لم يكن صباح الرابع عشر من أغسطس عام 2013 يومًا عاديًا في تاريخ مصر، بل كان يومًا فاصلًا بين زمنين؛ زمن كانت فيه جماعة الإخوان الإرهابية تحكم قبضتها على مؤسسات الدولة، وزمن استردت فيه مصر سيادتها وهيبتها أمام شعبها والعالم.
وضعت الأجهزة الأمنية المصرية في ذلك اليوم، خطة محكمة لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، اللذين لم يكونا – كما حاولت الجماعة تسويقهما – تجمعات سلمية، بل تحولًا على مدار أسابيع إلى بؤرتين مسلحتين تضمان أسلحة آلية وذخائر وقنابل مولوتوف وخططًا لإسقاط الدولة.
ذكرى 14 أغسطس محفورة في الذاكرة الوطنية كعنوان لمرحلة جديدة
في قلب مدينة نصر، كان ميدان رابعة العدوية قد تحول إلى ما يشبه "المنطقة المحرمة" على أجهزة الدولة، حيث أقام الإخوان متاريس وأسوارًا من الرمال والخشب، وعزلوا الأهالي عن المرور، وأقاموا منصات تحريض على العنف والكراهية. وفي الجيزة، كانت ساحة النهضة أمام جامعة القاهرة نسخة مصغرة من المشهد نفسه، مع وجود عناصر مسلحة مختبئة خلف الخيام والمنصات، وخطابات يومية تدعو إلى "الجهاد" ضد الشرطة والجيش.
مع فجر ذلك اليوم، تحركت قوات الأمن المركزي، مدعومة بقوات خاصة من الشرطة والجيش، لتنفيذ قرار النيابة العامة بفض الاعتصامين، بعد أن فشلت كل محاولات التفاوض مع قادة الجماعة. دقائق قليلة كانت كافية لتتحول الأجواء إلى تبادل عنيف لإطلاق النار من داخل الاعتصام، ما كشف عن وجود ترسانة من الأسلحة بحوزة المعتصمين. رجال الشرطة، مدعومون بخبراء المفرقعات، بدأوا في تأمين المداخل، وتفتيش الخيام، وإخلاء النساء والأطفال، بينما كانت وحدات مكافحة الإرهاب تتعامل مع العناصر المسلحة.
وعلى الجانب الآخر، لم تتأخر الجماعة في الرد بارتكاب موجة إرهاب غير مسبوقة في عشرات المحافظات، شملت حرق أقسام الشرطة، والهجوم على الكنائس، وقطع الطرق، واغتيال ضباط. وكانت جريمة قسم كرداسة أبشع تلك الجرائم، حيث قُتل أكثر من 11 ضابطًا ومجندًا بدم بارد بعد تعذيبهم والتمثيل بجثثهم.
هذا اليوم لم يكن مجرد عملية أمنية ناجحة، بل كان نقطة اللاعودة لجماعة الإخوان في مصر. فقد بدأ بعدها مسلسل سقوط قادتها واحدًا تلو الآخر: محمد بديع، خيرت الشاطر، عصام العريان، محمد البلتاجي، وصفوت حجازي، وغيرهم، ليقفوا جميعًا أمام القضاء بتهم القتل والتحريض والإرهاب.
وبين دموع أسر الشهداء وفخر رجال الأمن، بقيت ذكرى 14 أغسطس محفورة في الذاكرة الوطنية كعنوان لمرحلة جديدة، عنوانها "لا عودة للإرهاب"، ورسالتها أن مصر لا تُبتز بالسلاح أو التحريض، وأن دماء الشهداء كانت وقودًا لاستعادة الدولة.
رابعة والنهضة.. الاعتصام الذي تحول إلى وكر مسلح
منذ الإطاحة بمحمد مرسي في 3 يوليو 2013، لجأت جماعة الإخوان إلى حشد أنصارها في ميداني رابعة العدوية بمدينة نصر، ونهضة مصر بالجيزة، بهدف الضغط على الدولة لإعادته إلى الحكم. لكن هذه الاعتصامات لم تكن سلمية، فقد وثقت أجهزة الأمن والمجلس القومي لحقوق الإنسان وجود أسلحة آلية وبنادق خرطوش وقنابل يدوية ومولوتوف داخل الميدانين، إلى جانب تدريبات شبه عسكرية لبعض العناصر.
شهادات الأهالي في محيط الاعتصامين أكدت أن الجماعة فرضت حالة من الحصار على المنطقة، ومنعت مرور السيارات والمارة، واعتدت على كل من حاول الاقتراب أو الاعتراض، ما حول الميدانين إلى بؤر مسلحة تهدد الأمن العام.
خطة الدولة لفض الاعتصامين
وضعت وزارة الداخلية خطة دقيقة، بالتنسيق مع القوات المسلحة، لتنفيذ قرار النيابة العامة بفض الاعتصامين. الخطة تضمنت:
إنذارات متكررة بالمغادرة قبل بدء التنفيذ، عبر مكبرات الصوت ومنشورات وزعت على المعتصمين.
تخصيص ممرات آمنة لخروج النساء والأطفال وكبار السن.
تمشيط الخيام والمباني بواسطة خبراء المفرقعات للكشف عن العبوات الناسفة.
تأمين المداخل والمخارج لمنع تسلل العناصر الإرهابية أو تهريب الأسلحة.
التدرج في استخدام القوة، بدءًا من الغاز المسيل للدموع، وصولًا إلى التعامل المسلح مع مصادر إطلاق النار.
لحظة الحسم: ماذا حدث فجر 14 أغسطس؟
مع شروق الشمس، بدأت القوات في التحرك، لكن سرعان ما اندلعت الاشتباكات بعد أن فتحت عناصر مسلحة من داخل الاعتصام النار على القوات. الصور والفيديوهات التي وثقتها وسائل الإعلام أظهرت بوضوح وجود مسلحين أعلى المباني المحيطة بميدان رابعة، يطلقون الرصاص على قوات الشرطة.
القوات الخاصة تصدت للمسلحين، بينما استمرت عمليات الإخلاء للمدنيين. ومع مرور الساعات، تمكنت القوات من السيطرة الكاملة على الميدان، وضبط كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر.
أبرز القيادات الإخوانية والقبض عليهم
بعد فض الاعتصامين، بدأت الأجهزة الأمنية أوسع حملة لضبط قيادات الإخوان الهاربين، وشملت:
محمد بديع – المرشد العام للجماعة – تم ضبطه في شقة بمدينة نصر يوم 20 أغسطس 2013.
خيرت الشاطر – نائب المرشد
محمد البلتاجي – القيادي البارز
عصام العريان – نائب رئيس حزب الحرية والعدالة
صفوت حجازي – الداعية الإخواني
الأحداث الإرهابية بعد الفض
في الساعات والأيام التي تلت الفض، شهدت مصر موجة عنف غير مسبوقة من أنصار الإخوان، تضمنت:
حرق أكثر من 50 كنيسة في محافظات مختلفة.
الاعتداء على 35 قسم شرطة وإحراق بعضها.
قطع الطرق وتعطيل حركة القطارات.
جرائم اغتيال استهدفت ضباط الشرطة والجيش.
قسم كرداسة.. الجريمة التي هزت مصر
في صباح اليوم نفسه، هاجمت مجموعات مسلحة قسم شرطة كرداسة بمحافظة الجيزة، وقتلت 11 ضابطًا وفرد شرطة، بينهم العميد محمد جبر مأمور القسم. الجناة مثّلوا بالجثث، في مشهد أثار غضبًا واسعًا داخل مصر وخارجها.
آراء الخبراء الأمنيين والقانونيين
اللواء حمدي عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أكد أن فض الاعتصامين كان ضرورة لحماية الأمن القومي.
خبراء المفرقعات أكدوا أن الأسلحة المضبوطة كانت تكفي لتنفيذ عمليات إرهابية واسعة.
بيانات وزارة الداخلية والنيابة العامة
وزارة الداخلية أصدرت بيانًا في نفس اليوم أوضحت فيه تفاصيل العملية، وأكدت أنها التزمت بالقانون والمعايير الدولية. النيابة العامة فتحت تحقيقات موسعة أسفرت عن إحالة مئات المتهمين للمحاكمة في قضايا إرهاب وقتل عمد.
تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان
التقرير الصادر في 2014 أكد أن الاعتصامين لم يكونا سلميين، وأن الدولة حاولت التفاوض مرارًا قبل الفض، وأن سقوط الضحايا كان نتيجة تبادل إطلاق النار.
شهادات أسر الشهداء
أسر شهداء الشرطة والجيش أكدوا أن أبناءهم ضحوا بحياتهم دفاعًا عن مصر، وأن دماءهم كانت ثمنًا لاستعادة الأمن.
شهادة وفاة جماعة الإخوان في مصر
منذ ذلك اليوم، فقدت جماعة الإخوان قدرتها على الحشد الجماهيري، وتحولت إلى مجموعات صغيرة مطاردة، وانتهى مشروعها السياسي في مصر.