رغم أن تراكم الدهون في الكبد قد يبدو ظاهرة عابرة لا تستدعي القلق في بدايتها، إلا أن أطباء وخبراء يحذرون من أنه قد يكون مقدمة لسلسلة طويلة من الاضطرابات الصحية الخطيرة إذا لم يُكتشف مبكرًا ويتم التعامل معه بجدية، هذا ما أشار إليه healthline، حيث كشف عن تداعيات مترابطة تتجاوز الكبد لتطال القلب والكلى والغدد الصماء.
الالتهاب الصامت.. بداية الانهيار
تشير الأدلة إلى أن المرحلة الأولى من تراكم الدهون قد تتحول تدريجيًا إلى نوع من الالتهاب يُعرف باسم التهاب الكبد الدهني المرتبط بخلل التمثيل الغذائي (MASH)، في هذه المرحلة، يبدأ الكبد في فقدان قدرته على العمل بكفاءة نتيجة تلف خلاياه، مما يؤدي إلى تندب الأنسجة وتطور التليف، وهو بدوره يمهد الطريق لاحتمالات الإصابة بسرطان الكبد مستقبلاً.
الكبد يمرض.. والقلب يدفع الثمن
ورغم أن الكبد هو العضو المصاب مباشرة، فإن التأثيرات لا تبقى محصورة فيه، فمرض الكبد الدهني، سواء كان من النوع غير الكحولي (NAFLD) أو المرتبط بخلل التمثيل الغذائي (MASH)، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين، إذ تساهم الالتهابات المزمنة واضطرابات الأوعية الدموية في تسريع تصلب الشرايين ورفع احتمالات النوبات القلبية والسكتات الدماغية، بنسبة تصل إلى ضعف معدلاتها لدى غير المصابين.
خلل السكر في الدم.. حلقة مفرغة
من جهة أخرى، يبدو أن العلاقة بين الكبد الدهني ومرض السكري من النوع الثاني ليست مجرد تزامن عرضي، بل علاقة تبادلية معقدة، فالدهون الزائدة تعرقل تنظيم مستويات الغلوكوز، ما يرفع من خطر الإصابة بالسكري، وإذا أُهمل الأمر، يعزز السكري نفسه من التهابات الكبد وتدهور حالته، لتدخل الحالة في دائرة مفرغة يصعب الخروج منها دون تدخل طبي عاجل.
الكلى.. ضحية ثالثة
الضرر لا يتوقف عند هذا الحد، فالكلى بدورها تتأثر نتيجة الالتهابات المستمرة ومقاومة الأنسولين التي تتسبب في اختلال وظيفة بطانة الأوعية الدموية، وتشير دراسات حديثة إلى أن المصابين بالكبد الدهني والسكري معرضون بشكل أكبر للإصابة بأمراض الكلى المزمنة، وما يتبعها من مضاعفات قلبية وعصبية قد تودي بالحياة.
اضطرابات هرمونية.. مؤشرات خفية
تتسع دائرة الاضطرابات لتشمل الغدد الصماء أيضًا، حيث يرتبط الكبد الدهني بظهور اختلالات هرمونية مثل متلازمة تكيس المبايض لدى النساء وقصور الغدة الدرقية، والمفارقة أن هذا النوع من التلف الكبدي لا يقتصر على أصحاب الوزن الزائد، بل قد يصيب أشخاصًا بوزن طبيعي إذا ترافقت حالتهم مع مشاكل في التمثيل الغذائي.
وغالبًا ما تظهر الأعراض في شكل إنهاك مزمن، أو آلام خفيفة في البطن، أو تغيّرات جلدية، دون أن تُنذر بمشكلة في الكبد إلا بعد فوات الأوان.
متى يجب دق ناقوس الخطر؟
ينصح الأطباء بالخضوع للفحص الفوري إذا ظهرت عوامل خطر مثل:
• السمنة أو متلازمة تكيس المبايض
• السكري من النوع الثاني أو ارتفاع ضغط الدم
• ارتفاع إنزيمات الكبد لفترة طويلة دون تفسير
كما يُعد ظهور أعراض مثل الإرهاق المستمر، الغباش الذهني، ألم في الجزء العلوي الأيمن من البطن، فقدان الوزن غير المبرر، أو اصفرار الجلد والعينين، مؤشرات تتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا.
وتتضمن وسائل التشخيص فحوصات دم، وتصوير الكبد بالموجات فوق الصوتية، وفي بعض الحالات قد يتطلب الأمر خزعة لتحديد درجة الالتهاب أو التليف.
مرض الكبد الدهني لا يجب أن يُؤخذ على محمل الاستهانة، فرغم صمته في المراحل الأولى، إلا أن تطوره قد يؤدي إلى أمراض مزمنة متعددة تهاجم الجسم من أكثر من جبهة. ومع ازدياد معدلات السمنة والسكري عالميًا، أصبحت الحاجة لفحص الكبد بانتظام والتدخل المبكر أمرًا لا غنى عنه للوقاية من مضاعفات قد تكون مميتة.