ظاهرة التسول ومنادي السيارات بدون ترخيص ليست مجرد مخالفات بسيطة، بل تمثل تحديًا أمنيًا واجتماعيًا يتطلب مواجهة شاملة.
وزارة الداخلية أظهرت حزمًا واضحًا في التعامل مع هذه القضايا، مدعومة بترسانة قانونية وتعاون مؤسسي مع جهات الدولة المختلفة.
وبينما تحقق الحملات الأمنية نتائج ملموسة في المدى القصير، فإن المعالجة الجذرية للظاهرة تتطلب تكامل الأدوار بين الأمن، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام، لتحقيق هدف واحد: شارع مصري آمن، منظم، وخالٍ من المظاهر غير الحضارية.
في إطار الاستراتيجية الشاملة لوزارة الداخلية المصرية لمكافحة الجريمة بكافة أشكالها، وفرض النظام في الشارع، ورفع المعاناة عن المواطنين، تواصل الأجهزة الأمنية حملاتها المكثفة لمواجهة ظاهرة التسول ومنادي السيارات (السايس) غير المرخصين، وهي ظواهر تتسبب في إزعاج المواطنين، وتشوه المشهد الحضاري، بل وتشكل أحيانًا بيئة خصبة لارتكاب جرائم أخرى.
وضعت وزارة الداخلية هذه الملفات على رأس أولوياتها، ودفعت بفرق من شرطة المرافق، بالتنسيق مع مديريات الأمن في القاهرة الكبرى وباقي المحافظات، لضبط المخالفين وإحالتهم للنيابة العامة، بالتوازي مع التوعية المجتمعية بمخاطر هذه الممارسات.
التسول.. ظاهرة اجتماعية تتحول إلى نشاط إجرامي
لم يعد التسول في الشوارع المصرية مقتصرًا على حالات فردية لذوي الحاجة، بل أصبح في كثير من الأحيان نشاطًا منظَّمًا تديره شبكات تستغل الأطفال والسيدات وكبار السن في جمع الأموال بطرق غير مشروعة.
وبحسب تقارير فإن بعض المتسولين يتنقلون بين الأحياء الراقية والمزدحمة للحصول على أكبر قدر من المال يوميًا، وأحيانًا يستخدمون أساليب تمويه مثل ادعاء المرض أو الحاجة لإجراء عملية جراحية، بينما آخرون يتعمدون إظهار أطفال في مشاهد مؤثرة لاستدرار عطف المارة.
منادي السيارات.. بين الفوضى والاستغلال
منادي السيارات أو ما يُعرف شعبيًا بـ"السايس" غير المرخص، أصبح مشهدًا مألوفًا في شوارع القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى، حيث يفرض بعض الأشخاص أنفسهم على المواطنين، مطالبينهم بدفع مبالغ مالية مقابل ركن سياراتهم في الشارع، حتى لو كان المكان عامًا ومجانيًا.
وزارة الداخلية تؤكد أن القانون رقم 150 لسنة 2020 بشأن تنظيم انتظار المركبات في الشوارع، يلزم أي شخص يعمل كسايس بالحصول على ترخيص من الوحدة المحلية المختصة، وأن ممارسة المهنة دون ترخيص تعرض صاحبها للعقوبة بالحبس أو الغرامة.
حملات مكثفة وضبطيات متواصلة
خلال الفترة الماضية شنت مديريات الأمن في القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، والدقهلية، حملات موسعة على أماكن انتشار المتسولين ومنادي السيارات غير المرخصين.
في القاهرة: تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط أكثر من 70 متسولًا في مناطق وسط البلد، مدينة نصر، ومصر الجديدة، من بينهم أشخاص تبين أنهم مطلوبون في قضايا نصب وسرقة.
في الجيزة: تم ضبط 25 سايسًا غير مرخصين في أحياء الدقي والعجوزة والمهندسين، وبعضهم كان يستخدم ألفاظًا نابية وتهديدات للمواطنين الرافضين الدفع.
في الإسكندرية: أسفرت الحملات عن ضبط 40 متسولًا و15 سايسًا، بينهم عناصر سبق اتهامهم في قضايا بلطجة.
اكدت وزارة الداخلية أن هذه الحملات ستستمر بشكل يومي، وأنها تأتي تنفيذًا لتوجيهات اللواء محمود توفيق وزير الداخلية بضرورة فرض الانضباط في الشارع، وعدم السماح بعودة المظاهر غير الحضارية.
خبراء أمنيون: مواجهة الظاهرة ضرورة لحماية الأمن العام
اللواء محمد عبد الحميد، الخبير الأمني، يؤكد أن انتشار التسول ومنادي السيارات غير المرخصين يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن المجتمعي، لأنه يفتح المجال أمام جرائم النصب والسرقة والتحرش، فضلًا عن كونه مظهرًا سلبيًا يؤثر على السياحة.
ويضيف: وزارة الداخلية لا تكتفي بالجانب الأمني فقط، بل تعمل بالتنسيق مع وزارتي التضامن الاجتماعي والتنمية المحلية لتوفير بدائل آمنة للمتسولين الحقيقيين، وإيجاد فرص عمل لمن يمارس مهنة السايس بشكل قانوني بعد الترخيص.
خبراء اجتماعيون: الحل يبدأ من الجذور
الدكتورة نهى عبد العزيز، أستاذة علم الاجتماع، ترى أن معالجة ظاهرة التسول تحتاج إلى مزيج من الحزم الأمني والمعالجة الاجتماعية، موضحة أن بعض الحالات تمارس التسول كحرفة وليس بدافع الحاجة.
وتقول: هناك شبكات تستغل الأطفال في التسول، وهذه جريمة مضاعفة، إذ تحرمهم من التعليم، وتعرضهم لمخاطر الانحراف. لذلك يجب أن يكون هناك دور أكبر لمؤسسات الرعاية الاجتماعية في احتواء هؤلاء الأطفال.
التأثير على المواطن.. وارتياح عام للحملات
استطلاع للرأي أظهر أن 78% من المواطنين يشعرون بتحسن ملحوظ في شوارع وسط القاهرة بعد الحملات الأمنية، مع تراجع ملحوظ في مضايقات المتسولين ومنادي السيارات.
المواطن أحمد سمير، من سكان مصر الجديدة، يقول: كنت أتعرض يوميًا لمضايقات من متسولين أمام إشارات المرور، وبعضهم كان يطرق زجاج السيارة بإلحاح شديد. الآن الأمر أقل بكثير بعد الحملات الأخيرة.
الإطار القانوني والعقوبات
وفقًا لقانون العقوبات المصري، يعاقب كل من يتسول في الطريق العام بالحبس مدة لا تجاوز شهرًا، وإذا كان المتسول قادرًا على العمل أو استخدم أطفالًا في التسول، تكون العقوبة الحبس حتى ثلاث سنوات.
أما بالنسبة لمنادي السيارات، فإن القانون الجديد ينص على أن من يزاول المهنة بدون ترخيص يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 1000 جنيه ولا تزيد على 5000 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.