أخبار عاجلة

يوأنس لحظى جيد عضو اللجنة العليا لوثيقة الأخوة الإنسانية لـ«البوابة نيوز »: : أحاول أن اكون خادمًا للآخرين أيًا كانت ديانتهم أو ثقافتهم.. الحوار الإسلامي المسيحي قائم ومستمر ومتجدد

يوأنس لحظى جيد عضو اللجنة العليا لوثيقة الأخوة الإنسانية لـ«البوابة نيوز »: : أحاول أن اكون خادمًا للآخرين أيًا كانت ديانتهم أو ثقافتهم.. الحوار الإسلامي المسيحي قائم ومستمر ومتجدد
يوأنس لحظى جيد عضو اللجنة العليا لوثيقة الأخوة الإنسانية لـ«البوابة نيوز »: : أحاول أن اكون خادمًا للآخرين أيًا كانت ديانتهم أو ثقافتهم.. الحوار الإسلامي المسيحي قائم ومستمر ومتجدد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في أروقة الفاتيكان، حيث تتقاطع الروحانية بالدبلوماسية، وتنبض الجدران بصدى التاريخ، كتب كاهن مصري من أرض الشرق صفحة جديدة في سجل الكرسي الرسولي ، ست سنوات من العمل قربًا من الحبر الأعظم، لم تكن مجرد وظيفة بل رسالة حملها الأب الدكتور يوأنس لحظي جيد بكل تفانٍ وشغف. هو أول عربي، بل أول رجل من الشرق الأوسط، يتولى منصب السكرتير الشخصي للبابا الراحل فرنسيس، ليجسد بجدارته وثقافته العميقة، صورة الإنسان العربي المؤمن بالحوار، والمتقن لفن الترجمة بين الحضارات قبل اللغات.

في لحظة وداعه لمهامه الرسمية، لم يغادر الأب يوأنس دائرة التأثير، بل انتقل إلى ساحة أوسع من العمل الإنساني كعضو في اللجنة العليا لوثيقة الأخوّة الإنسانية، تلك الوثيقة التي جمعت رمزي السلام؛ البابا فرنسيس وشيخ الأزهر.

التقته البوابة نيوز في هذا الحوار، لتستعيد معه محطات الرحلة، ونتأمل معه كيف يمكن لصوتٍ قادم من الشرق أن يُسمع في أعماق الفاتيكان، لا بصوت السلطة، بل بصوت الإيمان، والكرامة، والإنسانية..

نص الحوار..

 

■ ماذا عن نشأتك والقيم التي شكلت تكوينك الفكرى؟

أنا ابن أسرة مصرية عادية، تربيت على أن الكرامة في الاستقامة، وأن النجاح الحقيقي هو أن تظل بسيطا ونقياً مهما ارتفعت مسئولياتك. أرىنفسي إنساناً يحاول أن يكون صديقاً للحق، وخادماً للسلام. أنا كاهن وابن لهذا الوطن الغالي، وأحاول أن اكون خادماً للآخرين أيا كانت ديانتهم أو ثقافتهم، اميناً للبشرى السارة وللحوار بين مختلف الأديانوالثقافات. وتربيت على قيم الإخلاص، والاحترام، والشجاعة والأخوةالانسانية. هذه القيم لم تكن نظريات تعلمتها في الاسرة، بل مواقفاحاول عيشها يوميا، وهي التي منحتني الثبات حين كان الطريق وعراً،والهدوء حين كان المشهد صاخبا.

 

الهوية الشرقية

 

■ تقاطع الهوية الشرقية مع الرسالة الكونية للكنيسة الكاثوليكية؟

الهوية الشرقية تحمل حرارة القلب وعمق الروح، والرسالة الكونية تدعونيأن أرى العالم كله أسرة واحدة. في حياتي، الاثنان لا يتناقضان بليتكاملان؛ فالمحبة التي تعلمتها من السيد المسيح هي نفسها التي أحاولأن أعيشها مع كل إنسان.

■ ما الصوت الداخلي وسط الضجيج؟

الصوت الداخلي هو أشبه بلهيب صغير في قلبي، يحترق بلا ضوضاء. أحافظ عليه بالصلاة، وبالتأمل قبل اتخاذ أي موقف، مهما كان الضغط أو العجلة. وأعيش دائما مؤمنا بأن ظلام العالم لا يستطيعان يخفي ضوء شمعة صغيرة.

الرغبة في الكهنوت والخدمة

■ ما لحظة التحول الروحية أو الفكرية؟

حين التقيت بكاهن رائع، اسمه أبونا مكسيموس كابس، فولدت في قلبي الرغبة في الكهنوت والخدمة. وكذلك خدمتي في الجابون والكونغو وتعاملات مع الأطفال في مخيمات للاجئين، ورأيت الابتسامة على وجوههم رغم فقدانهم لكل شيء. أدركت أن الرجاء أقوى من الظروف، وأندوري أن أكون خادماً لهذا الرجاء.

■ ما الذي يميز البابا فرنسيس؟

أنه يعيش ما يقول. يقف إلى جانب من لا صوت لهم، حتى لو كان ذلكغير مريح للبعض. العالم كان يراه صادقاً لأنه لا يتصنع صورة القائد، بليختار أن يكون راعياً صالحا وصديقا وأبا ومعلما وخادم للمصالحةللجميع.

■ ما أبرز التحديات التي تواجه الكنيسة؟

من الداخل: الحفاظ على شعلة المحبة الأولى متوهجة وسط الروتين اليومي والمؤسساتي.

من الخارج: تقديم إنجيل المحبة في عالم يزداد انقساماً وتنافساً وقولالحقيقة بمحبة.

 

الحوار الإسلامى المسيحي 

■ ماذا عن مستقبل الحوار الإسلامي- المسيحي؟

أنا متفائل إذا بقي الحوار قائماً على الصراحة والاحترام المتبادل، لاعلى المجاملة فقط. الطريق طويل، لكن كل خطوة صادقة تقرّبنا.

■ ما رسالتك للشباب في الشرق الأوسط؟

أنتم أبناء وورثة حضارة عظيمة لا تسمحوا لصوت اليأس أن يُسكت صوت أحلامكم. قوتكم في هويتكم وفي قدرتكم على الحلم رغم الجراح والاستمرار برغم الصعوبات والتفكير خارج الصندوق وتحويل حتى الصعاب إلى فرص للنمو والتعلم والتقدم.

■ كيف ترى التوازن بين ثبات العقيدة والانفتاح؟

كالسفينة تحتاج إلى مرساة حتى لا تنجرف، لكنها تحتاج أيضاً إلى شراع حتى تتحرك. العقيدة هي المرساة، والانفتاح هو الشراع. فقط الغير واثق في إيمانه وعقيده يخشى الحوار أما المؤمن الحقيقي فهو من يحاول باحترام ويشهد للحق بمحبة ويعلن إيمانه بدون تجريح للآخرين ويشهد بحياته قبل أقواله عما يؤمن به.

■ ما طبيعة دورك بالفاتيكان والتوازن بين الدين والسياسة؟

تنفيذ متطلبات الخدمة والوظيفة وعمل كل ما يمكن لجعل السياسة في خدمة الإنسان. عملي ببساطة هو السعي للعيش بأمانة للرسالة بقلبيصغي وعقل يحلل.

■ ما موقف الفاتيكان من الأزمات؟

نعتمد على الاستماع لجميع الأطراف، والرجوع إلى المبادئ الأساسية: الكرامة الإنسانية، وحماية الحياة، وتغليب لغة الحوار على لغة السلاح.

 

صفحة حية من التاريخ

 

■ كيف ترى دور مصر في الحوار بين الشرق والغرب؟

مصر هي صفحة حية من التاريخ، ومفتاح لفهم الشرق والغرب معاً. من أرضها خرجت رسائل الحضارة، وإليها يعود الحوار ليستعيد جذوره. وقد أكد قداسة البابا فرنسيس أثناء زيارته لمصر دور هذا الوطن فيحفظ السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.

■ ما دور الكنيسة في حقوق الإنسان بالشرق الأوسط؟

الكنيسة لا تتخلى عن صوتها حين يُمس الإنسان في كرامته، أياً كانتديانته. الدفاع عن الضعفاء جزء من الإنجيل الحي.

■ ما تقييم العلاقات مع العالم الإسلامي؟

هناك نمو حقيقي في الجسور التي تُبنى، لكن الجسور تحتاج منيَعبرها كل يوم حتى لا تبقى مجرد معالم جميلة.

■ كيف تصلي؟

أكرّس بداية يومي للصلاة بحسب الصلوات الطقسية وأحتفل بالقداس وأسعى الى عدم المساس أبدا بوقت الصلاة مهما كانت الالتزامات الأخرى لأن الصلاة هي التي تبارك كل شيء وتجعلنا نرى الأمور والأشخاص بعين الله والتصرف بحسب قلبه المقدس.

 

المسيح المثال الأعلى فى المحبة والتضحية

 

■ من قدوتك الروحية أو الفكرية؟

المسيح هو المثال الأعلى في المحبة والتضحية وهو قدوة اي مكرس وكلكاهن. ومن خارج المسيحية، كل من عاش حياته ليبني لا ليهدم، هو قدوةلي. وشخصيا أنا متاثر جدا بالقديس كارلو أكوتس الشاب الإيطاليالذي يُطلق عليه "قديس وسائل التواصل الاجتماعي" والذي وبالرغم منصغر سنه إلا أنه ترك بصمة روحية وانسانية كبيرة جداً.

■ كيف تحافظ على التوازن النفسى والروحى؟

بالتواضع أمام الله، والابتعاد عن الضجيج حين أحتاج، وتذكير نفسيأنني لست سوى خادم يحاول القيام بما يطلب منه.

■ هل يوجد لك نص روحى مرجع يومى؟

“لا تخف، لأني معك” (إشعياء ٤١:١٠).

■ ما وصيتك لشاب يسعى للخدمة؟

ابدء بخطوة صغيرة في محيطك، وأعطِ حبك بلا شروط. لا تنتظر الظروف المثالية، فالله يعمل حتى من خلال ضعفك.

 

مؤسسة بشرية وسماوية

 

■ كيف ترى دور الكنيسة في مواجهة الاضطهاد؟

الكنيسة هي المسيح وهي مؤسسة بشرية وسماوية، تحيا بنعمة الله وبمجهود أبنائها المخلصين، وبمواهب الذي يقودها عبر التاريخ ويحميها ويحول حتى إخفاقات أبنائها إلى فرص للنمو والتصحيح والتقديس. مهمة الكنيسة هي عيش الإنجيل ونقل بشارة الخلاص وحفظ وديعة الإيمان ونشر محبة الله بين البش وقد واجهت الكنيسة، على مر العصور، العديد من التحديات والاضطهادات، والأوقات الصعبة، إلا أنها استطاعت دائما أن تتجاوز هذه المحن وتستمر في رسالتها. ويشهد التاريخ أن الكنيسة، بفضل تعضيد المسيح لها وبفضل جهد أبنائها المؤمنين، قد جابهت دائما الشر بالخير، والاضطهاد بالشهادة، والقمع بالصلاة، والظلم بصرامة المتيقنين من عدالة السماء.

■ كيف تحفظ الكنيسة وجودها وشهادتها وكرامتها في مواجهة الاضطهاد؟ وكيف تعيش وتجابه أوقات الأزمات؟ وما مصدر قوتها وثباتها وانتصارها عبر العصور؟

تكمن كرامة الكنيسة في كونها جسد المسيح الحي، وهي ليست مجرد مؤسسة بشرية تعتمد على قدرات البشر وامكانياتهم وملكاتهم، بل تعتمد قبل كل شيء على قوة الله وعمل الروح القدس الذي يحفظ بقائها برغم إخفاقات وخطايا وحتى جرائم وآثام بعض القائمين عليها. فالكنيسة هي الكرمة التي تعيش بفضل ثباتها في المسيح نفسه الذي وهب نفسه من أجلها. الكنيسة هي باختصار شعب العهد الجديد، المدعو لحمل نور الإنجيل في العالم وإلى العالم. والاضطهاد الذي تتعرض له الكنيسة ليس أمرًا جديدًا، بل هو جزء من تاريخها ومن حياتها اليومية. فقد تعرض المسيحيون للاضطهاد منذ العصور الأولى، ولا يزالون يتعرضون له في العديد من أنحاء العالم حتى اليوم. وتؤكد الاحصائيات الدولية أن بين كل عشر أشخاص مضطهدين في العالم بسبب الإيمان ثمان منهم مسيحيون. ويأخذ الاضطهاد أشكالاً مختلفة، منها الاضطهاد الديني، والسياسي، والاجتماعي والمادي والفكري والجسدي. وأخطر أنواع الاضطهاد هو ذاك المقنع والنابع من الداخل وأحيانا من أبناء الكنيسة حين يبيعون أنفسهم لسيد هذا العالم ويشترون هلاكهم بثلثين درهما. وعلينا ألا ننسى أن صلب المسيح جاء بعد خيانة التلميذ يهوذا له. وكم منيهوذا اليوم يبيعون المسيح وكنيسته بأبخس الأسعار!

 

■ كيف تواجه الكنيسة ذلك؟

أولا بالصلاة:

الصلاة هي سلاح المؤمن الأقوى، فمن خلال الصلاة، يتواصل المؤمنونمع الله ويطلبون منه القوة والشجاعة لمواجهة المحن. والويل لكنيسة تنسىأو تتناسى قوة الصلاة وتهمل الثقة في وعود الله بأن أبواب الجحيم لنتقوى عليها: "وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنيكَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (مت ١٦، ١٨). الويل لكنيسةتهتم بأمور الدنيا فتكنز لنفسها كنوزا يأكلها السوس: "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْكُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَوَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَصَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ، نَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَيَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا" (مت ٦، ١٩-٢١). الويل لكنيسة تعتقد أنها تحي بقوةومجهود وشطارة القائمين عليها. والويل لكنيسة تنسى أهمية الركوع أمامالقربان المقدس والتضرع والصلاة والتواصل مع قائدها ومخلصها يسوعالمسيح.

ثانيا بالمحبة:

المحبة هي ما يميز المسيحيين. المحبة المعيشة والملموسة: "إِنْ قَالَ أَحَدٌ: إِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِيأَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟" (١ يو ٤: ٢٠). المحبةفي الفرح والحزن، في أوقات السلام كما في أوقات الاضطهاد. إن دعوةالمسيحيين هي محبة الجميع وحتى أعدائهم وأن يصلوا من أجلهم: "وَأَمَّاأَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ،وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُالَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُعَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ" (مت ٥، ٤٤-٤٥). محبة المحسنين والكارهين، محبةالقريبين والبعيدين، محبة الذين يبنون والذين يهدمون. فويل لكنيسةتسقط في تجربة الكراهية والانتقام والتعامل مع الأشرار بشر، ومعالكارهين بكراهية، ومع الفاسدين بفساد، لأن أكبر انتصار لعدوك هوجرك للأسفل واجبارك على التخلي عما يميزك عنه، وارغامك على النزوللمستواه.

ثالثا بالشهادة:

الشهادة هي إعلان الإيمان أمام العالم. عندما يواجه المسيحيونالاضطهاد، فإنهم يشهدون لمسيحهم ويظهرون للعالم قوة الإيمان الذي لايُهزم. الشهادة تكون بإعلان الإيمان بشجاعة لا تخاف الموت أو الناس،كما يعلمنا القديس بولس الرسول: "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَمَكْتُوبٌ إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ. وَلَكِنَّنَافِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَحَيَاةَ وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ ولا أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً. وَلاَ عُلْوَوَلاَ عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِيَسُوعَ رَبِّنَا" (رو ٨، ٣٥-٣٩).

رابعا بالوحدة:

الوحدة بين المؤمنين هي سر قوة الكنيسة، والتفرقة والتحزب هما سلاح عدو الخير في إضعاف الكنيسة، لذا كانت صلاة المسيح الأخيرة من أجلال كنيسة هي أن يصيروا تلميذه واحدا: "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّ كَأَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي" (يو ١٧، ٢١).

خامسا بالرجاء:

الرجاء هو ثمرة الإيمان. المؤمنون يرجون المستقبل لأنهم يؤمنون بأن اللهسينتصر في النهاية. وبأن أمواج وأعاصير العالم لن تغمر ابدا سفينةالمسيح. وأن المسيح مهما بدى غائبا أو نائما فإنه سينهض لنصرةكنيسته: "فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: اسْكُتْ! اِبْكَمْ! فَسَكَنَتِ الرِّيحُوَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ" (مر ٤: ٣٩).

سادسا بالقانون:

إن احترام القانون هو ضرورة اجتماعية وايمانية وإنسانية. والكنيسة مدعوة دائما لاحترام قُوَّةِ القانونِ لا قانونِ القُوَّةِ. واحترام القانون يعني استخدام كل السبل السلمية حتى يصل الحق إلى أصحابه وحتى يطبق القانون على الجميع بعدل لا يعرف المهادنة، وبحزم لا يعرف التفرقة بين الناس على أساس مستواهم الاجتماعي أو قدراتهم المالية. فالقانون الذي يطبق فقط على الفقراء والمستضعفين ويستثنى أصحاب السلطة والمال هو قانون ظالم. وهنا يحذرنا القديس يعقوب: "يَا إِخْوَتِي، لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ" (يع ٢، ١). وتطبيق القانون يعني أيضا السعي للعدالة الناجعة والابتعاد عن تجربة التراخي باسم الرحمة، أو التنازل باسم الرأفة، أو التكاسل باسم الشفقة.

 

 الإمبراطورية الرومانية

 

■ كيف كانت الكنيسة الأولى؟

تعرض الرسل والمسيحيون الأوائل للاضطهاد الشديد من قبل الإمبراطورية الرومانية، إلا أنهم استطاعوا أن ينشروا الإنجيل في كل أنحاء العالم، وانتصروا بقوة ايمانهم وبفقر حياتهم وبصدق شهادتهمعلى أعظم الجيوش وأشرس الاضطهادات. سقطت الامبراطورياتوانهارت التحالفات وبقيت الكنيسة شامخة بفضل المسيح الذي يقودها. وواجهت الكنيسة العديد من الانشقاقات والهرطقات والاضطهادات، إلاأنها استمرت من خلال حفظها لوديعة الإيمان. وكانت الكنيسة دائما نورالم يستطع كل ظلام العالم أن يخفيه. اهتزت وتألمت وعانت وتوجعت ولكنهااستمرت وانتصرت بفضل أمانتها للمسيح وبفضل نعمة الروح القدسالذي حول آلامها لانتصارات ودماء شهدائها إلى بذور حياة.

أما الكنيسة في العصر الحديث فقد شهد القرن العشرين اضطهاداتواسعة النطاق للمسيحيين في العديد من البلدان، ولا سيما في منطقةالشرق الأوسط، إلا أن الكنيسة استمرت في النمو والتوسع. فواجهتالكنيسة الفكر الالحادي والشيوعي وثقافة الاستهلاك والجماعاتوالعمليات الإرهابية فقط بوداعة الواثقين أن ما من قوة يمكنها أن تهزمالمتكلين على الله. بقوة المؤمنين الذين يعلنون: "أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِيظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي" (مز ٢٣، ٤).

أما الكنيسة اليوم وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها الكنيسة اليوم،فإنها تبقى مؤسسة قوية وحيوية وحاضرة ومؤثرة وفعالة. الإيمان باللهوقوة الصلاة والوحدة بين المؤمنين هم عوامل أساسية تساعد الكنيسةعلى مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، والانتصار على أبواب الجحيم. إن أكبر تجربة قد يستخدمها عدو الخير في محاربة الكنيسة هيإضعاف ايمان أبنائها والتشكيك في قدرة خدامها، والنهش في صلابةجذورها، وزرع الزوان بين أبناها. إنها تجربة الأيادي المهتزة والركبالمرتعشة والعزائم المرتخية. إنها تجربة اعتماد الرعاة على قواهموإمكانياتهم وأهوائهم ورؤيتهم والظن أنهم أصحاب الكرمة لا مجردمستأجرين، عليهم تسليم حساب خدمتهم. إنها تجربة المؤمنين عندمايسقطون في تجربة نهش جسد المسيح بالأكاذيب أو الاشاعات أو بنشراليأس والإحباط. إنها تجربة التخبط وغياب الرؤية ودفن الرؤوس فيالرمال. إنها تجربة ضعف الإيمان بقوة الله والاعتماد على مقوماتوأنظمة العالم ووضع الرجاء في البشر. إنها تجربة شعب الله اثناء سيرهفي البرية: خيانة العهد مع الرب وعبادة أوثان هذا العالم.

تجربة نسيان أن كرامة الكنيسة تكمن في كونها جسد المسيح الحي،وهي لا تُقهر مهما كانت الظروف.

علينا أن نتذكر دائما أن الاضطهاد هو اختبار لصدق وأصالة الإيمان،وهو فرصة للمؤمنين ليشهدوا لمسيحهم، من خلال الصلاة والحبوالشهادة والوحدة والرجاء والعدل. فالكنيسة مهما بدت ضعيفة أومنقسمه فهي دائما عروس المسيح الجميلة والبهية والمشرقة والمنتصرة. ومهما بدت متخبطة ستتغلب على كل الصعاب وستستمر في نشر عطر الإنجيل الطيب في كل الخليقة.

 

أول سكرتير عربي للبابا

■ ست سنوات قرب الحبر الأعظم، كأول سكرتير شخصي عربي في تاريخ الفاتيكان.. كيف تلخّص هذه التجربة الفريدة، وماذا تعني لك على المستوى الشخصي والروحي؟

كانت تجربة تخطّت حدود الوظيفة لتصبح دعوة ورسالة. أن أكون قريبًامن قداسة البابا فرنسيس، رجل السلام والرحمة، هو شرف ومسئولية حملتها بمحبة وصمت. كنت أحمل معي لغتي، وإيماني، وثقافتي العربية، لأكون همزة وصل بين الشرق والغرب، بين الإنسان وأخيه الإنسان. لم أشعر يومًا أنني غريب، بل كنت أُمثّل أمة وثقافة وشعبًا يؤمن بالحوار والعيش المشترك. ست سنوات علمتني أن التواضع قوة، وأن الخدمة في صمت هي أعمق أشكال التأثير.

■ ما رسالتك للعالم؟

لنتعلم العيش بحسب مبدأ الأخوة الإنسانية لأن عالمنا لن ينجو إلا إذا أحببنا بعضنا كأخوة في الأسرة الإنسانية، واعتبرنا الأرض بيتاً واحداً، والإنسانية أسرة واحدة.

 

سطور

المونسينيور الدكتور يوأنس لحظي جيد هو قامة كنسية ودبلوماسية مصرية بارزة، ويُعرف بدوره المحوري في تعزيز الحوار بين الأديان والعلاقات بين الفاتيكان والعالم العربي، ويُعد من أهم الشخصيات الشرقية على مستوى العالم في مجال الحوار بين الأديان والتقارب بين الثقافات.

وهو السكرتير الشخصي للراحل البابا فرنسيس حيث شغل المونسينيور يوأنس لحظي منصب السكرتير الشخصي لقداسة البابا فرنسيس لمدة ست سنوات، ليصبح بذلك أول شخصية عربية تشغل هذا المنصب في تاريخ الفاتيكان. خلال هذه الفترة، كان يُعرف بأنه "صوت البابا باللغة العربية"، ورافق البابا في العديد من رحلاته التاريخية ودوره في الحوار بين الأديان ولعب دورًا هامًا وبارزًا في مبادرة الحوار الكبرى بين الفاتيكان والأزهر الشريف، والتي تُوجت بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية من قبل البابا فرنسيس والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في أبوظبي عام ٢٠١٩ وقد وُصف بأنه أحد "الجنديين المجهولين" وراء إعداد هذه الوثيقة وهو مؤسس قسم اللغة العربية بالفاتيكان عام ٢٠١١ قام بتأسيس ورئاسة قسم اللغة العربية بالفاتيكان ووصفه موقع الأزهر الشريف بأنه "مهندس العلاقات الإسلامية المسيحية"

وقبل عمله كسكرتير للبابا، التحق المونسينيور يوأنس بالسلك الدبلوماسي الفاتيكاني عام ٢٠٠٧، وخدم في عدة سفارات للفاتيكان (قاصدات رسولية) في دول مثل الكونغو، الجابون، الأردن، والعراق بالإضافة إلى تأسيس مؤسسة الأخوة الإنسانية للخدمات وهو رئيس مجلس أمناء مؤسسة الأخوة الإنسانية المصرية، التي أُنشئت بهدف تحويل مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية إلى عمل ملموس على أرض الواقع.

ومن أبرز مشاريع المؤسسة، مشروع مستشفى "بامبينو جيزو" لطب الأجنة والأمومة والطفولة والأمراض النادرة والوراثية في العاصمة الإدارية الجديدة، ودار واحة الرحمة لرعاية الأيتام، ومدرسة لذوي الهمم، وسلسلة مطاعم "فراتيللوا" للأسر الأولى بالرعاية، وتنفيذ العديد من القوافل الطبية بالمستشفى الإيطالي بالقاهرة وبالكثير من محافظات مصر وحصل على لقب "قائد فارس" من رئيس الدولة الإيطالية عام٢٠٢٤ كما قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بمنحه وسام زايد الثاني تقديرًا لجهوده في إنجاح مبادرات السلام ونشر ثقافة التعايش السلمي بين أتباع الأديان، بعد توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية بأبوظبي في ٤ فبراير ٢٠١٩.

المونسينيور د. يوأنس لحظي جيد، كاهن قبطي كاثوليكي، قد حصل على درجة الدكتوراه في القانون الكنسي. وهو يواصل حاليًا تمثيل الفاتيكان في اللجنة العليا للأخوة الإنسانية بجانب مهامه الأخرى كمسئول بأمانة سر الفاتيكان (رئاسة الوزراء) قسم الشئون العامة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رئيس جامعة المنوفية يعلن إنقاذ حياة مريض يعاني من نزيف شرجي حاد
التالى موعد مباراة برشلونة ضد ريال مايوركا اليوم في الدوري الإسباني