تُجري القوات الأمريكية في العراق تعديلات جذرية على مواقع تمركزها وتوزيعها في القواعد العسكرية، وسط تصاعد التوتر بين الخصمين اللدودين: إيران وإسرائيل.
هذه التحركات الاستباقية تأتي على الرغم من أن طهران نفسها تشعر بالإحباط من موقف بغداد المتردد في الانحياز لأي من الطرفين.
وتؤكد مصادر مطلعة أن هذه التغييرات لا تمثل خروجًا عن اتفاقية الانسحاب المبرمة في سبتمبر الماضي، ولكنها تعكس حذرًا متزايدًا من تصعيد محتمل، قد يضع العراق مرة أخرى في قلب صراع إقليمي، وفقًا لصحيفة ستارز آند سترايبس الأمريكية.
محاور الاستعدادات الأمريكية وتداعياتها
1. إعادة التموضع الاستراتيجي والرد على المخاطر الجديدة:
أكد مسؤولون أمريكيون، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، أن واشنطن لا تُجري تغييرات جوهرية في وجودها بالعراق، بل تعيد تموضع قواتها عبر القواعد المختلفة في العراق والمنطقة. هذه الخطوة الحذرة تأتي استجابةً لما وصفوه بـ"خريطة مخاطر أمنية جديدة" في العراق ومحيطه، دون تقديم تفاصيل إضافية عن طبيعة هذه المخاطر أو مواقعها الجغرافية.
ويعتقد المسؤولون أن هذه التحركات هي رد جزئي على المناورات الإيرانية الأخيرة، سواء كانت سياسية أو عسكرية، بما في ذلك محاولات "إعادة بناء القدرات العسكرية" للجماعات الموالية لها.
وقد كشفت وثيقة داخلية مسربة أن ميليشيا "كتائب حزب الله" تستعد لتصعيد محتمل داخل العراق أو خارجه.
2. النشاط المكثف في قاعدة عين الأسد:
شهدت قاعدة عين الأسد الجوية، الواقعة غرب بغداد، نشاطًا غير مسبوق في الأسابيع الأخيرة. وكشفت المصادر عن نقل المعدات اللوجستية الثقيلة، بالإضافة إلى الأصول الحساسة مثل أنظمة الإنذار المبكر ووحدات الرادار، إلى مواقع سرية يعتقد أنها قواعد أمريكية أخرى في المنطقة.
هذه التحركات تُعد جزءًا من استراتيجية إعادة التموضع الأوسع، وتُظهر قلق واشنطن المتزايد من احتمال وقوع تصعيد مفاجئ أو هجمات صاروخية محتملة قد تستهدف القواعد الأمريكية بشكل مباشر.
3. إحباط إيراني وموقف بغداد المتردد:
في المقابل، تعاني إيران من صعوبة كبيرة في حشد المؤسسات الرسمية العراقية لدعم موقفها، وهو ما اتضح جليًا خلال الزيارة الأخيرة لأمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني.
فقد غادر لاريجاني بغداد دون الحصول على "إجابات مطمئنة" بشأن طلب طهران المساعدة في تشديد أمن الحدود المشتركة، بدعوى عبور مقاتلين ومعدات خلال الصراع الأخير مع إسرائيل.
وقد رفضت بغداد الطلب بشكل قاطع، مؤكدة أنها لا تملك القدرات الكافية لتحقيق ما فشلت فيه حتى أجهزة طهران الاستخباراتية والعسكرية.
تأثير التنافس الإقليمي على المشهد السياسي العراقي
يضع التنافس المحتدم بين واشنطن وطهران الحكومة العراقية في موقف حرج للغاية، حيث يتعين عليها الموازنة بين علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي توفر لها دعمًا أمنيًا واستخباراتيًا، وبين ضغوط الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
هذا الوضع يؤدي إلى انقسامات عميقة داخل الطبقة السياسية العراقية، مما يعيق قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الأمن القومي.
كما أن هذا التوتر يهدد بتقويض جهود رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
الحفاظ على النفوذ الجيوسياسي:
يُشير مستشار سياسي رفيع المستوى في بغداد إلى أن واشنطن لن تغادر العراق بالكامل في ظل الظروف الحالية، رغم الجدول الزمني المحدد للانسحاب.
ويعتقد أن "العراق قد لا يوفر للأمريكيين فرصة استراتيجية مربحة كما في السابق، ولكنه يظل منطقة نفوذ جيوسياسي حيوية في صراعهم مع إيران".
هذا التوجه يعكس رغبة واشنطن في الحفاظ على وجود استشاري طويل الأمد، حتى بعد اكتمال الانسحاب العسكري الرسمي، لضمان استمرار نفوذها في المنطقة.