أخبار عاجلة

المناظرات الإسرائيلية.. والاستعراض الأحمق

المناظرات الإسرائيلية.. والاستعراض الأحمق
المناظرات الإسرائيلية.. والاستعراض الأحمق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المشهد بات مثيرا للغثيان، شاشة تليفزيونية، مذيع يتصنع الوقار، ضيف إسرائيلي يمنح الوقت والهدوء، وضيف مصري أو عربي غالباً لا يمتلك إلا الصراخ والتشنج وكلمات مرسلة لا تسمن ولا تغني من فهم، ثم تسوق الفوضى تلك على أنها مناظرة، وعلى أنها قمة التحليل السياسي، الحقيقة أنها ليست سوى مسرحية سمجة، إخراجها رديء، وتمثيلها أكثر رداءة، وأبطالها للأسف يطلون علينا وهم في قمة الثقة، وكأنهم أنجزوا فتحاً إعلامياً عظيماً، بينما هم في الواقع يجسدون أسوأ صور الجهل والاستعراض الرخيص.

المناظرات مع الإسرائيليين على الهواء ليست إلا نسخة معاصرة من تبييض الاحتلال بأدوات عربية، لا يطلب من الضيف الإسرائيلي سوى أن يتحدث بلغة رتيبة هادئة مدعمة بأكاذيب تاريخية ومغالطات مدروسة، في حين يترك الضيف العربى في مواجهة كاميرات عالية الدقة تفضح جهله، وضعف منطقه، وضحالة معرفته، وكأن المطلوب فقط أن يكمل ديكور المشهد: عربي يصرخ، إسرائيلي يبتسم، ومذيع يتظاهر بالحياد... ثم يقال للناس: هذا هو الحوار الحضاري، لكنها ليست مناظرة، بل فضيحة على الهواء.

بعيدة عن التحليل السياسي

المؤسف أن بعض القنوات تتعامل مع هذه المهزلة باعتبارها قيمة مضافة، بينما هي علمياً ومنهجياً، تعد أحد أخطر أشكال التطبيع الإعلامي الناعم، إذ تقدم المحتل كطرف شرعي له رواية تستحق الاستماع والاحترام، في الوقت الذي تطمس فيه جرائمه اليومية على الأرض.. إنها ليست مجرد مخالفة أخلاقية، بل خيانة لمبادئ التحليل السياسي نفسه، الذي لا يقبل المساواة بين الضحية والجلاد، أما من يظهرون في هذه المناظرات، فهم بكل صدق لا يملكون أدنى أدوات الحوار: لا قاعدة معرفية، ولا قدرة تحليلية، ولا حتى حد أدنى من اللياقة المهنية، مجرد أصوات عالية، وانفعالات فارغة، ونبرات استعلاء تخفي خواء فكريا مرعبا.

يكاد المشاهد يتساءل: من الذي اختار هؤلاء؟ ومن أقنعهم أنهم يصلحون لتمثيل أمة في مواجهة ماكينة دعائية صهيونية مدربة؟ هل هي صدفة أن يتكرر نفس النمط في كل مرة؟ أم أن المطلوب هو بالضبط هذا المستوى من التفاهة الموجهة، بحيث تفقد القضية وزنها، وتتحول إلى عرض تليفزيوني قابل للهضم والتعود؟ المؤكد أن ما يجري لا علاقة له لا بالتحليل السياسي، ولا بالدفاع عن قضية، بل هو ببساطة سيرك تليفزيوني مدفوع الثمن، والمشاركون فيه لا يرقون حتى إلى مرتبة الكومبارس.

مشهد لا يستقيم مع المنطق

وحتى لا يقال إن النقد بدافع الحسد أو الغيرة من السادة المحللين الجدد، أؤكد أن الغيرة لا تكون من أناس لا يملكون شيئاً يحسدون عليه، فالحسد يفترض وجود قيمة، وهؤلاء لا يملكون إلا الجهل المعلن والضعف المتلفز، إن ما يقال هنا ليس انفعالاً عاطفياً، بل هو نقد علمي لمشهد عبثي لا يستقيم مع أي منطق مهني أو وطني، فالإعلام ليس صراخاً، والتحليل ليس انفعالاً، والمناظرة ليست تسلية، وأي قناة تروج لذلك إنما تشارك عن قصد أو جهل في تحطيم صورة الوعي العربي أمام خصم يملك أجندة ويتقن أدواته جيدًا.

فكرة المناظرة في حد ذاتها تفترض تكافؤًا نسبياً في الخبرة والمعرفة والمنطق، بينما ما يبث على الشاشات هو أقرب إلى عرض مسرحي هزلي، تتحول فيه القضايا الكبرى إلى مشاجرات كلامية لا ترقى حتى لمستوى الحوار الشعبي في المقاهي.

من الناحية المنهجية، يتم انتقاء الضيوف بناء على قدراتهم التمثيلية لا الفكرية، وعلى قدرتهم على "الصراخ الوطني" لا التحليل الموضوعي، أما من الناحية السياسية، فالمشاركة في هذه المناظرات تمثل تكريساً للتطبيع المجاني والاعتراف بالكيان المحتل في الفضاء العام، تحت غطاء الدفاع عن الوطن، والأسوأ أن بعض المشاركين من الجانب العربى يجهلون التاريخ والجغرافيا واللغة السياسية، بينما يتم تقديم الطرف "الإسرائيلي" كند متماسك يحفظ الأرقام والمعلومات بدقة.

في النهاية، قد يضحك العدو من فرط البلاهة التي تقدم له على طبق من ذهب، لكن من حقنا نحن أن نحزن، وأن نغضب، وأن نفضح هذا العبث، لأننا نحترم عقولنا وقضايانا أكثر من أن نسمح لجهلة أن يتحدثوا باسمنا وهم لا يعرفون حتى كيف ينطقون اللغة العربية بشكل صحيح.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الكرة النسائية.. سموحة يتعادل سلبيا مع اتحاد بسيون وديا
التالى وزير البترول: مجمع شركة البحر الأحمر الوطنية ...