تشهد صناعة الذهب في مصر تحولا استراتيجيا غير مسبوق، يعيد رسم ملامح السوق المحلية ويضع البلاد على خريطة المنافسة الإقليمية والعالمية، فبعد سنوات من التركيز على بيع وشراء الذهب المصنع محليا، تتجه مصر بخطوات واثقة نحو لعب دور محوري كمركز إقليمي لتجارة وتصنيع الذهب، على غرار التجارب الناجحة في دول مثل الإمارات وتركيا.
هذا التحول لا يقتصر على تطوير الإنتاج المحلي فحسب، بل يمتد إلى استيراد الذهب الخام من الأسواق الخارجية بمختلف الأعيرة، ثم معالجته وتنقيته وتصنيعه داخل المصانع المصرية، قبل إعادة تصديره إلى الأسواق العالمية بقيمة مضافة أعلى، ما يعزز العوائد الاقتصادية ويزيد من تنافسية المنتج المصري.
قفزة في استيراد الذهب الخام تمهد لانطلاقة تصديرية
وفي هذا السياق، وصف إيهاب واصف، رئيس شعبة الذهب والمعادن الثمينة باتحاد الصناعات، هذه المرحلة بأنها «نقلة نوعية» للصناعة، إذ لم تشهد مصر منذ سنوات طويلة نشاطا بهذا الحجم في استيراد الذهب الخام.
كما عكست بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حجم التحول، ففي مايو الماضي، ارتفعت واردات الذهب الخام بنسبة 199.1%، لتصل إلى 71.04 مليون دولار، مقارنة بـ 23.75 مليون دولار فقط في الشهر نفسه من العام الماضي، أي بزيادة تقارب 47 مليون دولار خلال شهر واحد.
هذه الأرقام لا تعني زيادة الاستيراد فحسب، بل تمثل الوقود الذي سيدفع عجلة التصدير إلى الأمام، إذ ستصنع هذه الكميات داخل مصر قبل أن تعاد إلى الأسواق الخارجية، ما يضاعف العائد ويخلق دورة اقتصادية محلية ترتكز على القيمة المضافة.
ارتفاع أسعار الذهب عالميا.. كيف تأثر السوق المصرية؟
تزامنت هذه الخطوة مع استمرار ارتفاع أسعار الذهب في السوق العالمية، حيث سجلت الأونصة مكاسب للأسبوع الثاني على التوالي لتصل إلى 3397 دولارا، مدفوعة بزيادة الإقبال على الذهب كملاذ آمن وسط توترات تجارية دولية، وتوقعات بتوجه البنوك المركزية لخفض أسعار الفائدة، ما يعزز جاذبية المعدن النفيس للمستثمرين.
والتوسع في استيراد الذهب الخام وتصنيعه محليا سيفتح آفاقا واسعة أمام الاقتصاد المصري، فهو لا يقتصر على زيادة الصادرات وجلب العملة الصعبة، بل يمتد إلى خلق فرص عمل، وتعزيز الصناعات المساندة، ودعم سلاسل القيمة المحلية، إضافة إلى ترسيخ مكانة مصر كمحور إقليمي في هذه الصناعة عالية الربحية.
خطة حكومية لتعظيم صادرات الذهب
هذا التوجه ينسجم مع إعلان الحكومة عن استراتيجية وطنية لتعظيم صادرات الذهب والحُلي والأحجار الكريمة، والتي حققت نموا بنسبة 84% في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، وخلال هذه الفترة، استحوذت خمس دول فقط على 99.8% من إجمالي الصادرات، تتصدرها الإمارات بنسبة 62.7% بقيمة 1.654 مليار دولار.
وتسعى الخطة الحكومية لتحقيق نمو سنوي لا يقل عن 15% في صادرات المشغولات الذهبية، مستندة إلى الإنجازات التي تحققت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، والتي رفعت ترتيب مصر عالميا في صادرات الذهب 50 مركزا، لتصل إلى المرتبة 54 في 2023.
وتضع الاستراتيجية نصب أعينها هدفا أكبر هو أن تكون مصر بحلول 2026 ضمن قائمة أكبر 20 دولة مصدرة للمشغولات الذهبية في العالم، عبر تطوير البنية الإنتاجية، وتوسيع قاعدة المصانع، وجذب الاستثمارات، وبناء شبكة تسويق عالمية قادرة على فتح أسواق جديدة للمعدن النفيس المصري.
صناعة الذهب في مصر أمام فرصة تاريخية
وفي ظل هذه التحولات المتسارعة، تبدو صناعة الذهب في مصر أمام فرصة تاريخية لإعادة رسم دورها على الخريطة الاقتصادية العالمية، مستندة إلى مزيج من الخبرة المحلية، والاستثمارات المتنامية، والرؤية الحكومية الطموحة.
وإذا استمرت وتيرة التطوير بنفس الزخم، فقد لا يقتصر الأمر على تحقيق الأهداف المعلنة بحلول 2026، بل قد تتجاوز مصر ذلك لتصبح لاعبا رئيسيا في سوق الذهب العالمي، ليس فقط كمصدر للمشغولات، بل كمركز إقليمي لصياغة سياسات وتوجهات هذه الصناعة الإستراتيجية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
