أخبار عاجلة

مفاوضات الجولاني و"قسد".. بين فرص الاستقرار واحتمالات التحالفات المضادة

مفاوضات الجولاني و"قسد".. بين فرص الاستقرار واحتمالات التحالفات المضادة
مفاوضات الجولاني و"قسد".. بين فرص الاستقرار واحتمالات التحالفات المضادة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، برزت المفاوضات بين أحمد الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني وقائد هيئة تحرير الشام، وبين قوات سوريا الديمقراطية بقيادة مظلوم عبدي، كأحد أكثر الملفات حساسية وإثارة للجدل في الساحة السورية. هذه المفاوضات ليست مجرد لقاءات سياسية عابرة، بل هي محاولة لإعادة صياغة المشهد السوري برمته، من خلال إيجاد صيغة للتعايش بين قوتين كانتا على طرفي نقيض طوال سنوات الصراع، سواء على المستوى الأيديولوجي أو العسكري.

تأتي هذه المحادثات في ظل واقع سوري جديد، يتسم بانهيار الهياكل المركزية للسلطة، وبروز سلطات أمر واقع متوزعة بين مناطق النفوذ المختلفة. هيئة تحرير الشام، ذات المرجعية الإسلامية المتشددة، تسيطر على أجزاء من الشمال الغربي، بينما تمسك قوات سوريا الديمقراطية، ذات الطابع الكردي المتعدد المكونات، بمساحات واسعة من الشمال والشرق السوري. أي تفاهم بين الطرفين قد يشكل خطوة مفصلية نحو إعادة توحيد البلاد تحت إطار سياسي وعسكري مشترك.

لكن الطريق إلى هذا التفاهم محفوف بالتحديات، إذ أن الخلافات الأيديولوجية بين الطرفين عميقة. الجولاني يسعى لترسيخ نموذج حكم ديني مستند إلى الشريعة كما يفسرها، في حين تطرح قسد مشروعًا يقوم على العلمانية وضمان الحقوق المتساوية للمواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو القومية. هذا التباين الجذري يجعل من الصعب التوصل إلى صيغة حكم ترضي الطرفين، خاصة في ظل انعدام الثقة المتراكم من سنوات الصراع المسلح والمواجهات المباشرة.

إلى جانب الخلافات الداخلية، تلعب العوامل الإقليمية والدولية دورًا مؤثرًا في مسار هذه المفاوضات. التدخل التركي، الذي يرفض أي نفوذ كردي في سوريا، يشكل ضغطًا مستمرًا على مسار التفاهمات، في حين تحاول أطراف أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة لعب دور الوسيط أو الضامن. في هذا السياق، يبدو أن نجاح المفاوضات يتطلب ليس فقط توافقًا سوريًا داخليًا، بل أيضًا إدارة دقيقة لتوازنات القوى الخارجية التي ترى في سوريا ساحة لتصفية حساباتها الاستراتيجية.

أبرز المحطات

في يناير 2025، شهدت العاصمة دمشق لقاءً هو الأول من نوعه بين وفد من قوات سوريا الديمقراطية وأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) قائد هيئة تحرير الشام. حمل هذا الاجتماع طابعًا إيجابيًا في بدايته، حيث ناقش الطرفان قضايا محورية مثل مستقبل الإدارة السياسية والأمنية في المناطق التي يسيطران عليها. غير أن المفاوضات تعثرت سريعًا عند نقطة حساسة تتعلق برمزية العلم الكردي، إذ تمسكت قسد بحقها في رفعه في مناطق نفوذها، بينما رفض الجولاني ذلك رفضًا قاطعًا، معتبرًا أن هذا الرمز يهدد وحدة الهوية السورية التي يسعى لترسيخها وفق رؤيته.

وفي 10 مارس 2025، جاء الإعلان عن اتفاق وُصف بـ"التاريخي" بين الطرفين، تضمن ثمانية بنود أساسية، أبرزها وقف إطلاق النار ودمج قوات قسد ضمن الجيش السوري، إلى جانب ضمان الحقوق الثقافية للأكراد. هذا الإعلان أثار موجة من الاحتفالات في مناطق الجزيرة السورية، حيث اعتبره السكان خطوة نحو الاعتراف بهويتهم وحقوقهم. إلا أن الاتفاق فتح أيضًا بابًا واسعًا للجدل، خاصة فيما يتعلق بملفات حساسة مثل إدارة موارد النفط، وتقاسم العائدات، والسيطرة على سجون تضم عناصر من تنظيم داعش.

بعد ذلك بأيام، وتحديدًا في 19 مارس 2025، عقد اجتماع آخر في مدينة الحسكة بين قائد قسد مظلوم عبدي ولجنة تفاوضية من هيئة تحرير الشام. ركز هذا اللقاء على وضع آليات عملية لتطبيق الاتفاق السابق، وخلص إلى اتفاق على تشكيل لجان تخصصية تتولى بحث خطوات الدمج التدريجي للقوات والإدارات، بما يضمن تقليل الاحتكاك الميداني وتجاوز العقبات الإجرائية. ورغم الأجواء الإيجابية التي سادت، ظل غياب الثقة المتبادلة هاجسًا يطغى على أجواء الحوار.

وبالنظر إلى العقبات التي واجهت المفاوضات السابقة، اتجهت الأنظار إلى جولة جديدة مرتقبة في يوليو 2025 في العاصمة الفرنسية باريس، برعاية رسمية من الحكومة الفرنسية. يُتوقع أن تركز هذه الجولة على معالجة القضايا العالقة، لا سيما تقاسم الثروات النفطية وصيغة الدمج العسكري، إضافة إلى بحث الضمانات الدولية لتنفيذ أي اتفاق مستقبلي. وتُعتبر هذه الجولة فرصة حاسمة لاختبار مدى جدية الطرفين في الوصول إلى تسوية شاملة، بعيدًا عن الضغوط الميدانية والإملاءات الإقليمية.

نقاط الخلاف الجوهرية

تمثل نقاط الخلاف الجوهرية بين هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) وقوات سوريا الديمقراطية بقيادة مظلوم عبدي العقبة الأكبر أمام إنجاح المفاوضات الجارية، إذ تكشف هذه الخلافات عن تباين عميق في الرؤى حول شكل الدولة السورية المقبلة وطبيعة نظامها السياسي وآليات إدارة مواردها. وتشمل هذه القضايا الحساسة ملفات الدمج العسكري، وتوزيع الثروات، ومستوى الصلاحيات الإدارية للمناطق، فضلًا عن هوية الدولة وأسس حكمها، ما يجعل أي اتفاق مستقبلي رهنًا بقدرة الطرفين على تقديم تنازلات مؤلمة وتجاوز إرث طويل من عدم الثقة والصراع المسلح.

يمثل ملف الدمج العسكري أحد أكثر القضايا حساسية في المفاوضات بين الطرفين. فالجولاني يصرّ على حل قوات سوريا الديمقراطية بشكل كامل، بحيث يتم إدماج مقاتليها كأفراد في صفوف الجيش السوري تحت قيادة موحدة، دون أن تحتفظ أي قوة بخصوصيتها التنظيمية أو قيادتها المستقلة. ويرى الجولاني أن وجود كيان عسكري مستقل، حتى لو كان ضمن إطار الجيش، يشكل تهديدًا لسلطة الدولة الموحدة التي يسعى لتأسيسها، ويترك الباب مفتوحًا أمام احتمالات الانقسام أو العصيان المسلح في المستقبل.

في المقابل، تتمسك "قسد" بالاحتفاظ بكيانها العسكري المنظم، على غرار فيلق أو فرقة خاصة داخل الجيش السوري، مع الحفاظ على قيادتها وهيكلها الداخلي إلى حد كبير. وتبرر هذا الموقف بأن قواتها بُنيت على مدى سنوات من القتال ضد داعش وغيره من الخصوم، وتتمتع بخبرة تنظيمية وميدانية يصعب تعويضها. كما ترى أن حلها بالكامل قد يعرّض أمن مناطقها للانهيار، خصوصًا في ظل وجود تهديدات من تنظيمات متطرفة ومن القوات التركية على الحدود.

توزيع الثروات

يشكل النفط والموارد الطبيعية محورًا اقتصاديًا رئيسيًا للخلاف. فقد اقترح الجولاني توزيع عائدات النفط بنسبة 80% لصالح هيئة تحرير الشام، مقابل 20% فقط للإدارة الذاتية الكردية. ويبرر هذا الطرح بأن معظم البنية التحتية النفطية تقع في مناطق ستخضع لسلطته المباشرة بعد أي اتفاق، وأنه يتحمل العبء الأكبر في إعادة الإعمار وتمويل مؤسسات الدولة المركزية. كما يرى أن هذه النسبة ستضمن تمويلًا كافيًا لبناء الجيش وتثبيت الأمن على المستوى الوطني.

غير أن هذا المقترح قوبل برفض قاطع من جانب "قسد"، التي تصر على مبدأ المناصفة (50% لكل طرف) في تقاسم العائدات، باعتبار أن مناطقها هي التي تنتج معظم النفط السوري، وأن سكان هذه المناطق يجب أن يستفيدوا من مواردهم بشكل عادل. كما تخشى قسد من أن يؤدي حرمانها من الموارد إلى إضعاف قدراتها على إدارة شؤونها المحلية وتقديم الخدمات، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي ويعزز النزعات الانفصالية.

تعتبر الإدارة اللامركزية نقطة جوهرية في رؤية "قسد" لمستقبل سوريا. فهي تطالب بمنح مناطقها صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والأمنية، بما يشمل سلطة التشريع المحلي وإدارة الموارد والتعليم والثقافة. وترى أن هذا النموذج سيسمح بحماية التنوع العرقي والثقافي في شمال وشرق سوريا، ويقلل من احتمالات الصراع على السلطة المركزية. كما تعتبر أن التجربة السابقة للإدارة الذاتية أثبتت قدرة المجتمعات المحلية على إدارة نفسها بفعالية.

في المقابل، تميل دمشق، ومعها الجولاني، إلى نموذج حكم مركزي قوي، يمنح بعض الحقوق الثقافية والاجتماعية للأكراد وبقية المكونات، لكنه يحتفظ بالقرار السيادي والسياسي والاقتصادي في يد الحكومة المركزية. ويستند هذا الموقف إلى مخاوف من أن يؤدي منح صلاحيات واسعة للمناطق إلى تقويض وحدة الدولة وفتح الباب أمام مشاريع انفصالية، خصوصًا في ظل وجود دعم خارجي لبعض القوى المحلية.

هوية الدولة

يمتد الخلاف إلى الأسس الفكرية والسياسية التي ستقوم عليها الدولة السورية الجديدة. "قسد" تصر على تبني نموذج علماني يقوم على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس، وهو ما تعتبره الضمانة الوحيدة لحماية التعددية وحقوق الأقليات. وترى أن أي نظام يقوم على هوية دينية سيفتح الباب أمام التمييز والإقصاء، مما قد يؤدي إلى عودة الصراعات الطائفية والعرقية.

أما الجولاني، فيرفض بشكل قاطع فكرة العلمانية، ويصر على أن تكون الدولة مستندة إلى الشريعة القاعدية التي تمثل أساس مشروعه السياسي والفكري. ويرى أن تطبيق الشريعة هو السبيل الوحيد لضمان العدالة وحماية المجتمع من الانحرافات الفكرية والثقافية. هذا الإصرار على هوية دينية للدولة يجعل التفاهم مع "قسد" صعبًا، خاصة وأنه يتعارض بشكل مباشر مع رؤيتها لسوريا المستقبل.

 

التحديات الإقليمية والدولية

تشكل التحديات الإقليمية والدولية أحد أهم العوامل المؤثرة في مسار المفاوضات بين هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية، إذ لا يقتصر الأمر على الخلافات الداخلية بين الطرفين، بل يمتد إلى شبكة معقدة من المصالح والحسابات التي تحملها القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف السوري. فكل طرف خارجي ينظر إلى هذه المفاوضات من زاوية أمنه القومي أو مشروعه السياسي في المنطقة، وهو ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى أي محاولة للوصول إلى اتفاق شامل ومستدام.

تركيا:

تركيا تعد أبرز المعارضين لأي تفاهم يفضي إلى تعزيز نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، إذ ترى أن أي مكسب سياسي أو عسكري للأكراد في سوريا سينعكس مباشرة على وضع حزب العمال الكردستاني (PKK) داخل أراضيها، الذي تصنفه أنقرة كمنظمة إرهابية. لهذا، تعمل تركيا على استخدام أدواتها السياسية والعسكرية للضغط على هيئة تحرير الشام لعدم المضي قدمًا في أي اتفاق يمنح قسد وزنًا أكبر، بما في ذلك التهديد بعمليات عسكرية جديدة في شمال سوريا.

كما أن الموقف التركي يتغذى على مخاوف أمنية عميقة الجذور، إذ ترى أن وجود كيان كردي شبه مستقل على حدودها الجنوبية يشكل تهديدًا استراتيجيًا طويل الأمد. لذلك، لا تكتفي أنقرة بمعارضة هذه المفاوضات من خلف الكواليس، بل تسعى أيضًا لتأليب بعض القوى المحلية ضدها، بهدف خلق بيئة سياسية وأمنية تجعل استمرار الحوار بين قسد والجولاني أمرًا بالغ الصعوبة.

الولايات المتحدة:

الولايات المتحدة تمثل داعمًا رئيسيًا لقوات سوريا الديمقراطية منذ معاركها ضد تنظيم داعش، إلا أن هذا الدعم بات مهددًا بفعل توجهات إدارة الرئيس ترامب لسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا. هذا الاحتمال يضعف الموقف التفاوضي لقسد، إذ يقلص من قدرتها على المناورة ويجعلها أكثر عرضة للضغوط الإقليمية، خاصة من جانب تركيا.

إلى جانب ذلك، فإن التردد الأمريكي في الالتزام بخطة واضحة وطويلة الأمد في سوريا يعزز حالة عدم اليقين لدى قسد، ويجعلها مضطرة للبحث عن تفاهمات داخلية أو إقليمية كبديل عن الضمانات العسكرية والسياسية التي كانت توفرها واشنطن في السابق. هذا الغموض الاستراتيجي الأمريكي يفتح المجال أمام قوى أخرى للتأثير في مسار المفاوضات.

إسرائيل:

إسرائيل أبدت بدورها قلقًا واضحًا من أي اتفاق يمكن أن يعرقل مشروعها غير المعلن لتقسيم سوريا أو على الأقل إضعاف مركزية القرار فيها، بما يضمن استمرار هشاشتها كدولة مجاورة. وترى تل أبيب أن أي تقارب بين قسد وهيئة تحرير الشام، خاصة إذا كان برعاية دولية، قد ينتج عنه كيان سياسي أو عسكري موحد قادر على التصدي لمشاريعها في المنطقة.

إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تفضل بقاء الساحة السورية في حالة انقسام وتعدد سلطات، إذ يسهل عليها التعامل مع أطراف ضعيفة ومتناحرة، بدلًا من مواجهة سلطة مركزية قوية. لذا، قد تسعى بطرق غير مباشرة إلى تقويض هذه المفاوضات أو التأثير على مخرجاتها بما يضمن استمرار حالة التشرذم.

الدول العربية:

الدول العربية، وعلى رأسها قطر والسعودية والأردن، نظرت إلى الاتفاقات الأولية بين قسد والجولاني كخطوة إيجابية نحو الاستقرار في سوريا. فقد رحبت هذه الدول بأي مسار يحد من مخاطر التقسيم ويعيد ضبط الأمن على الحدود، خاصة في ظل تداعيات الصراع السوري على أمنها القومي.

كما أن هذه الدول ترى في نجاح المفاوضات فرصة لإعادة إدماج سوريا في محيطها العربي، وقطع الطريق على المشاريع الإقليمية المنافسة، سواء كانت تركية أو إيرانية. لكن في الوقت ذاته، يظل دعمها مرتبطًا بمدى توافق مخرجات الحوار مع مصالحها الاستراتيجية، وهو ما يجعل موقفها مشروطًا أكثر منه مطلقًا.

 

سيناريو التحالفات في حال فشل المفاوضات

في حال فشل المفاوضات بين هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية، من المرجح أن يشهد المشهد السوري إعادة تشكيل للتحالفات على أسس جديدة، تتجاوز الاصطفافات التقليدية التي سادت خلال سنوات الصراع. وأحد أبرز السيناريوهات المحتملة هو تشكّل تحالف ثلاثي يضم قوى متباينة من حيث البنية الاجتماعية والجغرافية، لكنها متفقة على هدف أساسي يتمثل في مواجهة نفوذ الجولاني ومنع سيطرة تيار ديني متشدد على مستقبل سوريا.

يشكل الطرف الأول في هذا التحالف المحتمل قوات سوريا الديمقراطية، التي تمتلك تنظيمًا عسكريًا متماسكًا وخبرة ميدانية واسعة اكتسبتها خلال معاركها ضد تنظيم داعش. موقعها في الشمال الشرقي يمنحها السيطرة على مناطق استراتيجية غنية بالموارد الطبيعية، فضلًا عن قدرتها على التنسيق مع القوى الدولية التي لا تزال حاضرة في المشهد السوري. بالنسبة لـ"قسد"، فإن الانضمام إلى تحالف أوسع سيعزز من موقعها التفاوضي في أي مرحلة لاحقة، ويمنحها عمقًا سياسيًا وأمنيًا أكبر.

الطرف الثاني يتمثل في الدروز، الذين يتركزون بشكل رئيسي في محافظة السويداء، ويتمتعون بثقل اجتماعي وسياسي معتبر في الجنوب السوري. ورغم محاولتهم البقاء على الحياد خلال معظم سنوات الحرب، فإن التهديدات الأمنية المتزايدة، إلى جانب القلق من صعود تيارات متشددة، قد تدفعهم للانخراط في تحالف يضمن حماية مناطقهم واستقلالية قرارهم المحلي. هذا الانضمام سيضيف للمعادلة قوة جغرافية مهمة على الحدود الجنوبية، ما يعقد حسابات خصومهم.

أما العلويون، فهم يشكلون الطرف الثالث في هذا السيناريو. ومن المرجح أن ينظروا إلى التحالف الثلاثي كخيار استراتيجي لضمان أمنهم الجماعي، خصوصًا إذا شعروا بأن توازن القوى في سوريا بدأ يميل لصالح الجولاني أو أي قوة سنية متشددة. موقعهم الجغرافي في الساحل السوري، إلى جانب خبرتهم في التنظيم العسكري، يجعلهم عنصرًا محوريًا في أي ترتيبات أمنية أو سياسية تهدف لحماية التنوع الطائفي.

إلى جانب هذا الثلاثي الأساسي، يمكن أن يحظى التحالف بدعم غير معلن من أطراف أخرى معارضة للجولاني، بما في ذلك شخصيات سنية رافضة لنهجه المتشدد، إضافة إلى المكونات المسيحية والتركمانية والإسماعيلية. هذه الأطراف قد ترى في التحالف أداة للحفاظ على فسيفساء المجتمع السوري ومنع فرض هوية أحادية على الدولة. ورغم أن هذا الدعم قد يظل في الخلفية، فإنه يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في ترجيح كفة التحالف سياسيًا وإعلاميًا.

المفارقة تكمن في أن المعارضة التركية، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، قد تجد نفسها أقرب إلى دعم هذا التحالف الثلاثي، رغم الموقف الرسمي لأنقرة الرافض لأي دور كردي في سوريا. دوافع هذا الموقف قد ترتبط برغبة الحزب في حماية الطائفة العلوية، التي يشكل أبناؤها نسبة بارزة من قياداته وأنصاره، إضافة إلى سعيه لإبراز سياسة خارجية مستقلة عن التوجهات الحكومية. هذا التناقض المحتمل بين الموقف الرسمي والمعارضة التركية قد يفتح مجالًا لتحالفات إقليمية غير متوقعة.

 

أثر فشل المفاوضات محليا واقليميا 

على الصعيد المحلي، فإن فشل المفاوضات بين هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية سيعيد تأجيج التوترات الميدانية ويزيد من احتمالات التصعيد العسكري في أكثر من جبهة. المناطق التي كانت قد شهدت هدوءًا نسبيًا بعد اتفاقات وقف إطلاق النار ستتحول مجددًا إلى ساحات اشتباك، خصوصًا في دير الزور، ريف حلب، والحسكة. كما أن فشل الحوار سيعزز من الانقسام المجتمعي، ويضعف الثقة الشعبية في إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية شاملة، ما قد يدفع بعض القوى المحلية إلى البحث عن تحالفات جديدة لحماية مناطقها.

اقتصاديًا، ستتأثر الموارد المحلية بشكل سلبي، خاصةً النفط والغاز في الشمال الشرقي، إذ سيعود الصراع على إدارة هذه الموارد وتقاسم عائداتها ليصبح نقطة اشتعال أساسية. عدم الاتفاق على آلية موحدة لإدارة الثروات سيؤدي إلى تفاقم الأزمة المعيشية في مناطق النزاع، وسيخلق فراغًا إداريًا قد تستغله قوى غير حكومية أو شبكات تهريب لتعزيز نفوذها.

إقليميًا، ستستفيد تركيا من انهيار المفاوضات لتعزيز استراتيجيتها القائمة على إضعاف "قسد" ومنعها من تحقيق أي مكاسب سياسية أو عسكرية. قد تصعّد أنقرة عملياتها العسكرية في الشمال السوري وتزيد من دعمها للفصائل المتحالفة معها، بهدف تقويض أي فرصة لظهور كيان كردي مستقل أو شبه مستقل. في المقابل، ستراقب دول عربية مثل قطر والسعودية والأردن المشهد بحذر، إذ أن فشل المفاوضات يعني استمرار حالة عدم الاستقرار التي تهدد أي مشاريع إعادة إعمار أو استثمار في سوريا.

دوليًا، سيؤدي الفشل إلى إضعاف المبادرات الدبلوماسية التي تقودها قوى مثل فرنسا والولايات المتحدة، وربما يدفع هذه الدول إلى إعادة تقييم استراتيجياتها في سوريا. واشنطن، على وجه الخصوص، قد تواجه معضلة أكبر في تبرير استمرار دعمها لـ"قسد" إذا غابت أي آفاق سياسية للتسوية، بينما قد تعتبر روسيا أن فشل المفاوضات يمنحها فرصة أكبر لتعزيز نفوذها عبر دعم طرفي النزاع بشكل انتقائي. النتيجة النهائية ستكون تعميق حالة الجمود الاستراتيجي، مع استمرار التدخلات الخارجية في تحديد مسار الأزمة السورية.

 

الخلاصة

المفاوضات بين الجولاني و"قسد" تمثل لحظة مفصلية في مستقبل سوريا ما بعد الأسد. الاتفاق المبدئي في مارس 2025 منح الأمل بمرحلة جديدة، لكنه ما زال هشًا أمام التباينات في الرؤى، وضغوط تركيا، واحتمال عودة التوترات الميدانية.

في حال الفشل، قد تفرز الساحة السورية تحالفات مضادة تعيد رسم خريطة القوى، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع، أو ربما تسهم في خلق توازن يفرض حلًا سياسيًا على الجميع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الداخلية تكشف ملابسات مشاجرة بين 10 أشخاص بسبب "توك توك" في أكتوبر
التالى وكيل السولية: اللاعب كان يريد الرحيل عن الأهلي الموسم الماضي