صوم العذراء يحتل مكانة لدى الكنائس الأخرى، وإن اختلفت المدة والتوقيت، يصومه الروم الأرثوذكس لمدة 15 يومًا، كما في الكنيسة القبطية، بينما يكتفي السريان والأرمن الأرثوذكس بخمسة أيام، ويصوم الكلدان الكاثوليك يومًا واحدًا، في حين يصوم الروم الكاثوليك يومي الجمعة بين 1 و14 أغسطس من كل عام.
ويختتم الصوم في يوم 22 أغسطس، الذي يحتفل فيه بـ"عيد صعود جسد السيدة العذراء"، حيث تعم الفرحة أرجاء الكنائس، وتقام القداسات الاحتفالية، وتزين المذابح بالأيقونات والورود، في مشهد مهيب يجسد حب الأقباط للعذراء، وتقديرهم لسيرتها الطاهرة التي تُمثل نموذجًا للقداسة والتسليم.
السيدة مريم العذراء
وفي القرآن الكريم، خصت السيدة مريم بسورة كاملة تحمل اسمها، وهي السيدة الوحيدة التي سُمّيت سورة باسمها، دون سائر النساء، وهو ما يعكس تقديرًا إلهيًا فريدًا لشخصها وسيرتها، ولم يكتفِ النص القرآني بذلك، بل ذكر اسم "مريم" نحو 34 مرة في 12 سورة مختلفة، منها 11 مرة بالحديث المباشر عنها، و23 مرة بالإشارة إلى عيسى ابن مريم عليه السلام.
وفى سورة آل عمران، يعلو شأن العذراء البتول بكلمات ربانية جليلة: "وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ"، هكذا رفع الإسلام مقامها، واصطفاها الله من بين النساء، فكانت رمز الطهر، وسيدة نساء العالمين، وقدوة للعبادة والخشوع واليقين.
ويجمع الإسلام والمسيحية على تبجيل العذراء، من خلال معجزات ثلاث خالدة: قصة حملها بعيسى دون أب، ونطقه في المهد، ومعجزاته الباهرة، حيث تسرد سورة مريم – من الآية 16 حتى 40 – تفاصيل التجربة الروحية والمكانية لميلاد المسيح، بدءًا من اعتزالها في مكان قصيّ للعبادة، وصولًا إلى لحظة الوضع تحت جذع نخلة، التي هزّتها لتساقط عليها الرطب، في واحدة من أكثر مشاهد القرآن إنسانيةً وجلالًا.
وفى ذروة معاناتها، حين اتهمها قومها، لم ترد عليهم، بل أشارت إلى ابنها الرضيع، الذي خاطبهم معرّفًا بنفسه: "قال إني عبدُ الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًا"، ولا تتوقف إشارات القرآن الكريم إلى مريم في سورة مريم فقط بل تمتد لتشمل سورًا أخرى مثل الأنبياء، آل عمران، المائدة، والتحريم، مما يعكس عمق الحضور القرآني للعذراء، ويكرّسها كجسر روحي بين الديانتين.
ومن هنا، فإن صوم العذراء، وإن كان شعيرة مسيحية، إلا أن روحها تجد صدى في قلوب المسلمين، الذين يرون في مريم قدوة في الطهر، والإيمان، والصبر. فهى المرأة التى جعلها الله وابنها «آية للعالمين»، كما في قوله تعالى: "وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ" – (الأنبياء: 91).