200 عامل يعترضون على التوجه إلى الأراضى المحتلة.. واتهامات بازدواجية المعايير والفشل الأخلاقى
أعلنت فرقة الباليه والأوبرا الملكية، إحدى ركائز المشهد الثقافى البريطاني، إلغاء تعاونها المقرر مع الأوبرا الإسرائيلية لتقديم أوبرا "توسكا" لبوتشينى فى تل أبيب العام المقبل. تأتى هذه الخطوة بعد أسابيع من تصاعد التوتر داخل الفرقة مع تفاقم الأزمة الإنسانية فى غزة وتزايد معارضة الموظفين لهذا التعاون.
أبلغ الرئيس التنفيذى أليكس بيرد أعضاء الفرقة بهذا القرار، معترفًا بتدهور الوضع فى غزة، ومشيرًا إلى "المخاطر المرتبطة بسلامة أعضاء الفرقة" كعامل أساسى فى القرار. وأكد بيرد أن هذا القرار اتُخذ قبل أن يتلقى مجلس الإدارة رسالة مفتوحة من ١٨٢ موظفًا يعترضون على التوجه للعرض داخل إسرائيل، ولكن من الواضح أن الضغط الداخلى لعب دورًا مهمًا.
احتجاج العاملين
أدانت الرسالة المفتوحة، التى وقّعها ١٨٢ موظفًا من فرقة الباليه والأوبرا الملكية، بشدة نهج الفرقة تجاه حرب غزة. وجاء فى الرسالة: "إن وصف ما يحدث بأنه أقل من إبادة جماعية هو تجاهلٌ للأدلة القاطعة"، منتقدةً الفرقة لتعاونها السابق مع دار الأوبرا الإسرائيلية، التى قدمت تذاكر مجانية للجنود الإسرائيليين "المشاركين فى القوات نفسها المسؤولة عن عمليات القتل اليومية للمدنيين فى غزة"، وفقًا للرسالة.
كما طعن الموظفون فى ما اعتبروه تناقضًا مُقلقًا: إذ يتناقض دعم الفرقة العلنى لأوكرانيا بعد غزو روسيا عام ٢٠٢٢، بما فى ذلك عزف النشيد الوطنى الأوكرانى قبل العروض، مع صمتها المُفترض تجاه معاناة الفلسطينيين. وجاء فى الرسالة: "لماذا تُقابل معاناة الفلسطينيين بالصمت، بينما تُقابل معاناة الأوكرانيين بالعمل؟ إن ازدواجية المعايير مُدوية"، مُشككةً فى الوضوح الأخلاقى لقيادة الفرقة.
توترات وغضب
انكشفت مشاعر الإحباط على الملأ الشهر الماضى عندما رفع أحد الممثلين علمًا فلسطينيًا خلال ختام عرض أوبرا "إل تروفاتور". أدى الاحتجاج، الذى صُوّر بالفيديو، إلى شجار عندما حاول رجل - عرّفه الموقعون على الرسالة بأنه مدير الأوبرا أوليفر ميرز - الاستيلاء على العلم، لكنه فشل فى مسعاه.
أكد بيان بيرد اللاحق التزام الفرقة باحترام "جميع وجهات النظر" بين أعضائها وجمهورها. ومع ذلك، أكد على ضرورة أن يظل مسرح الفرقة خاليًا من التصريحات السياسية الفردية، حتى مع وصفه نفسه بأنه "مُفزَع من أزمة غزة".
أثار قرار فرقة الباليه والأوبرا الملكية جدلًا حول مسؤوليات المؤسسات الثقافية فى أوقات الأزمات العالمية. وبينما أعربت الأوبرا الإسرائيلية عن "أسفها العميق" للإلغاء وأكدت أنها ستقدم عرضًا بديلًا، أبدى النقاد والمؤيدون على حد سواء آراءهم فى كلا الجانبين.
أشار جون أليسون، محرر "أوبرا مع أخبار الأوبرا"، إلى الغضب الانتقائي، مشيرًا إلى أنه لم تظهر مثل هذه الحركة الداخلية خلال أزمات إنسانية أخرى، مثل حرب العراق. جادل أليسون بأنه لا الإدارة ولا المحتجون يتمسكون بموقف أخلاقى واضح، مشيرًا إلى أن القرار يهدف إلى قمع المعارضة الداخلية وحماية سمعة الفرقة بقدر ما يهدف إلى اتخاذ موقف مبدئي.
موازنة معقدة
يعكس إلغاء عرض "توسكا" فى تل أبيب توترات أوسع نطاقًا فى عالم الفنون حول كيفية الاستجابة للحرب والكوارث الإنسانية. ويسلط قرار فرقة الباليه والأوبرا الملكية الضوء على تحدى الحفاظ على الوحدة فى ظل قناعات سياسية وأخلاقية متنوعة - وغالبًا ما تكون عميقة الجذور. فى حين امتنعت الشركة عن توجيه انتقاد مباشر لإسرائيل، يُبرز هذا التمرد الداخلى الضغط المتزايد على المنظمات الثقافية لاتخاذ موقف من الصراعات العالمية، ومخاطر ما يُنظر إليه على أنه تناقض أو صمت.
وكما لخّص أليكس بيرد: "إن إدراكنا واحترامنا لتنوع الآراء بين زملائنا وجمهورنا هو جوهر هويتنا". ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا بالنسبة للكثيرين داخل الشركة وخارجها، هل لا يزال الحياد ممكنًا فى عصر النشاط العالمى الفوري؟
*نيويورك تايمز
