إسرائيل تحت الحصار الدبلوماسى.. هل سيؤدى الضغط العالمى إلى تغيير السياسة؟

عندما منع مئات المتظاهرين فى جزيرة سيروس اليونانية سفينة سياحية إسرائيلية من الرسو الشهر الماضي، كان ذلك بمثابة صدمة للرأى العام الإسرائيلي. فعلى مدار سنوات طويلة، كانت اليونان واحدة من الوجهات السياحية المفضلة للمواطنين الإسرائيليين، وهى أيضًا شريك ثقافى ودبلوماسى وعسكرى وثيق لإسرائيل. ومع ذلك، أثار هذا الحادث تساؤلات عميقة بين الإسرائيليين حول المكان الذى يمكن أن يُرحب بهم فيه بعد هذا التصعيد الدولى ضدهم.
تمر الآن نحو عامين على الهجوم الذى شنته حماس فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، والذى كان الشرارة التى أطلقت الهجوم الإسرائيلى الكبير على غزة. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت الانتقادات العالمية بشكل غير مسبوق، ومعها تكثف الدعوات لفرض عقوبات على إسرائيل، وكذلك المطالبة بإقامة دولة فلسطينية. وقد أعاد المعلقون الإسرائيليون التذكير بتحذير وزير الدفاع الإسرائيلى السابق إيهود باراك فى ٢٠١١ من "تسونامى دبلوماسي" وشيك فى حال استمرت محادثات السلام مع الفلسطينيين دون تقدم.
كما أشار جيريمى يسخاروف، الدبلوماسى الإسرائيلى المتقاعد، إلى أن الوضع الحالى لم يشهد مثله فى تاريخ إسرائيل من حيث قلة الدعم الدولي، بما فى ذلك من الولايات المتحدة، وأضاف: "أفضل أصدقائنا يوجهون إلينا رسائل سلبية جدًا".
انتقادات حلفاء إسرائيل
مع تفاقم الأزمة الإنسانية فى غزة واستمرار رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى تأكيده على ضرورة "إنهاء المهمة" ضد حماس، بدأ حتى أقرب الحلفاء فى التعبير عن قلقهم. فقد وصف المستشار الألمانى فريدريش ميرز الرد العسكرى الإسرائيلى بأنه "لم يعد مبررًا"، فى حين حذر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون من "كارثة وشيكة". وتخطط أكثر من اثنى عشر دولة، بما فى ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وكندا وأستراليا، للاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل.
فيما يتعلق بالضغط الاقتصادي، علّقت ألمانيا شحنات الأسلحة التى يمكن استخدامها فى غزة، فى حين سحب صندوق الثروة السيادى النرويجى استثماراته من الأصول الإسرائيلية بسبب المخاوف الأخلاقية والسمعة. وقد عبر رئيس الوزراء النرويجي، يوناس غار ستور، عن أسفه لتأثر سمعة إسرائيل فى الدول التى لطالما كانت متعاطفة معها.
فى ظل تصاعد الانتقادات، بدأت العقوبات والمقاطعة الدبلوماسية تؤثر على القطاعين الاقتصادى والتكنولوجى فى إسرائيل. وقد أبدى المستثمرون الأوروبيون، الذين كانوا شركاء رئيسيين فى الماضي، اعتراضاتهم على تمويل الشركات الإسرائيلية فى ظل ما يرونه "حظرًا للمساعدات الضرورية إلى غزة". وقد وصف البعض هذا الوضع بأنه يشبه "التحول إلى روسيا" دون فرض عقوبات رسمية. وعلى صعيد آخر، بدأ المسئولون الإسرائيليون يشعرون بالقلق من تهديدات تواجه برامج الأبحاث الأكاديمية الممولة من الاتحاد الأوروبي، خاصة فى المجالات التكنولوجية مثل أشباه الموصلات.
تراجع الدعم الشعبى الأمريكي
بينما يواصل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دعم إسرائيل، أظهرت استطلاعات الرأى تحولًا حادًا فى الرأى العام الأمريكي. فوفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب، فقد أيد ٣٢٪ فقط من الأمريكيين الحملة العسكرية الإسرائيلية، فى انخفاض كبير بين الديمقراطيين والمستقلين. وفى هذا السياق، رفض نتنياهو أى فكرة بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، معتبرًا أنها "مكافأة لحماس"، بينما يرى النقاد داخل إسرائيل أن الضغط يجب أن يوجه إلى الحكومة، وليس إلى الرأى العام. تشير التقارير الواردة من وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى تزايد الحوادث المرتبطة بإسرائيل فى الخارج، بما فى ذلك التحقيقات فى جرائم حرب ضد قدامى المحاربين الإسرائيليين فى أمريكا اللاتينية وأوروبا، إضافة إلى تخريب الشركات الإسرائيلية فى مدن مثل سيدنى وبرلين. كما تم استبعاد منسق موسيقى إسرائيلى من مهرجان موسيقى فى بلجيكا بسبب "مخاوف أمنية".
فى ظل هذه الظروف، أصدرت السلطات الإسرائيلية تحذيرات للمسافرين بعدم عرض الرموز الوطنية فى الخارج، محذرة من أن الإجراءات المستقبلية قد تشمل فرض حظر أوسع للأسلحة أو قيود على التأشيرات.
حذر جيريمى يسخاروف من أن هذا الوضع قد يتفاقم فى العديد من الاتجاهات، قائلًا: "نحن نعيش فى عالم معولم، ولا توجد دولة أو فرد معزول عن هذا الواقع".
