على مدخل القرية، أسند الكشّاف ظهره إلى شجرة عجوز. خلع قبقابه الشفّاف وأخرج من جُعبته رغيفًا حافًا. قَضَم منه وهو يدعو: "يا خفيّ الألطاف، ساعدني أن أجد في هذه القرية هدفي، وغرَضي منك الإنصاف."
ولمَح شبحًا أسود كشيطان يحمل في يده خُطّافًا، فاستوقفه وسأله عن أهل المكان، فردّ عليه باجحاف: "جئتُ أحصد أرواحهم، لكني وجدتهم أمواتًا، فاستخسرت الموت فيهم… اللعنة على من لم يُنجز في حياته، وخاف فقط… خاف."
سَدَّ الشبح شهيته، فلم يضع لقمة أخرى في جوفه، وقرّر أن يسير في اتجاهٍ معاكس. وبعد ساعات من المشي في الشمس التي حرّقت قفاه وكأنها ضربته ألف كف، وجد سيدة مكفَّنة تجرّ صغيرًا هزيلًا، فسألها عن "نجوع"، فشتمته وقالت: "نجوع أكثر من كده؟!" واحتقره الصغير بنظرةٍ حارقة، فقدم له رغيفه.
واستكمل السير الطويل حتى دخل الليل، فجلس على شاطئ ترعة يلعن حظه الذي رماه على هذه المهنة، وتذكّر حلمه القديم أن يصبح كشّاف عدّادات النور في وزارة الكهرباء، حاقدًا على مرتباتهم الكبيرة. رغم كونه كشّافًا مثلهم ويتعب أكثر بكثير منهم، إلا أن درجته أقل بكثير ومكافأته هزيلة… إلا إذا عاد بـ “الصيد الثمين”.
وهنا جلس إلى جواره صيّاد عجوز يحمل صنّارة بدائية، وحلمًا كبيرًا أن يصطاد من الترعة "دولفينً". بعد السلامات والتحيات، تعرّفا، وأخبره الصياد أن في قريته شابًا شاطرًا على ملوحة الأرض، قادرًا على زراعة سنابل وأشجار تُنتج آلاف الثمار. فقطّب الكشّاف جبينه… هذا ليس الصيد الثمين.
فعاد الصياد يقول: إن هناك شابًا آخر يزيّن باب منزله بصور أحمد زويل، ونجيب محفوظ، ومجدي يعقوب، ومحمد غنيم، ويقول إنه حصل على براءات اختراع، ويبرمج، وللذكاء الاصطناعي مُعلِّم.
فغضب الكشّاف وقال: "ضاع الهدف! ما هذا الخَرَف؟ نحن شعوب أغلبها يسمع ولا يفهم. تتكلم ولا تعمل، تنام وتحلم بالمال والمكسب… ابحث لهم عن «مكلمجية» لا يصمتون، يُفسّرون، يتأملون، يُغنّون، يُحلّلون قضايا وجودية عن التطهّر من المخلّفات الآدمية وحكم طمث المرأة في الأديان السماوية… وأنت تقول علماء مبدعون يبحثون عن شرٍ اسمه الفكر، ونارٍ اسمها الحرية، وحداثة تبعد عنّا سنوات ضوئية…"
إفيه قبل الوداع
– وإنت جاي… تشتغل إيه؟
– كشّاف… وداير أنا لناس تكلّم الأصداف، تكلّم الأصناف، تكلّم… تكلّم… تكلّم الجيّاف.