أخبار عاجلة

مدير معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان بمصر يتحدث لـ "البوابة نيوز": دخلتُ الرهبنة بدافع قلبى والغزالى قادنى إلى الإسلاميات.. ويؤكد: الفلاسفة المسلمون كانوا مصدر لاهوتنا في القرن الثالث عشر

مدير معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان بمصر يتحدث لـ "البوابة نيوز": دخلتُ الرهبنة بدافع قلبى والغزالى قادنى إلى الإسلاميات.. ويؤكد: الفلاسفة المسلمون كانوا مصدر لاهوتنا في القرن الثالث عشر
مدير معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان بمصر يتحدث لـ "البوابة نيوز": دخلتُ الرهبنة بدافع قلبى والغزالى قادنى إلى الإسلاميات.. ويؤكد: الفلاسفة المسلمون كانوا مصدر لاهوتنا في القرن الثالث عشر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى قلب القاهرة، حيث تلتقى حضارة الشرق بتاريخ الأديان، يجلس راهب دومنيكى فرنسى اختار أن يهب حياته لفهم الإسلام، لا من خلف جدران الكتب وحدها، بل من بين الناس، فى المساجد، وفى الأزهر، وبينطلابه وباحثيه.. إنه إيمانويل بيزانى الدومنيكاني، مدير معهد الدومينيكان فى القاهرة، وهو شخصية فريدة ترهبنت فى دولة علمانية،ودرست الغزالى وابن سينا وابن تيمية، وتؤمن بأن الجنة قد تكون أوسع مما نتصور.

يحدثنا عن الدومنيكان، عن علاقتهم بالإسلام، عن الفروق بين النظرى والتطبيقى فى الإيمان، عن التعاون مع الأزهر، وعن رؤيته لمصيرالمسيحيين فى الشرق، وللمأساة فى فلسطين، ولمستقبل الدين فى زمن العجز.

التقته «البوابة نيوز» فى هذا الحوار الذى يعد شهادة حية من قلبٍ آمن أنمعرفة الآخر ليست ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة روحية وأخلاقي؛ فى زمنتزداد فيه الفجوات بين الأديان والثقافات.. وإلى نص الحوار.

69.jpg

الإمام الطيب شخصية روحية.. ومهمته صعبة بين كل هذه الاتجاهات

 

■ حدثنا عن رهبنة الدومينيكان؟

رهبنة الدومينيكان، أسسها القديس دومينيك عام ١٢١٥ فى مدينة تولوزبفرنسا، هى رهبنة كاثوليكية تتميز برسالة تبشيرية واضحة تهدف إلىنشر الإنجيل، ودراسة اللاهوت، ومكافحة الهرطقات. ركزت الرهبنة منذبدايتها على الجمع بين الحياة الروحية والدراسة الأكاديمية، خاصة فىمجالات الفلسفة واللاهوت.

وتميّز الدومينيكان بإسهاماتهم الفكرية العميقة، إذ اهتموا بدراسةالفلسفة اليونانية، ولا سيما فلسفة أرسطو، وسعوا إلى التوفيق بينها وبينالعقيدة المسيحية. كما كان لهم دور محورى فى نقل التراث الفلسفىوالعلمى من الحضارة العربية إلى أوروبا، من خلال ترجمة أعمال فلاسفةمسلمين كبار مثل ابن رشد وابن سينا إلى اللغة اللاتينية، مما ساهم فىإحياء الفلسفة الكلاسيكية فى الغرب.

ومن الناحية الجغرافية، أبدت الرهبنة اهتمامًا مبكرًا بالعالم العربي، حيثاستقرت فى مدن مثل القسطنطينية وتونس وبغداد والموصل. ويُعد معهدالدراسات الشرقية «IDEO» فى القاهرة أحد أبرز مؤسساتهاالمعاصرة، وقد أُسس عام ١٩٥٣ لتعزيز الحوار بين الأديان ودراسةالإسلام بشكل موضوعى وعلمي، بعيدًا عن أى توجه تبشيرى أوسياسي.

وتُعرف رهبنة الدومينيكان كذلك بحياتها الجماعية، التى تشدد علىالوحدة الأخوية داخل الجماعة. وهى لاتزال اليوم تساهم فى الفكرالدينى والثقافي، من خلال تعميق الدراسات اللاهوتية، وتفعيل اللقاء بينالإيمان والمعرفة فى العالم المعاصر.

89.jpg
الزميلة ريم مختار تحاور إيمانويل بيزانى

■ لماذا يرأس معهد الدومنيك فرنسيون؟

 الفكرة أنه لا بُد أن ندرس الفلاسفة من الإسلام فى القرن الوسيط،لأنهم مصادر اللاهوت فى القرن الـ١٣.

والحقّ أنّه لم يكن هناك دائمًا فرنسيون على رأس المعهد. فالأب عَنواتىكان مصريًا، لكنّه كان ينتمى إلى الإقليم الدومينيكى الفرنسي، وهوالمسئول عن دير القاهرة، لأنّه لا يوجد عدد كافٍ من الإخوة المصريينلتكون مصر إقليمًا دومينيكيًا مستقلًّا.

■ وماذا عنك؟

أنا إيمانويل بيزاني، فرنسى الجنسية، وأعيش فى القاهرة، وأشغلمنصب مدير المعهد الدومنيكى منذ شهر يونيو ٢٠٢٠، وناقشت رسالةدكتوراه فى الفلسفة ودكتوراه قانونيّة فى اللاهوت تحت إشراف دكتورجونفييف جوبيو وميشيل يونس فى موقف أبى حامد الغزالى من الزنادقةوغير المسلمين.

90.jpg

■ ما الهدف من رهبنة الدومنيك؟

 هو معرفة الفلاسفة المسلمين لأنهم هم مصادر اللاهوت المسيحى فىالقرن الـ١٣.

شعار الدومينيكان هو «الحقيقة». لذلك أعتقد أن هدفنا هو البحث عنالحقيقة وخدمتها. ومن المهم أن نقول إننا نبحث عن الحقيقة، فهذا يعنىأننا لا نمتلكها. فعندما يظنّ الإنسان أنّه يمتلك الحقيقة، يصبح مستعدًا - باسم الحقيقة - لأن يقتل! أمّا هدف الدومينيكان فهو البحث عن الحقيقةدائمًا، بروح من السلام والأخوّة.

■ لماذا ترهبنت وأنت من دولة علمانية؟

 عندما كنت شابًا كنت أشعر بقلبى أن الله يريدنى أن أعيش حياةمقدسة. وأنا فرنسي، درست الإسلاميات من خلال الماجستير، وكان عنراهب دومنيك مؤسس للرهبنة، وقمت بالتحليل.

أما الدكتوراه، فدرست فيها حامد الغزالي. والفكرة أنى وجدت مقالاتللغزالى يتحدث فيها أن المسيحيين يمكن أن يدخلوا الجنة، ومن المستحيلأن نقول إنهم يدخلون النار، ورحمة الله واسعة. وأنا أحب هذه الفكرة: أنناندخل الجنة لأن بابها مفتوح لكل الناس. ولذلك كانت الفكرة أن أدرس الغزالي.

91.jpg

■ ما رأيك فى الإسلام؟

 الإسلام دين يضع الله فى قلب حياة المؤمن. هو دين يقوم على تمجيدالله، وتبريكه، وشكره على كل شيء، وبالطبع عبادته.

الإسلام دين يؤمن بأن الله يأتى ليمدّ يد العون للإنسان، وينير له الطريق،ويمنحه النور ليهديه فى حياته. فالإنسان ليس وحيدًا فى هذا الكون، واللهيهتم بالإنسان، ويتركه حرًّا، مما يجعل الإسلام دين حرية.

■ كم عدد الرهبان على قوة الدير؟

 نحن ثمانية إخوة: أربعة فرنسيّون، وإلى جانبهم مصرى ولبنانىوبرازيلى وكونغولي. حاليًّا، نستضيف ستّة إخوة طلّاب قادمين منمختلف أنحاء العالم، من أجل التعرف على اللغة العربية والتعرف علىمبادئ الإسلاميات.

ويسرنى كثيرًا أن أرافقهم فى زيارة مساجد القاهرة الإسلامية، وحضورالصلاة الإسلامية، واكتشاف واقع التصوف فى مصر، وعبور المقابرومشاهدة بعض الأضرحة فيها، وعبور قرون من التاريخ.

■ هل هناك رسائل علمية عن السيرة النبوية؟

 حاليًا، لا يعمل باحثو معهدنا على السِّيرة النبوية. هناك إخوة يعملونعلى ابن تيمية، وابن سينا، وسيبويه، وآخرون يشتغلون على الشيعة،وغيرهم على الإسلام المعاصر. أما أنا شخصيًا، فقد انتهيت للتوّ منكتابة مقال عن علم الكلام الجديد، كما يطرحه مفكّر عراقى يُدعى عبدالجبّار الرفاعي. سيكون هذا أول مقال باللغة الفرنسية يتناول هذا المفكرالذى لا يُعرف إطلاقًا فى أوروبا. وهذه أيضًا رسالتنا: التعريف بالمفكّرينالمعاصرين وبناء جسور بين الثقافات والقارات.

93.jpg

■ لماذا عددكم أقل من رهبان الفرنسيسكان مثلًا؟

- الرهبان الفرنسيسكان لهم تقليد عريق فى الحضور بمصر منذ زمنطويل. وهم يعملون مباشرةً من أجل المسيحيين فى مصر. أما الشبابالذين يشاركون فى أنشطتهم، فقد يرغب بعضهم فى أن يصبح راهبًافرنسيسكانيًا. أمّا نحن، فلا نعمل مباشرةً مع المسيحيين، بل أولًا معالباحثين فى التراث الإسلامي، وغالبية هؤلاء - كما هو متوقع - منالمسلمين.

■ كيف تتناولون وتصلّون وأنتم ليس لديكم كنيسة؟

ليس جميع الإخوة فى دير القاهرة من أعضاء معهد الدومينيكان. وبعبارة أخرى، إذا كنا نلتقى ثلاث مرات فى اليوم فى الكنيسة للصلاة،فإنّ بعضنا يقوم بأنشطة مختلفة، مثل العمل مع رعية قبطية كاثوليكية. لكن هذا أمر نادر جدًّا. فعادةً نحن إمّا باحثون أو طلّاب.

■ ما طبيعة المكتبة لديكم.. فطلاب الأزهر يأتون إليها.. فما المميز لديكم؟

 إنها مسألة مهمّة جدًّا. لماذا أُنشئت أكبر مكتبة عن التراث الإسلامىعلى يد الإخوة الدومينيكان، أى على يد مسيحيين؟ أعتقد أنّنا نجد مفتاحالجواب فى «وثيقة الأخوّة الإنسانية» التى وقّعها البابا فرنسيس والشيخأحمد الطيب عام ٢٠١٩ فى أبو ظبي. هذه الوثيقة تتحدّث عن الحوار بينالأديان، ولا يمكننا أن نتحاور من دون معرفة الآخر.

وهذا أمر صحيح إلى درجة أنّنا أنشأنا هذه المكتبة لكى نتعرّف علىتاريخ الإسلام، وكذلك على عقائده ومدارسه وأُسسه. وهذا هو التحدّىالحقيقي: المعرفة، لأنّه من دون المعرفة لا يمكننا أن نحبّ حقًّا.

94.jpg

■ ما الذى يميز مصر فى طقوسها عن مسلمين آخرين؟

 كل بلد له تعابير دينية مختلفة، وهذا مرتبط بالتاريخ وبالتعلق ببعضالشيوخ. أرى بوضوح أهمية التصوف فى مصر، فمولد الحسين احتفالمذهل. ورمضان أيضًا شديد الطابع الاحتفالي. الإسلام الشعبى فىمصر هو إسلام تعبيري، فرِح، حى جدًّا، وأعتقد أيضًا أنه منفتح جدًاعلى الأجانب. لقد عشت تجارب رائعة من هذا الانفتاح ومن الدعواتالحارة.

■ ما رأيك فى الأزهر الشريف كمنارة إسلامية؟

 بالنسبة لنا، الأزهر هو الجامعة التى تخرج المتكلمين والأئمة، وهىالجامعة التى تعمل على التراث الإسلامي، ولذلك فمن الطبيعى تمامًا أننتعاون معهم. هذا أمر بديهي، ونحن سعداء جدًا بأننا نستطيع تنظيمندوات وحلقات نقاش ومؤتمرات نشارك فيها باحثين أو أساتذة منالأزهر.

هذه الروابط الوثيقة ليست جديدة، فحين كان أحمد الطيب طالب دكتوراه،كان يرتاد مكتبتنا، وقد ربطته علاقة صداقة بالأب عنواتي، مؤسسنا،الذى كان يتيح له الوصول إلى المكتبة ويواكبه فى أبحاثه.

■ كيف ترى الخطاب الديني؟

 من تجربتي، أرى أننا دائمًا نقول الأزهر، الأزهر.. ولكن ما هو الأزهر؟ومن علماؤه ومن تجربتي، الأزهر لا توجد به مقارنات، ويوجد به حركاتكثيرة: صوفيون، إخوان، سلفيون.. ولا أحد يعرف كل ذلك وهذا مهم.

وقبل العمل مع الأزهر، كنت أعتقد أنه مذهب واحد. لكن بعد العمل معه،اتضح أنه يضم كثيرًا من المذاهب.

وكان الله فى عون أحمد الطيب بعد كل هذا التعدد فى الأزهر وبالنسبةلي، ليس هناك مشكلة فى هذه الحركات الكثيرة، لكن بالنسبة للإمام،أجد هذا صعبًا عليه. ولأنه متعمق ومطلع، فهو وسيط، وكلماته ممتازة،وهو شخصية روحية.

■ كيف ترى معاملة الإمام الطيب مع المسيحيين؟

 عندما كان البابا بنديكتوس، كانت العلاقة سيئة. البابا فرنسيس كانيريد علاقات قوية، عميقة، وجيدة مع الأزهر وعندما عرف الإمام الطيببذلك، قام بدعوة بعضهم لتبادل الزيارات والبابا فرنسيس كان بسيطًا،وعرف كيف يتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي. والإمام الطيبشخص روحى جدًا، مثل البابا فرنسيس.

■ كيف ترى المسيحيين فى فلسطين وسوريا؟

 التاريخ سوف يُكتب، ولأولادنا فى المستقبل سوف يُحزنون منه وعندمانرى فى فلسطين من عنف، والأطفال يموتون من الجوع، لا نفعل شيئًا.. فقط كلام، كلام، كلام. ولا يوجد فعل والدين فى المستقبل سيكون صعبًا،لأننا لسنا على المستوى عندما نرى ما يحدث لنفعل شيئًا.

95.jpg

■ كيف ترى هذه الحرب تنتهي؟

 أرى أن السياسيين يجب أن يتحركوا بالفعل لتحقيق العدل ولا توجدإرادة عميقة لوقف هذه الحرب. لا بُد من وجود قوة ردع لإسرائيل وأرىدولًا تدين إسرائيل، وهذه خطوة جيدة.

■ كيف ترى المسيحيين فى مصر؟

 كإخوة دومينيكان وباحثين فى علم الإسلاميات، لا نلتقى كثيرًابالمسيحيين المصريين. لكن بالطبع، نحن نشارك أيضًا فى الأعيادالمسيحية، ونحب أن نتزاور.

ومع الأقباط الأرثوذكس، ليست لدينا علاقات كثيرة، لكننا نحظى دائمًاباستقبال حار. فى شهر مارس الماضي، ذهبتُ لزيارة البابا تواضروسلأهديه سيرة الأب قنواتي. كان الاثنان قد تعارفا، وكلاهما درس الصيدلة. وعندما تحدّثنا عن الأب عنواتى وتجاربِه فى غرفته، ضحكنا كثيرًا.

■ كيف ترى فضيلة الامام الأكبر الشيخ أحمد الطيب؟

 فضيلة الإمام الأكبر سبق وأن قال إن الأزهر حريص على التبادلالعلمى مع جميع المؤسسات والمعاهد العلمية حول العالم، لتحقيقالاستفادة المتبادلة فى شتى العلوم والمعارف.

وشدد على اهتمامه الكبير بأن ينفتح طلاب الأزهر الشريف، وبخاصةطلاب الكليات الشرعية مثل كليات أصول الدين والشريعة والقانون واللغةالعربية وغيرها على المؤسسات التعليمية والعلمية فى الغرب، عبر إعدادبرامج التبادل العلمى التى تساعد على تحقيق الأهداف المرجوة.

وأكد فضيلته أن الأزهر مؤسسة علميةٌ عريقة لها قبول واسع عالميًا بصفتهمرجعية علمية رصينة ومؤسسة دينية وسطية لها رسالة عالمية جوهرهاتقديم الصورة الصحيحة للإسلام فى العالم وتعزيز قيم التسامحوالتعايش والحوار.

وأنا أشعر بسعادة كبيرة بلقاء فضيلة الإمام الأكبر بصفته أكبر رمز دينىفى العالم الإسلامي، وأود وأحرص من خلال المعهد على التعاون معالأزهر الشريف لتحقيق التقارب والاستفادة من الخبرات العلمية الكبيرةللأزهر الشريف.

88.jpg
إيمانويل بيزانى

إيمانويل بيزانى فى سطور

ولد إيمانويل بيزانى عام ١٩٧٢ فى فرنسا، وتخصص فى الدراساتالإسلامية واللاهوت، ليصبح أحد الوجوه البارزة فى الحوار بين الأديان.

منحته رؤيته العميقة وفكره المتزن جائزة محمد أركون فى عام ٢٠١٤، عنأطروحته حول الإمام الغزالى ونظرته للمبتدعين وغير المسلمين.

لم يكن اختياره للرهبنة تقليديًا، بل نابعًا من قناعة قلبية بضرورة العيشفى قداسة، ومن رغبة صادقة فى الاقتراب من الآخر، من المسلم، منالمختلف، من الآخر، الذى كثيرًا ما يُساء فهمه فى الغرب.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق إعلان نتيجة مسابقة أفضل كلية صديقة للبيئة بجامعة القاهرة
التالى وكيل الأوقاف بكفر الشيخ يهنئ "طلحة" على تولي منصبه الجديد