر فى هذا السيناريو يكمن فى احتمال تدخل إسرائيل عسكريًا، خاصة أنها هددت بشن عمليات مدمرة إذا لم يُنفذ بند نزع السلاح فى اتفاق وقف إطلاق النار. إسرائيل قد ترى فى الفوضى الداخلية فرصة لضرب قدرات الحزب، مما سيجر لبنان إلى حرب جديدة ذات عواقب كارثية على البنية التحتية والاقتصاد. داخليًا، هذا السيناريو قد يعيد شبح الحرب الأهلية، حيث يمكن أن تتحول التوترات الطائفية إلى نزاعات مسلحة بين الطوائف، خاصة فى ظل الانقسامات الحادة بين الشيعة والطوائف الأخرى. هذا الصدام سيؤدى إلى تدمير ما تبقى من استقرار لبنان، مع تداعيات إقليمية تشمل زيادة العزلة الدولية وتفاقم الأزمة الاقتصادية، مما يجعل هذا السيناريو الأكثر خطورة على الدولة اللبنانية وقدرتها على التعافى من أزمتها الحالية.
مأزق وجودى
حزب الله يواجه مأزقًا وجوديًا بين الحفاظ على سلاحه كركيزة قوته والضغوط الداخلية والدولية لنزعه. خياراته (التصعيد، الرفض، أو التسوية) ستؤثر بشكل مباشر على استقرار لبنان السياسى والاقتصادي. التسوية تبدو الخيار الأقل كلفة، لكنها تحتاج إلى حوار داخلى ودعم إقليمي. استمرار الرفض قد يعرض لبنان لعزلة دولية وتصعيد إسرائيلي، بينما التصعيد الداخلى قد يهدد السلم الأهلي.