لحظات إنسانية لم تنفصل عن شخصية السياسي البارز
تبدأ مسيرة الحياة وتنتهي في لحظات نحسبُها عُمرًا طويلًا، لكنَّها الومضة التي تمرّ ويكأنَّه حُلم، تلك هي الحياة وهذه هي الدنيا التي يعيشها الإنسان مسيرةً ومسارًا، الدكتور علي المصيلحي، السياسي البارز والوزير الذي قاد منظومة التموين نحو مرحلة من نضج التعاطي مع منظومة الدعم وتطوير العمل في هذا الاتجاه، وانتهت اليوم بختام مُتوَّج بإرادة قوية تليق بشخص جمع الصلابة العسكرية والحكمة الأكاديمية والمهارة الحكومية.

بداية فصل مؤلم في حياة سياسي بارز
وفاة الدكتور علي المصيلحي في 12 أغسطس 2025، غاب عن مصر واحد من أبرز وجوهها السياسية والإدارية، الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق، بعد مسيرة امتدت عقودًا في خدمة الوطن. غير أن الأشهر الأخيرة من حياته لم تكن كسابقتها، إذ شهدت مواجهة شرسة مع مرض سرطان الرئة، مواجهة امتزجت فيها المعاناة بالأمل، والألم بالصبر.
صداع غامض يكشف المستور
بدأت القصة في أواخر أكتوبر من العام الماضي، حين أصيب المصيلحي بصداع غير مألوف. نصحه أحد أقاربه بتناول مسكن بسيط، لكنه لاحظ أن شيئًا ما ليس على ما يرام، خاصة مع تغيّر ملامح وجهه وفقدان اتزانه. كان اللقاء مع الدكتور أحمد جميل الشرقاوي، أستاذ الجراحة بالقصر العيني، بداية سلسلة من الفحوص التي ستغير مجرى حياته.
التشخيص الصادم
أظهرت الفحوص الأولية وجود رشح في المخ وضغط على الجمجمة، لكن الصدمة الكبرى جاءت عندما كشفت الأشعة عن ورم في الفص الأيمن من الرئة، امتدت آثاره إلى الدماغ. وبعد أخذ عينة من الغدد الليمفاوية، تأكدت إصابته بسرطان الرئة المتقدم، وهو ما استدعى خطة علاجية عاجلة تعتمد على الكيماوي، بواقع 6 جلسات، تفصل بينها ثلاثة أسابيع.
معركة الكيماوي.. صبر وإيمان
لم تكن الجلسات سهلة، فقد روى المصيلحي تفاصيل معاناته مع العلاج الكيماوي بصراحة: الغثيان المستمر، فقدان الشهية، انعدام الطعم، وضعف المناعة، خاصة في الأيام الأولى من كل دورة علاجية. ومع ذلك، لم يعرف الاستسلام، وكان يردد بثقة: "ربنا كريم". ومع كل فحص جديد، كان الأطباء يندهشون من التحسن الذي يحققه، وكأن إرادته كانت تتحدى التشخيص الطبي.
ظهور أخير يلامس القلوب
في إحدى الأمسيات الدينية بمسقط رأسه أبو كبير، ظهر المصيلحي بملامح متعبة وكمامة طبية، فاجأ بها الحاضرين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي. كثيرون لم يتعرفوا عليه للوهلة الأولى، لكن حين عرفوه، علت مشاعر التعاطف والدعاء. بدا الرجل وكأنه يودع الناس بهدوء، وهو يحمل في عينيه قصة كفاح لا تنكسر.

هكا بدأت القصة “قصة حياة الدكتور مصيلحي كاملة” منذ ولادته عام 1949 في مركز أبو كبير بمحافظة الشرقية، ثم تخرجه في الكلية الفنية العسكرية عام 1971، ثم حصوله على الماجستير من جامعة Paris VI عام 1977 والدكتوراه من “Ecole Poly Technique” بباريس عام 1980 في تصميم الدوائر المصغرة باستخدام الحاسبات؛ لتبدا مسيرته العملية التب تنتهت بارتقاءه نحو المناصب الوزراية التي نجح فيها بإسهام طوَّر من منظومة الدعم، وتعزيز الأمن الغذائي، وضمان توافر السلع الاستراتيجية، وإدارة أزمات السوق بحكمة وشفافية.
إرادة تنتصر ومسيرة تبقى
قد يكون المرض قد أوقف نبض الجسد، لكن إرادة علي المصيلحي لم تنكسر، ومسيرته السياسية والإدارية بقيت خالدة في ذاكرة الوطن. فقد رحل الرجل، لكن بقيت سيرته شاهدة على أن الشجاعة في مواجهة المرض، والصدق في خدمة الناس، هما الانتصار الحقيقي. هكذا، انتصر المصيلحي في معركته الأخيرة، ليس على السرطان فحسب، بل على النسيان، تاركًا إرثًا يروي للأجيال حكاية رجل صنع بصمته وبقي أثره رغم فناء الجسد.