اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن القمة المرتقبة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب، المقرر عقدها في وقت لاحق اليوم /الجمعة/ في ألاسكا، فوز كبير للرئيس الروسي، بغض النظر عن نتائج القمة.
وذكرت الصحيفة، في مقال نشرته اليوم، أن ترامب يضع سقفا منخفضا للغاية للقمة الأمريكية الروسية عالية المخاطر، ولا يتوقع أحد تقريبا أن يحرز تقدما يذكر في وقف القتال بين روسيا وأوكرانيا، نظرا لتباين وجهات نظرهما حول هذا الصراع.
لكن يبدو أن الجانبين يتفقان على أمر واحد على الأقل، فمجرد اللقاء مع ترامب يعتبر فوزا كبيرا لبوتين، لأنه يخرج الرئيس الروسي من الجمود الدبلوماسي العميق، ويمنحه فرصة لإقناع الرئيس الأمريكي وجها لوجه.
وقالت وسائل الإعلام التابعة للكرملين، بعد الإعلان عن القمة، إن "زيارة بوتين للولايات المتحدة تعني الانهيار التام لمفهوم عزل روسيا".
وقال عالم السياسة الروسي المؤيد للحرب سيرجي ميخييف:"بالنسبة لروسيا، يعتبر هذا إنجازا حتى لو لم يتفقا على الكثير".
وتوصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى نفس النتيجة، إذ قال في تصريحات صحفية "سينتصر بوتين في هذا، لأنه بحاجة إلى صورة من لقائه مع ترامب".
لكن الأمر يتجاوز مجرد فرصة لالتقاط الصور، فبالإضافة إلى تخفيف عزلة روسيا، أثارت القمة الخلاف داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو هدف روسي دائم، وأجلت تهديد ترامب بفرض عقوبات جديدة صارمة على روسيا والدول الداعمة لها مثل الصين والهند، فقبل أكثر من أسبوعين تعهد الرئيس الأمريكي بأنه إذا لم تلتزم روسيا بوقف إطلاق النار بحلول يوم الجمعة الماضي، فستعاقب روسيا والدول التي تدعمها، ولكن انقضى الموعد النهائي دون أي توقف في الحرب ودون فرض عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا.
وقال الخبير في الشؤون الروسية والباحث البارز في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية ريهور نيزنيكاو "بدلا من التعرض للعقوبات، حصلت روسيا على قمة"، وأضاف "هذا نصر هائل لبوتين مهما كانت نتيجة القمة".
وتابع نيزنيكاو بقوله "يعتقد ترامب أنه يستطيع التوصل إلى اتفاق مع بوتين، إنه يؤمن بمواهبه كمفاوض، المشكلة هي أن بوتين يفعل هذا طوال حياته، ويدخل هذه القمة بفكرة أنه يستطيع التلاعب بترامب".
ووفقا للصحيفة، أُصيب الكثيرون في أوروبا بالذهول من قرار ترامب بعقد قمة حول أوكرانيا دون مشاركة زيلينسكي، وضغط قادة القارة الأوروبية على الرئيس الأمريكي كي لا يبرم اتفاقا بدون أوكرانيا.
وحاول ترامب تهدئة هذه المخاوف في مكالمة فيديو، يوم الأربعاء، مع القادة الأوروبيين ومن بينهم زيلينسكي، وقال الأوروبيون إنهم توصلوا مع ترامب إلى استراتيجية لاجتماعه مع بوتين، تتضمن الإصرار على أن أي خطة سلام يجب أن تبدأ بوقف إطلاق النار، وألا يحدث تفاوض دون مشاركة أوكرانيا.
ورأت الباحثة البارزة في مركز كارنيجي لروسيا وأوراسيا، تاتيانا ستانوفايا، أن التوصل إلى اتفاق سلام بشأن أوكرانيا ليس الهدف الحقيقي للرئيس الروسي من القمة، وقالت "إن الاجتماع بالنسبة لبوتين هو مناورة تكتيكية لقلب الوضع لصالحه، وتهدئة غضب البيت الأبيض المتزايد إزاء مماطلة الكرملين في وقف إطلاق النار".
وقبيل القمة، أشار الكرملين أمس إلى أنه يعتزم إدراج قضايا أخرى تتجاوز أوكرانيا في المحادثات، بما في ذلك إمكانية استعادة العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة.
وبينما وصف ترامب لقاءه مع بوتين بأنه مجرد "اجتماع تمهيدي" سينسحب منه سريعا إذا بدا التوصل إلى اتفاق سلام مستبعدا..لم يعلن البيت الأبيض ولا الكرملين عن نوع اتفاق السلام الذي يسعيان إليه، لكن ترامب قال إنه قد يشمل "تبادلا للأراضي"، وهو أمر يعتقد أنه مؤهل تماما للتفاوض عليه بصفته مطورا عقاريا سابقا في نيويورك.
إلا أن زيلينسكي رفض أي تبادل للأراضي، وأصر على أنه لا يملك أي سلطة بموجب الدستور الأوكراني للتنازل عن أجزاء من البلاد، ومن المرجح أن يشعل ذلك أزمة سياسية خطيرة في كييف، ويعزز أحد أهداف بوتين وهي الإطاحة بزيلينسكي، وفقا لـ"نيويورك تايمز".
كما أن تنازل أوكرانيا عن مناطقها الشرقية يقوض آمال ترامب في أن تستفيد الولايات المتحدة يوما ما من احتياطيات أوكرانيا من المعادن الأرضية النادرة، والتي يقع معظمها في أراض تصر روسيا على ملكيتها لها.
وقال عالم السياسة الأمريكي صمويل شاراب "إن أسوأ سيناريو لأوكرانيا هو أن يقدم بوتين عرضا مقبولا للولايات المتحدة، لكن زيلينسكي لا يستطيع قبوله محليا"، مشيرا إلى أن هذا قد يدفع ترامب للعودة إلى موقفه العدائي الصريح الذي اتخذه تجاه أوكرانيا في فبراير الماضي، عندما انتقد زيلينسكي في البيت الأبيض لعدم إظهاره امتنانا كافيا للمساعدات الأمريكية، ولإصراره على مواصلة حرب يرى أن أوكرانيا لا تستطيع كسبها.
ولم يشر "الكرملين" إلى أنه سيرضى بأي شيء أقل من المطالبة بجزء كبير من أوكرانيا، دون تقديم أي تنازلات.